جهل الوهابيين ومصداقية مذكرات مستر همفر

المقال من سلسلة ( الوهابية فكراً وممارسة )
كتاب للدكتور محمد عوض الخطيب

اعداد الاستاذ / سيد حسن     

من كل ما تقدم يتبين لنا أن الوهابيين لم ينقموا من المسلمين أموراً أساسية ، بل هم جادلوا في مسائل ثانوية وكفّروا المسلمين على أساسها ، إلا أن أفكارهم سرعان ما انكشف تهافتها ووهنها، ومن هنا نجد أنفسنا حيال هذا الأمر أمام فرضيتين :

أولاهما الجهل والسطحية وهو ما يؤكده العديد ممن التقوا بأئمة الوهابية . فقد روى الشيخ ابراهيم المنصوري: ( أن ابن عبد الوهاب و كان يمنع أتباعه من مطالعة كتب الفقه والتفسير والحديث ، وقد أحرق كثيراً منها وأذن لكل من اتبعه أن يفسر القرآن الشريف بحسب فهمه فكان كل واحد منهم يفعل ذلك حتى ولو كان لا يحفظ من القرآن شيئا ، وذلك بعد أن أحرق كتاب دلائل الخيرات وغيره من كتب الصلاة على النبي وكذلك كتب المنطق .

كما ذكر السيد محمد سليم الكيلاني الاسكندراني أن أحد المفتين الوهابيين ويدعي عبد الله خلف حضر إلى دمشق وطلب منه أن يعطيه كتاباً في علم النحو وشيئاً من فن الصرف فأمره أن يحضر مع صغار الطلبة الذين يدرسون كتاب  “قطر الندى” وكتاب ( النبأ في الصرف ) وكذلك فعل القاضي الشيخ عبد الله مرعي ويعلق السيد الاسكندراني على مستواهم هذا بقوله: “فإذا كان هذا مبلغ علم قاضيهم ومفتيهم فما بالك في بقية علمائهم” . ويضيف : “إني اجتمعت بكثير من علمائهم فوجدتهم من الجهل بمكان ومن العلم بمعزل”.

وحتى أقرب الناس نسباً بمحمد بن عبد الوهاب وأعني به أخاه سليمان نسب إليه القصور العلمي وذلك في قوله: “ابتلي الناس بمن ينتسب إلى الكتاب والسنة ويستنبط من علومهما ولا يبالي من خالفه . وإذا طلبت منه أن تعرض كلامه على أهل العلم لم يفعل بل يوجب على الناس الأخذ بقوله وبمفهومه ومن خالفه فهو عنده كافر. هذا وهو لم يكن فيه خصلة واحدة من خصال الاجتهاد ولا والله عشر واحدة ومع ذلك راج كلامه على كثير من الجهال” . ونحن ندعو من يشك في أمر جهل الوهابيين ليس فقط إلى التأمل في أفكارهم وما تنم عنه من معارف جزئية وسطحية ، بل وإلى أساليبهم الكتابية الركيكة الواضحة في كتبهم ورسائلهم ناهيك عن رسائل مؤسس دولتهم الحديثة وبرقياته التي تنم عن أمية واضحة .

على أن هذا الجهل لم يستطع حتى المدافعون عن الوهابية إلا أن يعترفوا به ، فهم يقولون إن الجهل كان سائداً في مناطق نجد بشكل عام . فقد جاء في شرح محمد حامد الفقي لأسباب نجاح الوهابية في حين فشل ابن تيمية وابن القيم الجوزية ، قوله : ( على نهج شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم سلك شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، ولكنه كان قد هييء له من الظروف ما لم يتهيأ للشيخين . فبلاد نجد البدوية حيث انطلقت دعوة ابن عبد الوهاب غير مصر والشام حيث نشط ابن تيمية ثم تلميذه ابن القيم التي كانت تعج بالملوك والأمراء والجيوش والقواد والمدارس والحضارات وتكايا المتصوفة المختلفة والقضاة والعلماء والمدرسين في جميع المذاهب) .

وهكذا فإنه من وجهة نظر هذا النصير المتحمس للوهابية الذي كان يتنقل بين قصور أمراء آل سعود ، لعب خلو نجد من الحضارة والعلم والعلماء الدور الأساسي في ظهور دعوة ابن عبد الوهاب وانتشارها على أن هذه البيئة التي يتفشى فيها الجهل لم تنعكس على عامة الناس فقط بل وعلى دعاة الوهابية أيضاً.

ولكن الجهل الوهابي ساندته القوة العسكرية الأمر الذي سمح بفرض العقيدة على من لم يتقبلها بحد السيف. فتظاهر هؤلاء بالقبول أو صور للوهابيين أنهم قبلوا ، وذلك كما حصل في استفتاء قاضيهم ابن بلهيد لعلماء المدينة المنورة.

إلا أن احتمال الجهل لا يقوم لوحده، إذ لابد للجهل أن ينكشف فلا يمكن أن يسيطر أكثر من قرنين من الزمن على الناس علمائهم وجهالهم .

ومن هنا كان لابد من فرضية أخرى تكون مساعدة للأولى ، والفرضية الظاهرة هي تبني القوى الاستعمارية للحركة الوهابية ومدها بوسائل القوة العسكرية وحتى خوض المعارك إلى جانبها وهذا واضح من خلال الوقائع التاريخية وضوح الشمس كما سنلاحظ في ما بعد.

فهل كان دور القوى الاستعمارية دور من يستفيد من حركة ثورية ناهضة فيوظفها لحسابه أم أنه دور خلق مثل هذه الحركة ؟ .

فإذا كان دور هذه القوى مقتصراً على الاستفادة من حركة قائمة لتوظيفها، فإن هذه القوى تهتم بالجانب العملي والسياسي من نشاط الحركة بعد قيامها وترسخها . وهنا يبقى التساؤل : كيف يمكن لشخص مسلم أو جماعة مسلمة أن تقوم بمحاولة شق المسلمين دينياً وعقائدياً ثم سياسياً في ظروف التآمر الاستعماري ، محاولة القضاء على كل شعائر الإسلام ورموزه وسائر ما يربطه بدينه من مظاهر محسوسة تذكره بالشخصيات الكبيرة في تاريخه .

إن هذا يعطي مرة أخرى مصداقية نسبية لكراس ومذكرات المستر همفر ، كما عرضناها في مقدمة هذا القسم لا سيما في الجزء من الخطة التي عرضها لضرب الإسلام الذي يشكل عائقاً في وجه استيلاء المستعمرين على هذه البلاد.

على أننا لا نتهرب من الاعتراف بأن ظروفاً موضوعية سادت العالم الإسلامي فسمحت بتقبل الوهابية عند عدد محدود ممن يتمتعون بشيء من الثقافة ، سواء ممن كانوا يحملون ثقافة دينية سطحية أو من تأثروا بشكل أو بآخر بالفكر الغربي العلماني الجديد كالشيخ رشيد رضا مثلاً .

. وقد تمثلت تلك الظروف كما رأينا أولاً بكون باب الاجتهاد في المسائل الدينية كان مقفلاً منذ قرون عند فريق واسع جداً من المسلمين ، الأمر الذي بدا اختراقه لأول وهلة ثورة إصلاحية بصرف النظر عن مضمونها .

وتمثلت تلك الظروف ثانياً باحتلال الطرائق الصوفية حيزاً واسعاً جداً في الحياة الدينية وتحول شيوخها إلى نوع خارق من البشر يستطيع الاستيلاء على عقول الآخرين وإرادتهم. كما تمثلت أخيراً في ضبابية المفاهيم عند العامة ممن يتوجهون إلى الصلحاء والأولياء والذين استغلت الوهابية ظواهر تصرفاتهم لتؤسس عليها شرك وكفر المسلمين، على أنه كان يكفيها في هذا المجال أن تلجأ الى حملة توعية ترسخ بواسطتها ، لو كانت مخلصة للدين ، مسألة التوجه إلى الله وحده دونما حاجة إلى سفك الدماء وانتهاك الحرمات ونهب الأموال .