بحث حول ( اعلاء قيمة السعي والعمل وصورهما وبركاتهما في الدنيا والآخرة ) للشيخ رضا الصعيدى


بحث حول ( اعلاء قيمة السعي والعمل وصورهما وبركاتهما في الدنيا والآخرة ) للشيخ رضا الصعيدى

ما قيمة السعي  في الإسلام ؟ وكيف حث عليه ؟ وما ألوانه وثمرات كل لون وبركاته  في الدنيا والاخرة ؟

العمل في حياة الأنبياء:

يقول تعالى: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105..

]هذا ابو البشر آدم -عليه السلام ، كان يعمل بالزراعه – قال القرطبي إن آدم -عليه السلام- عمِلَ في الزّراعة، كما نُقل عن أنس -رضي الله عنه- أنّه كان يعمل بالحياكة، ورُويَ أنّه أوَّل من عمل بالحِياكة.

وسيدنا إدريس -عليه السلام– فقد ذكر الشيباني في كتابه “كسب الأنبياء” أنّ إدريس -عليه السلام- كان يعمل بالخياطة. وقيل هو اول من خط بالقلم وخاط الثوب.. فعن ابن عباس أن إدريس كان خياطا، فكان لا يغرز إبرة إلا قال: سبحان الله فكان يمسي حين يمسي، وليس في الأرض أحد أفضل عملا منه، وفقا لما جاء في (تفسير القران العظيم) لابن كثير.

ان سيدنا نوح -عليه السلام- كان نجَّاراً، وكان متقنا في صنعته بدليل صناعتهِ للسفينة، بإتقان زراعية الهية لِقولهِ -تعالى-: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ* وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ).

اما إبراهيم ولوط -عليهما السلام- فقد جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّهم اشتغلا بالزِّراعة.

وكان إبراهيم -عليه السلام- كان بنَّاءً، فقد بنى الكعبة مع ابنه إسماعيل، فأتقنها وجملها بإخلاص قال تعالى-: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).وهو اول من اختتن وضاف الضيفان وقيل كان يتاجر بالقماش…

ونبي الله داود -عليه السلام- كان حداداً، والان الله له الحديد كما تمناه وعلمه ربه صنعة فتعلمها واتقنها ايما إتقان لِقولهِ تعالى: { وَعَلَّمناهُ صَنعَةَ لَبوسٍ لَكُم } من سورة الاننبياء ، وكان يصنع الدروع الحربية روي الامام البخاري عَنِ المِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» صحيح البخاري..

وقد خصَّه بالذِّكر بالرغم من أنّ مُعظم الأنبياء كانوا يعملون؛ لأنّه كان ملكاً، ونبياً، وصانعاً في نفس الوقت وهو من الأنبياء الذين عملوا بالحُكمِ والمُلك، قال تعالى-: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ)، حيثُ كان خليفةً في الأرض.

اما سُليمان -عليه السلام- حيثُ كان وريثاً للحُكم بعد أبيه داود -عليه السلام-، فقد كان يُشاورهُ في الحُكم؛ لوفورة عقله، فقال -تعالى- عن ذلك: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ) [ النمل٣٠] أي ورثهُ في النُبوَّة والمُلك والحُكم، وكان ملكاً على الشَّام، وقيل: إنّه مَلَكَ الأرض جميعها، وقال ابن عباس -رضي الله عنه-: “ملك الأرض مؤمنان: سليمان وذو القرنين” وكان في حُكمهِ ربّانياً، وعادلاً، بعيداً عن الطُغيان والظُلم وقد أعطاه الله -تعالى- ملكاً عظيماً وكبيراً.

ورويَ أنَّ سُليمان -عليه السلام- كان يصنع المكاييل .

وكان نبي الله عيسى – عليه السلام – يعمل بالطب وعلاج المرضى، يقول الله تعالى في كتابه العزيز ( وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ )  -( سورة آل عمران: 49) ..

ويوسف -عليه السلام- فقد كان وزيراً للماليَّة أو التموين، وهو منصبٌ يتعلَّق بالأموال، والإحصاءات، والتَّخزين والتَّوزيع، لِقولهِ -تعالى-: ( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ).

وزكريا -عليه السلام- فقد كان يعمل بالنِجارة، بدليل ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” كَانَ زَكَرِيَّا نَجَّارًا ” مسند الإمام أحمد بن حنبل ..

والياس عليه السلام كان يعمل في الغزل وموسى -عليه السلام- فقد كان يعمل برعي الغنم، إضافةً إلى عمله بالتِّجارة، مما يدُلُّ على إعلاء شأن العمل، وتشريفِ للعاملين.[ وقد عمل بالكتابة، حيث كان يكتب التوراة بيده. وعن عُتْبَةَ بْنَ النُّدَّرِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ يَوْمًا، ” فَقَرَأَ طس حَتَّى إِذَا بَلَغ قِصَّةَ مُوسَى صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ مُوسَى أَجَّرَ نَفْسَهُ ثَمَانِ سِنِينَ أَو عَشْرًا عَلَى عِفَّةِ فَرْجِهِ وَطَعَامِ بَطْنِهِ . المعجم الكبير للطبراني..

ومسك الختام وبدر التمام سيد البشرية سيدنا مُحمد -عليه الصلاةُ والسلام- وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرعى الغنم لأهل مكة بالقراريط قال سويد: يعني كل شاة بقيراط فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ»، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ» كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وِآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلَ عَمَلاً أَثْبَتَهُ , فإتقان العمل يدل على كمال العامل.

وعمل النبيّ صلي الله عليه وسلم بالتِّجارة بعد عمله برعي الغنم، وذلك بعد أن طلب من عمِّه أبي طالب وهو في سنِّ الثانية عشر من عُمره أن يصحَبَهُ معه في تجارتهِ إلى بلاد الشّام، وهناك التقوا بالراهب بحيرا الذي أخبر أبا طالب أنّ ابن أخيه محمّد سيكون له شأنٌ عظيمٌ، ثُمّ كانت رحلته الثانيّة إلى بلاد الشَّام في تجارةٍ للسيدة خديجة -رضي الله عنها- مع غُلامها ميسرة وما قاله عن صدقه وأمانته وإتقانه وظل يتاجر حتي لحق بالرفيق الأعلى

والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بأن نكون لحمة واحدة ينفع أحدنا نفسه قبل الآخرين، ثم ينفع من أمرهم الله جل وعلا بأن يعولهم، يبني نفسه بناءً عقدياً ورجولياً وأخلاقياً، وينفع أمته ووطنه ومجتمعه ونفسه ثم نؤدي شكر الله الذي علما الصنعة واعطانا الخير كله أخرج أحمد من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» قَالَ عَفَّانُ: «يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ حَمَلْتُكَ عَلَى الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ ، وَزَوَّجْتُكَ النِّسَاءَ، وَجَعَلْتُكَ تَرْبَعُ، وَتَرْأَسُ، فَأَيْنَ شُكْرُ ذَلِكَ»..

ألوان من السعي :

السعي في العمل وبركاته :

بركات العمل وفوائده :

1-اليد العليا خير من اليد السفلى :

ذكر صاحب كتاب موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق قال ورد أن شقيق البلخي ودع صديقه إبراهيم بن أدهم، لسفره في تجارة، ولم يلبث إلا مدة يسيرة ثم عاد ولقيه إبراهيم، فعجب لسرعة إيابه من رحلته، فسأله: لِمَ رجع؟ فقص عليه قصة شهدها أنه رأى طائرًا أعمى كسيحًا وجاء طائر آخر يحمل إليه الطعام ويمده به، حتى يأكل ويشبع، فقال شقيق: إن الذي رزق هذا الطائر الأعمى الكسيح في هذه الخربة لقادر على أن يرزقني، وقرر العودة، فقال له إبراهيم بن أدهم: سبحان الله يا شقيق! ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى العاجز الكسيح ، ولا تكون أنت الطائر الذي يسعى ويكدح ويعود بثمره على العُمى من حوله، أما سمعت قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “اليد العليا خير من اليد السفلى” [متفق عليه].

2-التسابق للثواب :

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر” [ السلسلة الصحيحة – الألباني ].. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:”مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ”[البخاري].

وقد يسأل سائل بقوله: ما الفائدة من غرس الفسيلة والساعة قائمة؟ وقد لا أجد أجمل مما أورده أحدُ العلماء المعاصرين للإجابة عن ذلك: “بأنَّه تكريم للعمل الذي يتعبد به المسلم لربه، والعبادة ليس لها أجل تقف عنده”؛ لقوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ}[99 الحجر].

3- رد الخير على صاحبه والجزاء من نفس العمل  :

من شعر – علي_بن_أبي_طالب- رضى الله عنه قوله :

ازرع جميلا  ولو في غير موضعه فـلن يضيع جميلا .. أينما زرع

إن الجميل .. وإن طال الزمان به   فليس يحصده .. إلا الذي زرع

4-العمل عزة للمؤمن وصدقات والتسول عار دنيا واخرة:

 فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” لَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَتَصَدَّقَ مِنْهُ فَيَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنْ النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ” (الترمذي وحسنه).

يُروى في ذلكَ أن رجلاً من الأنصارِ أتى النبيَ صلى الله عليه وسلم يسألُه، فقال: «أما في بيتك شيءٌ؟» قال: بلى، حِلسٌ نلبسُ بعضَه، ونبسُط بعضَه، وقَعبٌ نَشربُ فيه الماءَ، قال: «ائتني بهما»، قالَ: فأتاه بهما، فأخذَهما رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بيده، وقالَ: «من يشتري هذين؟» قالَ رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمٍ، قالَ: «من يزيدُ على درهمٍ؟» -مرتينِ أو ثلاثاً-، قالَ رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري وقالَ: «اشتر بأحدهما طعاماً فأنبذه إلى أهلك، واشتر بالآخرِ قَدوماً فأتني به»، فأتاه به، فشدَّ فيه صلى الله عليه وسلم عوداً بيده، ثم قالَ: «اذهب فاحتطِب وبع، ولا أرينَّكَ خمسةَ عشرَ يوماً»، فذهبَ الرجلُ يَحتطبُ ويبيعُ، فجاءَ وقد أصابَ عشرةَ دراهمٍ، فاشترى ببعضِها ثوباً وببعضِها طعاماً، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:  «هذا خيرٌ لك من أن تجيءَ المسألةُ نكتةً في وجهكَ يومَ القيامةِ، إن المسألةَ لا تصلحُ إلا لثلاثةٍ، لذي فقرٍ مُدقِعٍ، أو لذي غُرمٍ مُفظِعٍ، أو لذي دَمٍ مُوجعٍ» (رواه أبو داودَ والترمذيِّ وحسنَّه).

إنَّ العملَ شرفٌ، ولو لم يكنْ الإنسانُ في حاجةٍ للعملِ، لكان عليه أنْ يعملَ للمجتمعِ الذي يعيشُ فيهِ، فإنَّ المجتمعَ يعطيه، فلابدَّ أنْ يأخذَ منهُ على قدرِ ما عندَهُ. يُروَى أنَّ رجلًا مرَّ على أبي الدرداء الصحابِيّ الزاهدِ – رضي اللهُ عنه- فوجدَهُ يغرسُ جوزةً، وهو في شيخوختهِ وهرمهِ، فقالَ لهُ: أتغرسُ هذه الجوزةَ وأنت شيخٌ كبيرٌ، وهي لا تثمرُ إلّا بعدَ كذا وكذا عامًا ؟! فقال أبو الدرداء: وما عليَّ أنْ يكونَ لي أجرهَا ويأكلُ منهَا غيري!!

 وأكثرُ مِن ذلك أنَّ المسلمَ لا يعملُ لنفعِ المجتمعِ الإنسانيِ فحسب، بل يعملُ لنفعِ الأحياءِ، حتى الحيوانِ والطيرِ، والنبيُّ ﷺ يقولُ: ” مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ” [البخاري] ، كما قال صلى الله عليه وسلم لسيدنا سعد: ” إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ” (البخاري)… قال على بن ابي طالب :

لَنَقلُ الصَخرِ مِن قُلَلِ الجِبالِ        أَحَبُّ إِلَيَّ مِن مِنَنِ الرِجالِ

يَقولُ الناسُ لي في الكَسبِ عارٌ   فَقُلتُ العار في ذُلِّ السُؤالِ

ومن ثمَّ يدْخُلُ في نفق التسول ومدِّ يَدِ الفقرِ ولسانِ طلبِ العطفِ من النَّاس، وصلى الله وسلم على نبينا الكريم الذي كان يكرهُ للعبد سؤال الناس ما دام قادراً على العمل ويجعل المسألة بلا عملٍ ضرباً من الندم فعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله ﷺ قال: (ما يزالُ الرجلُ يسأَلُ الناسَ، حتى يأتي يومَ القيامةِ ليس في وجهِهِ مُزْعَةُ لحمٍ ) (صحيح البخاري )..وها هو موسى مع شرفه ونبوته رضي أن يكون أجيرا عند غيره …وهكذا كان لكل نبي حرفه كما سبق ذكره ..

الإســــلامُ يحـاربُ الكســـلَ.

عبادَ اللهِ: إذا كان الإسلامُ يدعو إلي العملِ والإنتاجِ فإنَّه يرفضُ البطالةَ والكسلَ والتسولَ؛ لأنَّ ذلك مِن أسبابِ تأخرِ البلادِ وهلاكِ العبادِ، وقد كان رسولُ اللهِ ﷺ يستعيذُ باللهِ مِن العجزِ والكسلِ، عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ»(صحيح البخاري).

فالعجزُ والكسلُ قرينانِ، أمَّا العجزُ فعجزُ القدرةِ وأمّا الكسلُ فعجزُ الإرادةِ، يقولُ ابنُ القيمِ رحمهُ اللهُ: الذَّنْبُ إِمَّا يُمِيتُ الْقَلْبَ، أَوْ يُمْرِضُهُ مَرَضًا مُخَوِّفًا، أَوْ يُضْعِفُ قُوَّتَهُ وَلَا بُدَّ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضَعْفُهُ إِلَى الْأَشْيَاءِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي اسْتَعَاذَ مِنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ: « [الْهَمُّ، وَالْحَزَنُ، وَالْعَجْزُ، وَالْكَسَلُ، وَالْجُبْنُ، وَالْبُخْلُ، وَضَلَعُ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةُ الرِّجَالِ] » وَكُلُّ اثْنَيْنِ مِنْهَا قَرِينَانِ.

5-العمل يوازى الجهاد :

قال تعالي:{ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّه وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } (سورةالمزمل: 20) قال الإمام القرطبي – رحمه الله – في تفسيره لهذه الآية: “سوى الله تعالي في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال ، فكان هذا دليلاً على أن كسب المال بمنزلة الجهاد لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله”… وهذا ما أكده  الرسول الكريم  لأصحابه. فعَنْ كَعْبِ بن عُجْرَةَ، قَالَ: ” مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِلْدِهِ وَنَشَاطِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ”. [ صحيح الترغيب والترهيب  ] ..

6- فضل العمل في احياء الموات :

كما أنَّ الإسلام قد دفَع معتنِقيه إلى السَّعْي والنَّشاط الاقتِصادي بطريقٍ آخَر، يتمثَّل في إباحتِه تمليكَهم نتائجَ أعمالِهم، كإحْياء الأرْض الميتة التي لا ملك لها فمن أحياها ملكها لقوله – صلى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أحيا أرضًا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق))[رواه البخارى ]…

وقد ثبت أنَّ عمر بن الخطَّاب – رضي الله عنْه – استردَّ بعض الأراضي التي أقْطعها رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – إلى بلال بن الحارث المُزَني، وقال: “إنَّ رسول الله لم يُقْطِعك لتحْجره على الناس، إنَّما أقطعك لتعمل، فخُذْ منها ما قدرت على عمارته، وردَّ الباقي”.

7- الرزق سبيله العمل :

قيل لأحمدَ بْنِ حنبل: ما تقولُ في رجلٍ جلس في بيْتِه أو مسجِده وقال: لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي؟ فقال أحمد: هذا رجلٌ جاهل العمل؛ أما سمِع قول النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلَّم :((إنَّ الله جعل رِزْقي تَحت ظلِّ رمْحي))  ..

ولقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسعون على أرزاقهم، ويسلكون طرق الكسب في غير كسل ولا تواكل، فكان منهم التجار البارعون، وهذه أسواق الجاهلية، تشهد بذلك: سوق عكاظ، ومجنة، وذو المجاز، وبنو قينقاع، وحباشة..

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كانت عكاظ، ومجنة، وذو المجاز، أسواقاً في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في المواسم، فنزلت : ” لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ” [البقرة: 198] في مواسم الحج» (رواه البخاري) .

ثمرات الورع وتحرى الحلال :

1-بركة في الأولاد:

بينما كان رجل يسير بجانب بستان وجد تفاحة ملقاة على الأرض فتناول التفاحة وأكلها ثم حدثته نفسه بأنه أتى على شيء ليس من حقه فأخذ يلوم نفسه وقرر أن يرى صاحب هذا البستان فإما أن يسامحه أو أن يدفع له ثمنها، وذهب الرجل لصاحب البستان وحدثه بالأمر، فأندهش صاحب البستان لأمانة الرجل، وقال له: ما اسمك؟؟ قال له: ثابت، قال له: لن أسامحك في هذه التفاحة إلا بشرط أن تتزوج ابنتي واعلم أنها خرساء عمياء صماء مشلولة، إما أن تتزوجها وإما لن أسامحك في هذه التفاحة فوجد ثابت نفسه مضطرًا، يوازي بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. فوجد نفسه يوافق على هذه الصفقة؛ وحين حانت اللحظة التقى ثابت بتلك العروس، وإذ بها آية في الجمال والعلم والتقى فأستغرب كثيرًا لماذا وصفها أبوها بأنها صماء مشلولة خرساء عمياء، فلما سألها قالت: أنا عمياء عن رؤية الحرام، خرساء صماء عن قول وسماع ما يغضب الله، ومشلولة عن السير في طريق الحرام، وتزوج هذا ثابت بتلك المرأة، وكان ثمرة هذا الزواج: الإمام أبى حنيفة النعمان ابن ثابت رضى الله عنه…

2-بركة القناعة والرضا:

عن حَكِيمِ بْنِ حِزامٍ رضى الله عنه ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ عليه الصلاة والسلام  فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي؛ ثُمَّ قَالَ: يَا حَكِيمُ إِنَّ هذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ

 (خَضِرَةٌ حلوة) شبهه في الرغبة فيه، والميل إليه وحرص النفوس عليه بالفاكهة الخضراء الحلوة المستلذة..

قوله: (فمن أخذه بسخاوة نفس) يعنى بالاصول المتبعة شرعا ، يريد من أخذه من غير حرص وشره، وقوله: (ومن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع)، يريد أن سبيله في ذلك سبيل من يأكل من ذي سقم وآفة، يأكل فيزداد سقما، ولا يجد شبعا، فينجع فيه الطعام، وأحسبه أراد من به الجوع الكاذب، وهو علة من العلل.

3-راحة يوم الحساب :

 عن أَبي برزة نَضْلَة بن عبيد الأسلمي – رضى الله عنه  – ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله – صلوات ربي عليه  – : ( لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أفنَاهُ ؟ وَعَنْ عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفيمَ أنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسمِهِ فِيمَ أبلاهُ ؟ )  .

4- نور فى القلب :

الكسب الحرام له آثار وأضرار وخيمة على صاحبه فهو يؤدي إلى ظلمة القلب وكسل الجوارح عن طاعة الرب ، ونزع البركة من الرزق والعمر .

وقال ابن عباس  :” إن للحسنة نوراً في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البدن، وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن..

تحذير : عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:((يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم الحرام))؛ رواه البخاري.

5-قبول  الدعاء :

 عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وَقَالَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ». ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ

لمثل هذا قال بعض السلف: ” لا تستبطئ الإجابةَ وقد سددتَ طُرقَها بالمعاصي “.

 6-قبول العمل الصالح :

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( من اشترى ثوباً بعشرة دراهم وفيه درهم من حرام لم يقبل الله عز وجل صلاة ما دام عليه، ثم أدخل إصبعيه في أذنه ثم قال : صمتا إن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سمعته يقوله ) حديث ضعيف .

لما نزل قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168]، قام سعدُ بنُ أبي وَقَّاصٍ, فقال: يا رسولَ اللهِ, ادعُ اللهَ أنْ يَجعَلَني مُستَجابَ الدَّعوةِ. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:

(يا سعدُ، أَطِبْ مَطْعَمَكَ؛ تَكُنْ مُستَجابَ الدَّعوةِ. والَّذي نفْسُ محمَّدٍ بيدِهِ, إنَّ العبدَ لَيَقذِفُ اللُّقمةَ الحرامَ في جَوْفِهِ ما يُتَقبَّلُ مِنهُ عَمَلٌ أربعين يومًا, وأيُّما عبدٍ نَبَتَ لحمُهُ مِن سُحْتٍ, فالنَّارُ أَوْلَى بهِ) (الطبراني عن عبد الله بن عمر) واسناده فيه نظر ..

عن ابن عباس والذي نفس محمد بيده، إن الرجل ليَقْذفُ اللقمة الحرام في جَوْفه ما يُتَقبَّل منه أربعين يومًا، وأيّما عبد نبت لحمه من السُّحْت والربا فالنار أولى به” . المعجم الأوسط للطبراني برقم (5026).

7-سبب قبول الصدقه :

روى أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله: (لا يكسِبُ عبدٌ مالَ حرامٍ, فيتصدقُ منه فيُقبلَ منه، ولا يُنفقُ منه فيُباركَ له فيه، ولا يتركه خلفَ ظهره إلا كان زادَه إلى النار، إن الله لا يمحو السيئَ بالسيئِ، ولكن يمحو السيئَ بالحسنِ، إن الخبيثَ لا يمحو الخبيثَ).

وقال سفيان الثوري: من أنفق الحرام في الطاعة كمن طهر الثوب بالبول, والثوب لا يطهره إلا الماء، والذنب لا يكفره إلا الحلال.

موقف مع ابي حنيفه :

مر الإمام أبو حنيفة في طريق فرأى رجلا يسرق تفاحة، تبعه فوجده يتصدق بها

سأله أبو حنيفة: لم سرقتها ظننتك جائعا؟

فقال الرجل: لاياهذا (وهو لايعرف أنه الإمام أبو حنيفة)، أنا أتاجر مع ربي

قال أبو حنيفة: وكيف ذلك؟

قال الرجل: سرقتها فكتبت علي سيئة واحدة؟ وتصدقت بها فكتبت لي عشر حسنات، بقي لي تسع حسنات كسبتها، اليست تجاره مع الله ..

قال له الإمام أبو حنيفة: أنت سرقت فكتبت عليك سيئة، ولما تصدقت بها لم يقبلها الله منك (لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا) فبقيت عليك سيئة، واحده هي  السرقة…

كم في زماننا من أمثال هذا الرجل، يفتي لنفسه أو لغيره دون بينة، ويجادل بالباطل وهو يظن أنه على حق، ويبني على نص قرأه ربما بجهل دون أن يرجع لأهل العلم، ويبني عليه حكما فاسدا…

8-جهاد الشيطان للحلال :

نعلم ان الشيطان يجاهد من اكل حلالا ، فان اكل حراما تركه ، قَالَ ابْنُ أَسْبَاطٍ : إذَا تَعَبَّدَ الشَّابُّ قَالَ الشَّيْطَانُ لِأَعْوَانِهِ : اُنْظُرُوا مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ ، فَإِنْ كَانَ مَطْعَمُهُ مَطْعَمَ سُوءٍ يَقُولُ : دَعُوهُ يَتْعَبُ وَيَجْتَهِدُ فَقَدْ كَفَاكُمْ نَفْسَهُ أيْ لِأَنَّ اجْتِهَادَهُ مَعَ أَكْلِهِ الْحَرَامَ لَا يَنْفَعُهُ وعمله هباءَ منثورًا .

ومن اكل حراما قام الى الصلاة كسلانا ، وورد ان إبراهيم بن آدهم راى  رجلا يقوم إلي الصلاة بثقل فقل : ما اثقله الا الحرام ، لو أنه أكل حلال ما قام بثقل..

9-النجاة من سوء العاقبه في النار :

وجاء في بعض الأخبار : أنه مكتوب في التوراة : (من لم يبال من أين مطعمه، لم يبال الله من أي أبواب النيران أدخله) (الغزالي: الإحياء) .

10-مشهد اكل الحرام يوم القيامة  :

في الحديث  : ” لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ، فيقول : يا رسول الله أغثني . فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة ، فيقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت . فيقول : يا رسول الله أغثني . فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك ” . . [ وأخرجه الشيخان من حديث أبي حيان]..

وأعظمُ آثارِ أكلِ الحرامِ استحقاقُ النارِ، ففي سنن الترمذي بإسناد صحيح قال رسول: (يا كعبَ بنَ عُجرةَ، إنه لا يربُو ـ أي لا ينمو ـ لحمٌ نبت من سُحت إلا كانت النارُ أولى به)، وفي رواية أحمد: (لا يدخل الجنةَ لحمٌ نبت من السحت، وكل لحمٍ, نبت من السحت كانت النار أولى به).

فمن فوائد تحري الحلال: النجاة من المهالك والمزالق، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}[الطلاق:3،2].

السعي في طلب العلم :

أخرج ابن عبد البر من حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه الذي يقول فيه ( تعلموا العلم فإن تعليمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة.

عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال :” ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلي الجنة ” ([1]).

وَجَاءَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-: ((إِذَا جَاءَ الْمَوْتُ طَالِبَ الْعِلْمِ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ مِنَ الطَّلَبِ؛ مَاتَ وَهُوَ شَهِيدٌ)).

جاء عَنْ أَنَسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَرَجَ في طَلَبِ العِلْمِ فَهُوَ في سَبيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ».  رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وللهِ درُّ القائلِ:

فَمَنْ لَمْ يَذُقْ مُرَّ التَّعَلُّمِ سَاعَةً * تَجَرَّعَ ذُلَّ الجَهْلِ طُولَ حَيَاته

ومَنْ فاتَهُ التَّعْليمُ حالَ شَبابِهِ *        فَكَبِّرْ عليْهِ أرْبَعًا لوَفاتِهِ

مَا الفَخْرُ إلّا لأَهلِ العِلمِ إنَّهُمُ *على الهُدَى لِمَن اسْتَهْدَى أَدِلاَّءُ

وقَدْرُ كُلِّ امرِئٍ مَا كان يُحْسِنُهُ**والجَاهِلُون لأَهلِ العِلمِ أَعدَاءُ

فَفُزْ بِعِلْمٍ تِعِش حَيًّا بِه أَبَدا   *النَّاسُ مَوتى وأَهلُ العِلمِ أَحْيَاءُ

 السعي الى الصلاة :

في الحديث : «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ» (أخرجه الطبراني).  

 بخطواته يعد الله له نزلا في الجنة:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r  قَالَ:( مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا وَرَاحَ)  ([2]).

محو الخطايا ورفع الدرجات:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا ، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ([3]) .

  وقد قال الله تعالى ليلة المعراج للنبي -عليه الصلاة والسلام-:

((هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: لا, قال: في الكفارات والدرجات, قيل: فما هي؟ قال: أما الكفارات فإسباغ الوضوء بالماء البارد, ونقل الأقدام إلى المساجد للجماعات, وانتظار الصلاة بعد الصلاة))[أخرجه الترمذي عن ابن عباس].   

عن أبي هريرة: ((ثلاثة في ضمان الله عز وجل: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله عز وجل، ورجل خرج غازيا في سبيل الله تعالى ورجل خرج حاجا))([4]).

وقال : ((ثَلاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ ، رَجُلٌ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ ، وَرَجُلٌ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ ، وَرَجُلٌ دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلامٍ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ .))صححه الحاكم والذهبى

كل من اعتاد المسجد فهو مؤمن ؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ :” إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ ، فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} الآيَةَ.”. ( أحمد وابن ماجة والترمذي وحسنه ).

(يقول الله تعالى يوم القيامة: أين جيراني من عبادي؟ فتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: رَبَّنَا! وَمَنْ يَنْبَغِيَ أَنْ يُجَاوِرَكَ? فَيَقُولُ: أَيْنَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ)[ أخرجه الحارث بن أسامة في مسنده].

وعَنْ بُرَيْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ: بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ ، إِلَى الْمَسَاجِدِ ، بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَة([5]).

وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يقول: مكتوب في التوراة إِنَّ بُيُوتِي فِي الْأَرْضِ الْمَسَاجِدُ، وَإِنَّهُ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَضَوْءَهُ، ثُمَّ زَارَنِي فِي بَيْتِي أكرمته، وحقٌ على المزور كرامة الزائر (أخرجه ابن أبي حاتم). [وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن سلمان عن النبي- صلى الله عليه وسلم ].

إن المكان الذي كان يسجد فيه المسلم لربه تعالى ليبكي عليه بعد موته , فالمسجد يبكي على من تعلق قلبه به , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ” سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا في اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ . وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ” . (متفق عليه).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءه فيسبغه، ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه، إلا تبشبش الله إليه، كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته» (رواه ابن خزيمه).

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إن للمساجد أوتاداً. لهم جلساء من الملائكة فإن غابوا سألوا عنهم وإن كانوا مرضى عادوهم وإن كانوا في حاجة أعانوهم” [أحمد (2/418) ].

قيل عن الإمام الأعمش رحمه الله، أحد رواة الصحيحين، من الذين حفظوا كثيراً من دواوين الإسلام والحديث النبوي: حضرته الوفاة فبكى ابنه كثيراً، فقال لابنه: ابك أو لا تبك، فوالله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الإمام ستين سنة.

السعي في النصح :

 يقول الحق تبارك وتعالى : “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” (التوبة 71)، وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”. ([6])

السعي الى نصرة المظلوم :

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: «تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ» ([7]).

السعي الى دفع الأذى :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ» ([8])، (يتقلب في الجنة) أي يتنعم في الجنة بملاذها بسبب قطعه الشجرة.

السعي الى تعليم الناس الخير :

قال صلي الله عليه وسلم: ( إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في الجحر والحوت في البحر ليصلون على معلمي الناس الخير )(الترمذى : حسن صحيح)،وقوله صلي الله عليه وسلم: ( لئن يهدي الله بك رجلاً واحد خيرٌ لك من حمر النعم ) (رواه البخاري).                                                                                                                                                             

من ثمرات السعي :

تحقيق الايجابيه :

قال تعالى : { لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37) الانفال  } .. وقال : { وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) }.

النجاة من الهلاك :

قال تعالى: “وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ”(هود:117).  

قال تعالى : {  فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165} – { الأعراف}.

البراءة من الإمعةً :

فَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وإِن أساؤوا فَلَا تظلموا “. (الترمذي).. والامعة ليس له عقل ولا فكر ، انما هو تابع ، قَال الله تعالى: ﴿ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ النمل: 24.

نيل الفتوحات :

لما قام موسى عليه السلام خطيبا في بني إسرائيل ينصحهم بالعلم وأهميته ، وفي وسط تلك الخطبة قام رجل من بني إسرائيل وقد تأثر بحديثه قائلا: “يا نبي الله، من أعلم أهل الأرض؟” فنظر موسى حوله ونظر إلى قصر فرعون وقال: “أنا”، فعتب الله عليه ؛فدله الله  على من أعلم منه ، فلم يتكبر على السعي ، ففتح الله  له  ثلاثة مسائل من علوم الغيب .

البراءة من الكسل :

إن هناك فرقا شاسعا بين الإيجابية والسلبية كالفرق بين الليل والنهار.. والجماد والكائن الحي.. والوجود والعدم. والدليل على هذا قوله تعالى {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَم لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ” (النحل:76) لقد سمى الله  السلبي في هذه الآية ” كّلاً”  والإيجابي بـ ” يأمر بالعدل”.. “كلّ” أصعب من سلبي.. لأن سلبي معناها غير فعال؛ أما كلّ فمعناها الثقيل الكسول؛ وقبل هذا فهو “أبكم” لا يتكلم ولا يرتفع له صوت!! وهذا عبء على المجتمع؛ لأن النظرة التشاؤمية هي الغالبة عليه في كافة تصرفاته.

 وأما الآخر فإنه ” يأمر بالعدل”  فهو هنا الشخصية المنتجة في كافة مجالات الحياة حسب القدرة والإمكانية، المنفتحة على الحياة ومع الناس حسب نوع العلاقة، ويمتلك النظرة الثاقبة.. ويتحرك ببصيرة “بالعدل” فهو يوازن بين الحقوق والواجبات (أي ما له وما عليه) مع الهمة العالية والتحرك الذاتي، والتفكير دائما لتطوير الإيجابيات وإزالة السلبيات. هل من المعقول أن يتساوى هذا وذاك؟ لا يستوون!!!

البراءة من الحسد :

فان السعي في الخيرات  باب عظيم لتحقيق المنفعة للناس ، اسمع إليه صلوات ربى وتسليماته عليه وهو يُشخّص الداء ويصف الدواء قال صلّى الله عليه وسلّم :دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ” ــ

تحقيق الخيرية :

قال صلي الله عليه وسلم :(المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) (ابن ماجة وأحمد) .

زيادة سبل الشفاعة :

فان السعي في الخيرات لا يفنى ثوابه ، بل يبقى ليشهد لمن سعى يوم القيامة :  ( وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)مريم ، وقال تعالى : (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } (الإسراء : 14).                                                                          

 والقرآن الكريم يؤكد علي هذه المسئولية الفردية ، والتي لا يتحمل فيها أحد وزر أحد ، فيقول سبحانه وتعالي :  ( كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) (الطور: من الآية21) .

الواجب علينا :

تحقيق الثقه في الله بلا حدود :

فلا تترك نفسك لمن يحبطها ، وتحصن بالثقة في الله ، ومعناها : تعلق قلبك بالله فهو المعبود بحق وهو الخالق الرازق النافع الضار ، وهو اعلم بما يصلحنا … والثقة في الله هي العمل بشرعه والرضا بقضائه … { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} من سورة الملك ..

عش على الامل  :

فلا بدّ من بث الأمل، وتثقيف الناس جميعًا بأن من وراء الشدة يأتي الفرَج القريب، وأنّ مع العُسْر يأتي اليُسْر، وتلك هي رسالة كل الأنبياء والرسل، وصدق الله إذ يقول: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]..

عليك بالدعاء  :

من دعاء الرسول صلى اللع عليه وسلم : اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا ، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا ، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا ، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا ، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا ، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا ، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا ، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا ، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا ) رواه الترمذي (رقم/3502) وقال: حسن غريب. ) ..

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوات المكروب اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت. رواه أبو داود والنسائي في السنن الكبرى، وابن حبان وصححه،