أَحْسِنْ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ

بقلم د : عبدالفتاح سعيد وزير
الباحث بجامعة الأزهر الشريف

الحمد لله الذي جعل لكل شئ سببا، وأنزل على عبده كتابا عجبا، فيه من كل شئ حكمة ونبا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الخليقة عجما وعربا، وأزكاهم حسبا ونسبا، وعلى آله وأصحابه السادة النجبا.

وبعد،،،،

إن الإحسان إلى من أساء إليك من أسمى وأرقى القيم التي دعا إليها الإسلام. هذا المبدأ ليس مجرد سلوك اختياري، بل يمثل قيمة إسلامية عظيمة تحمل في طياتها معاني التسامح والعفو، فضلاً عن قوة النفس التي تتجاوز ردود الأفعال الغضبية. إنه درب الصالحين الذي لا يسلكه إلا أصحاب القلوب النقية والنفوس الرفيعة.

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: “وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ”

 تضع الآية لنا قاعدة إلهية: أن مقابلة الإساءة بالإحسان ليست فقط فضيلة، بل هي وسيلة لتحويل العداوة إلى صداقة حميمة. إنها استراتيجية نفسية عميقة تُكسر بها حواجز الكراهية.

كان النبي صلى الله عليه وسلم خير قدوة في هذا الباب. فعندما ذهب إلى الطائف يدعو أهلها، قابلوه بالرفض والسب والأذى، لكنه لم يدعُ عليهم، بل رفع يديه إلى السماء وقال: ” إِنَّ اللهَ لم يبعَثْنِي طعَّانًا، ولا لعَّانًا، ولكن بعَثَني داعِيًا ورحمَةً، اللهم اهدِ قوْمِي فإِنَّهم لا يعلمونَ “. هذا الموقف يجسد أعلى مراتب الإحسان والعفو.

 عن عمرو بن عبسة قال: أتَيْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقُلْتُ : يا رسولَ اللهِ مَن تبِعك على هذا الأمرِ قال حرٌّ وعبدٌ قُلْتُ يا رسولَ اللهِ ما الإسلامُ ؟ قال : طِيبُ الكلامِ وإطعامُ الطَّعامِ قُلْتُ : يا رسولَ اللهِ فما الإيمانُ ؟ قال : الصَّبرُ والسَّماحةُ قُلْتُ : فأيُّ الإسلامِ أفضلُ ؟ قال : مَن سلِم المسلِمونَ من لسانِه ويدِه قُلْتُ : فأيُّ الإيمانِ أفضلُ ؟ قال : خُلُقٌ حسنٌ “

وفي حديث آخر: ” أفضلُ الفضائلِ أن تصِلَ من قطعك وتُعطيَ من حرَمك وتصفَحَ عمَّن ظلمك” من حديث معاذ بن أنس 

قال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “إذا قدَرْتَ على عدوِّك، فاجعلِ العفو عنه شُكراً للقدرة عليه”. هذه المقولة تربط بين القدرة على الانتقام وبين العفو، وتعتبر العفو شُكراً لله على أن جعلك في موضع القوة، وهو موضع يُستحب فيه الإحسان.

وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: “إذا أردتَ أن يكونَ لكَ صديقٌ بلا عيب، فكن أنتَ بلا عيب”. وهذا القول يُبين أن الكمال البشري نادر، وأن التغاضي عن الزلات والعفو عن الأخطاء هو أساس العلاقات القوية.

إن الإحسان إلى من أساء إليك ليس ضعفاً، بل هو قوة عظيمة تنبع من الثقة بالله، وقوة الإيمان، وسلامة القلب. إنه درس يعلمنا أن نحول الألم إلى أمل، وأن نجعل من الإساءة فرصة لزرع بذور الخير.
في النهاية، كل عمل يقدمه الإنسان يجده عند الله، والإحسان هو من أفضل الأعمال التي تُقدم لله.