
خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ ( إعلاء قيمة السعى والعمل )
للدكتور : أيمن حمدي الحداد
عناصر الخطبة
♦ أولاً: مكانة العمل في الإسلام.
♦ثانياً: اتقان العمل وإحسانه.
♦ثالثاً: شمولية العمل فى الإسلام
نص الخطبة
الحمد لله رب العالمين أحمده سبحانه حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائم على كل نفس عملت والمجازي لها بما كسبت وأشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله خير من حمل لواء العلم والعمل وفتح أبواب الرجاء والأمل اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه الذين عمروا دنياهم بالعمل الصالح فكانوا ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد؛ فيا أيها المسلمون: إن تقدم الأممِ وازدهارها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بسعى أبنائها وتطلُّعاتهم واهتمامهم بالعمل الجاد الذي يسهم في بناءِ الأمة؛ قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(التوبة: ١٠٥)،
♦أولاً: مكانة العمل في الإسلام؛
لقد أعلى ديننا الحنيف من شأن العمل وأمر بالسعى؛ قال تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(الجمعة: ١٠)، وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾(الملك: ١٥)، وقال تعالى: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾(المزمل: ٢٠)، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبيّ ﷺ قال: «إنَّ أطيبَ ما أَكَلتُمْ من كسبِكُم» رواه الترمذي.
وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله ﷺ: «منْ أمسَى كالًّا منْ عَمِلَ يَدِيْهِ أَمْسَى مَغفُورًا لهُ» رواه الطبراني في المعجم الأوسط،، وفي سنده مقال.
– لقد كان سيدنا رسول الله ﷺ حريصاً على تربية المسلمين على العفة والاستغناء عن الخلق والجدية والسعي وبذل المجهود لكسب الحلال؛ فعن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «ما أكَلَ أحَدٌ طَعامًا قَطُّ، خَيْرًا مِن أنْ يَأْكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ، وإنَّ نَبِيَّ اللَّهِ داوُدَ عليه السَّلامُ، كانَ يَأْكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ» رواه البخارى.
وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال رسول الله
ﷺ: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بحُزْمَةِ الحَطَبِ علَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بهَا وجْهَهُ خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ» رواه البخارى.
– ولقد كان من هدى سيدنا رسول الله ﷺ تحويل البطالة إلى طاقة إنتاجية؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ أَتَى النبي ﷺ يَسْأَلُهُ فَقَالَ: «أَمَا في بَيْتِكَ شَىْءٌ»؟ قَالَ بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ. قَالَ: «ائْتِنِى بِهِمَا» فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ الله ﷺ بِيَدِهِ.
وَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِى هَذَيْنِ»، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ. قَالَ: «مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ»، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ. فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الأَنْصَارِىَّ وَقَالَ: «اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَاماً فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالآخَرِ قَدُوماً فَأْتِنِى بِهِ»، فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ الله ﷺ عُوداً بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: «اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلاَ أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً» فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْباً وَبِبَعْضِهَا طَعَاماً. فَقَالَ ﷺ: «هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِىءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً في وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ لِثَلاَثَةٍ لِذِى فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِى غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ لِذِى دَمٍ مُوجِعٍ» أبو داود وأحمد وابن ماجة.
– إن التوكل على الخالق جل جلاله من أعظم الأسباب التى يُستجلب بها الرزق؛ قال تعالى:﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً﴾(الأحزاب: ٣)، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «لو توكلتم على اللهِ حقَّ توكُّلِه لرزقكم كما تُرْزَقُ الطيرُ تَغْدُوا خِماصًا وتَرُوحُ بِطانًا» رواه الترمذي.
– قال لقمان الحكيم لابنه: يا بني، استغن بالكسب الحلال عن الفقر، فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقة في دينه، وضعف في عقله وذهاب مروءته، وأعظم من هذه الثلاث؛ استخفاف الناس به فاعمل وكل، فإن الله يحب من يعمل ويأكل ولا يحب من يأكل ولا يعمل،،
يا بني لا تُذهب ماء وجهك بالمسألة!!
– وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: «ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم» متفق عليه.
– ورُوِيَ أَنَّ أمير المؤمنين عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى ثَلَاثَةَ نَفَرٍ فِي الْمَسْجِدِ مُنْقَطِعِينَ لِلْعِبَادَةِ فَسَأَلَ أَحَدَهُمْ مِنْ أَيْنَ تَأْكُلُ؟ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، وَهُوَ يَأْتِينِي بِرِزْقِي كَيْفَ شَاءَ فَتَرَكَهُ وَمَضَى إلَى الثَّانِي فَسَأَلَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ لَهُ أَخًا يَحْتَطِبُ فِي الْجَبَلِ فَيَبِيعُ مَا يَحْتَطِبُهُ فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيَأْتِيه بِكِفَايَتِهِ فَقَالَ لَهُ: أَخُوك أَعْبَدُ مِنْك ثُمَّ أَتَى الثَّالِثَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ يَرَوْنِي فَيَأْتُونِي بِكِفَايَتِي فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ لَهُ اُخْرُجْ إلَى السُّوقِ
– لقد حظى السعى والعمل بمنزلة خاصة واحترام عظيم في دين الله رب العالمين؛ فعن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ» رواه أحمد.
(والفسيل صغير النخل)، وهذا أبلغ دليل على أن العمل مطلوب لذاته، والمسلم عليه أن يظل عاملاً منتجاً حتى نهاية الحياة وهذه قِمَّة الإيجابية.
– العمل الصالح في حدِّ ذاته عبادةٌ، سواء قطَف فاعلُه الثمرةَ بنفسه، أو استفاد منه غيره من المخلوقات؛ قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(النحل: ٩٧)، وعن جابر بن عبد الله قال رسول الله ﷺ: «ما من مسلم يَغْرِسُ غرسًا إلا كان ما أُكِلَ مِنهُ له صدقةً، وما سُرقَ له منه صدقةٌ، وما أكل السَّبُعُ منه فهو له صدقةٌ، وما أكلتِ الطيرُ فهو له صدقةٌ، ولا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إلا كان له صدقةٌ» رواه مسلم.
– وذُكر أن كسرى خرج يوماً يصطاد فوجد شيخاً كبيراً يغرس شجر الزيتون. فوقف عليه وقال له: يا هذا أنت شيخ هرم!! والزيتون لا يثمر إلا بعد سنوات طوال فلِمَ تغرسه؟!
فقال: أيها الملك زرع لنا من قبلنا فأكلنا فنحن نزرع لمن بعدنا فيأكل، فأمر له بألف دينار،، فيض القدير.
♦ثانياً: اتقان العمل وإحسانه؛ إن اتقان العمل يعنى أدائه العمل دون خلل فيه والالتزام بمتطلبات ذلك العمل من التقيد بضوابط وتقنيات معينة، وأداؤه في الوقت المحدد دون تأخير؛ قال تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾(البقرة: ١٩٥)،
وعن عائشة رضي الله عنها قال رسول الله ﷺ: «إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ» رواه الطبرانى.
– وربنا تبارك وتعالى أبدع وأحسن كل شىء خلقه؛ قال تعالى: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾(النمل: ٨٨)؛ وقال تعالى: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾(السجدة: ٧)،
– ولقد حثَّ ديننا الحنيف على الإحسان فى كل شىء؛ فعن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله ﷺ؛ قال: «إنَّ الله كتب الإحْسَان على كلِّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَّبح، وليُحِدَّ أحدكم شَفْرَتَه، فليُرح ذبيحته» رواه أبو دواد.
– إننا في حاجة ماسة إلى إتقان العمل، وعدم الغش والخداع، وخاصة أن البعض قد يُغلب مصلحتة الشخصية ومنفعتة المادية فيسىء العمل ولا يراعى الجودة والإتقان!!
–إننا بحاجة إلى غرس مراقبة الله عز وجل في نفوسنا ونفوس أبنائنا، في جميع أحوالنا وأعمالنا، في ضعفنا وقوتنا، في غنانا وفقرنا، في حركاتنا وسكناتنا؛ قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾(المجادلة: ٧)،
– لقد اشتكى الناس إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من غشِّ بائعي اللبن بالماء، فأمر أحد رجاله بأن ينادي في بائعي اللبن بألا يغشون اللبن، فدخل المنادي إلى السوق ونادى: يا بائعي اللبن، لا تَشُوبوا اللبن بالماء، فتغُشُّوا المسلمين، ومن يفعل فسوف يعاقبه أمير المؤمنين عقابًا شديداً.
وفي ذات ليلة خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مع خادمه – أسلم – ليتفقد أحوال المسلمين في جوف الليل، وفي إحدى الطرق جلس ليستريح من التجوال إلى جانب أحد الجدران، فإذا به يسمع امرأة تقول: قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه – أي اخلطيه – بالماء، فقالت الابنة: يا أُماه، وما علمتِ ما كان من عَزْمَة أمير المؤمنين اليوم؟! قالت الأم: وما كان من عزمته؟ قالت: إنه أمر مناديًا فنادى: لا يُشَابُ اللبن بالماء، فقالت الأم: يا بُنيَّتي، قومي إلى اللبن فامْذقيه بالماء فإنك في موضع لا يراك عمر، ولا منادي عمر، فقالت الصبية: والله ما كنت أطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، إن كان عمر لا يرانا، فربُّ أمير المؤمنين يرانا، ولَما سمع عمر بن الخطاب ذلك أُعجِب بالفتاة لمراقبتها وخشيتها لله، وقال: يا أسلم، حدِّد الباب بعلامة، واعرِف الموضع، ثم مضى، فلما أصبح قال: يا أسلم، امضِ إلى الموضع فانظر من القائلة؟ ومن المقول لها؟ وهل لهما من بعل – زوج – فذهب أسلم إلى المكان، فوجد امرأة عجوزًا، وابنتها أم عمارة، وعلم أنْ ليس لهما رجل، ثم عاد فأخبر عمر بن الخطاب.
دعا عمر بن الخطاب أولاده، فقال: هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوِّجه، ولو كان بأبيكم حَركة إلى النساء ما سبقه منكم أحد إلى هذه الجارية، فقال عبد الله بن عمر: لي زوجة، وقال أخوه عبد الرحمن: لي زوجة، وقال ثالثهما عاصم: يا أبتاه لا زوجة لي فزوجني، فبعث إلى الجارية فزوَّجها من عاصم، فولدت لعاصم بنتًا، ولدت هذه البنت ابنة صارت أم “عمر بن عبد العزيز”، خامس الخلفاء الراشدين – رضي الله عنه – إنها أم عمارة بنت سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي.
فأكرمها الله في الدنيا بزواجها من ابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وجعل من نسلها أميرًا للمؤمنين هو الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز الذي ملأ الأرض عدلًا ورحمة.
– إن تخلُّف المسلمين عن ركب الحضارة في هذا العصر من أهم أسبابه فساد الضمائر والتخلى عن
منهج الإسلام فى اتقان العمل واحسانه.
– ولقد حذر ديننا الحنيف من كل مظاهر الإساءة فى العمل من إهمال أو غش؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ: «مَرَّ علَى صُبْرَةِ طَعامٍ فأدْخَلَ يَدَهُ فيها، فَنالَتْ أصابِعُهُ بَلَلًا فقالَ: ما هذا يا صاحِبَ الطَّعامِ؟ قالَ أصابَتْهُ السَّماءُ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: أفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعامِ كَيْ يَراهُ النَّاسُ، مَن غَشَّ فليسَ مِنِّي» رواه مسلم.
– ولم يقتصر التحذير من عدم الإتقان للعمل والإحسان فيه على جانب دون جانب فقد نهي الإسلام عن الإساءة فى العمل سواء كان هذا العمل من أعمال الدنيا أو الآخرة؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: «تَخَلَّفَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ سَافَرْنَاهُ، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلَاةُ -صَلَاةُ الْعَصْرِ- وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ أَرْجُلَنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» رواه البخاري.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَعْلَمُ غَيْرَ هَذَا.
فَقَالَ: «فإذا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» رواه البخارى.
– إن إتقان الصلاة بالخشوع يكون بإتمام أركانها والاطمئنان فيها والإتيان بالخشوع فيها، ولقد مدح الله تعالى أهل الإتقان في الصلاة؛ قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾(المؤمنون: ١-٢)، وأما من لم يتقنها ولم يتم أركانها فتلك صلاة المنافق وهي مردودة في وجهه.
– وكذلك فالمسلم مأمور بالإتقان فى سائر أعماله من صيام وقيام وحج وعمرة كما أنه مأمور بالإتقان فى جميع ما كلف به من الأعمال؛ فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله ﷺ: «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ عليهم وهو مسؤولٌ عنهم والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسؤولٌ عنهم والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولدِهِ وهي مسؤولةٌ عنهم وعبدُ الرجلِ راعٍ على بيتِ سيدِهِ وهو مسؤولٌ عنهُ ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ» متفق عليه.
فاتقوا الله عباد الله: واحسنوا في أعمالكم واتقنوا فى أدائها وتوبوا إلى ربكم واستغفروه من تقصيركم.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لى ولكم.
الخطبة الثانية