الرؤية الحضارية للخطاب الإسلامي المعاصر


سلسلة : مقالات في الفقه الإسلامي المعاصر

بقلم الأستاذ : مهدى صالحى

إنه في ظل هذه الثورة التقنية والتطور العلمي الذي أسهم في إحداث أنماط جديدة في الفكر والسلوك وفي الفضاء العالمي قد تعددت الخطابات في العالم العربي الإسلامي وهو مايستوجب رؤية تقويمية ذات صبغة حضارية تكون مقاربة فكرية تقدم أنموذجا حيّا لضبط بنية الخطاب المعاصر وإضفاء طابع حضاري يتجاوز كل ماهو تقليدي راديكالي؛ أي مخاطبة العقل الجمعي بلغة العصر قصد الاستجابة للحاجيات الإنسانية وملامسة الأزمات الطارئة وفقا للظرفية الزمانية والمكانية.

غير أن عدم الالتزام بهذا الضابط الموضوعي يكاد يشكّل أزمة في الخطاب الإسلامي بتوسيع الهوّة بين مراميه وبين مايطرأ على العصر من وقائع ؛ومن هنا تتجلى أزمة الخطاب المعاصر وهي تلك النزعة الانفصالية لاسيما أنه في الفترة الراهنة تعددت الخطابات بقدر ماتنوعت المرجعيات الفكرية أو الاتجاهات المذهبية داخل المنظومة الإسلامية.

وإذا كان التنوع في مفهومه الأخلاقي الواسع هو حقيقة فطرية وقانون تكويني ثابت إلا أن هذه الكثرة وتناقضاتها قد عمّقت الأزمة وأنشأت ضربا من الانتكاسة في الخطاب نفسه رغم توفر المؤسسات الدينية والمؤتمرات العلمية التي توجّه مساره صوب النجاعة والفعالية .

ويبقى الإشكال قائما حول مردّ هذه الأزمة؛هل تتعلق بأزمة الخطيب أم ببنية الخطاب؟

إذا صحّ التصور أن هشاشة الخطاب ترجع إلى عدم تملّك الخطيب لمهارات الإقناع وفنّ الاستمالة فإن هذا التصور في حاجة إلى المراجعة النقدية،ذلك لأنّ تحلّي شخص الخطيب بالفصاحة والبيان والقدرة الفائقة على التأثير في العواطف يمكن أن ينحو منحى خطيرا إذا لم يتجرّد من الانحياز للمذهبية وهو ماذهبت إليه الفلسفة المعاصرة التي تعتبر أن الانتماء إلى حزب يُفقد المفكر صفة المفكر  الحر وهنا دعوة إلى التحرّر ممّا هو إيديولوجي يتعارض مع الموضوعية.

ولهذا تتجلى الحاجة الماسة إلى إضفاء رؤية حضارية على الخطاب الإسلامي بارتباطه بالواقع بما أن فقه الواقع يدفع إلى ضبط بنية خطاب تنطلق من مقاصد النص التشريعي وتستشرف المآلات ،ولعل هذه الرؤية الحضارية هي منظومة من التصورات المشروعة المستوحاة من النص التأسيسي الذي يحمل في طيّاته خطابا حضاريا ذو بعد حداثي بالقطع مع الموروث الجاهلي التقليدي ،داعيا إلى عقلنة المجتمع وإخراجه من دائرة القيم والاعتقادات الطوباوية الفاسدة

ولذلك فإن تفعيل مقاصد الشريعة سبيل لصناعة وعي حضاري يجمع بين الماضي والحاضر وضبط الخطاب الإسلامي حتى يكون إصلاحيا