الصلوات المرضية

بقلم الكاتب والباحث الصوفى الكردى الدكتور : عبدالكريم فتاح أمين

 

تلقینا معلومات غزيرة وقيمة حول الصلوات والتسليمات على النبي الهاشمي القريشي العدنان صلى الله عليه وآله وسلم – بسبب دراستنا المتتالية آناء الليل وأطراف النهار في أيام معدودة، وفي سياق الدراسة كرسنا لها عنوانا ينسجم مع المحتوى، قد وصلنا من خلال تلك الدراسة إلى أنها تنقسم إلى قسمين:

١- الصلوات الكاملة عبارة عن اندماج وإدخال آل البيت النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وإشراكهم معه في عملية الصلاة والسلام وعدم محروميتهم من هذا المشروع السماوي الذي أعطاهم الله تعالى من فضله العميم.

٢- الصلوات الناقصة والبتراء، وهي عبارة عن خلع وتجريد آل البيت في ذلك المشروع العظيم الذي قد شرع الله تعالى للنبي – صلى الله عليه وآله وسلم- وآله الطيبين الطاهرين، ولا بد أن نعلم أن تفريد حضرة صاحب الرسالة تغريد بإبعاد أقربائه الأدنون من ذلك التشريف والتكريم الذي منهم الله تعالى عليهم.

ولا بد أن نعلم مرة أخرى بأن تخصيصهم وتكريسهم بهذه النعمة العلية وآلائه اللدنيةلا يعني زمانا دون زمان بل تدوم إلى انقضاض العصر وانتهاء الأوان، وأن صلة الذرية لا تنتهي ولا تنقطع قاطبة وذلك بتوضيح صريح من صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلم: ( كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ سَبَبِي وَنَسَبِي ) ولا تبال قول منكري فضل آل البيت على جدهم الصلاة والسلام وبالتأكيد أنهم هم في ضمنه وظله ولا يهملون، وللمعلومة أن الجاحدين المنحرفين يلجأون إلى تضعيف متن ذلك الحديث من خلال الآية الآتية: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ ( 101) المؤمنون.

ولو اعملنا وجداننا وأذهاننا من خلال تقييم الشراح والباحثين والحافظين لوصلنا إلى عدم التناقض والتضاد بين ذلك الحديث والآية الكريمة، بأن الآية متوجهة إلى انقطاع الانساب بين المؤمن والكافر، وذلك واضح وضوح الشمس في ربع النهار: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ﴾الممتحنة(١)

اما إذا كان أقارب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنين وخاضعين لأمر الله تعالى ولكنهم مذنبون وآثمون فانبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ حينئذ بإذن الله ينفعهم بشفاعته له ، فالحديث من هذا القبيل، وكذلك الآية الآتية مساندة لهذه الحقيقة ومعاضدة لها : ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)الطور

نعم تلك النعمة الجليلة عطية الله تعالى وباقية سواء كان الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – في حياته الدنيوية أو في حياته البرزخية.

وليس الحديث الأسبق وحده في رحاب عرض الآل بل بحسب الأدلة الكثيرة من الأحاديث النبوية، فآل حضرة صاحب الرسالة – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – داخلون في مضمون الآية الآمرة بالصلاة والسلام:﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) الأحزاب.

فإحدى الأدلة التي تثبت لنا أن الآل داخلون في مضمون الآية هذا الحديث الذي نخطو نحوه : (عن أبي سعد أنه روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنه قال: (لا تصلّوا عليّ الصلاة البتيراء، قالوا: وما الصلاة البتيراء يا رسول الله؟ قال: تقولون: اللهم صلّ على محمّد، وتمسكون، بل قولوا: اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد)[القول البديع، ص 45].

والدليل الثاني في فرض ضم الآل إليه رواية شيخ الحديث الإمام البخاري – رحمة الله عليه – فقد روى البخاري في صحيحه عندما نزل قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) الأحزاب

أقبل الصحابة يسألون النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فإن الله قد علمنا كيف نسلم؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. [صحيح البخاري، ج4، ص146 كتاب بدء الخلق]

فهذا السؤال وبهذا النمط من قبل الأصحاب – رضي الله عنهم- توحي إلى وجود الآل في ذلك الموقع ولكن وجود غير مباشرة وغير مصرح بهم.

وهذه الكيفية مباركة عظيمة صدرت على لسان النبي وفيه الشريف ولكن لا ننسى أن زيادة لفظ سيدنا في الموقع أدبا يدفع الموضوع نحو التقدم والاهتمام وعلاوة على هذا يزرع نواة محبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم – الحقيقية في قلب المصلي والمسلم بدرجة هائلة ، وينبغي أن نعلم لا يستطيع الطالب والسالك ترك السيد وما يقاربه هنا ولا يستطيعون أن يجردوا قرة أعينهم- صلى الله عليه وآله وسلم من هذا الوصف السامي المملوء من الأدب والوقار والحياء بل كلما يريد المصلي أن أن يجري لفظ محمد على لسانه يهرول إلى ذكر لفظ سيدنا بجانبه، ونسأل يضعه في أي جانب، قبله أم بعده ؟

ويجاب بأننا نضعه قبله( سيدنا محمد) صلى الله عليه وآله وسلم، إذ التأدب يعرض نفسه قبل سرد الإسم، وقد غلب علينا التأدب كأنما اسم حضرة صاحب الرسالة سيدنا محمد) وليس غيره.

ولذا نحذرك أيها السالك أن لا تتغافل عن هذا التوصف العظيم والوصف المبارك، كما قال الإمام العارف بالله الواصل إلى الحق والحقيقة ابن عطاء الله السكندري- عليه الرحمة والرضوان:

(( وإياك أن تترك لفظ السيادة (عند ذكر المصطفي ﷺ)؛ ففيها سر يظهر لمن لازم هذه العبادة.

نعم نعود إلى كيفية الصلاة والسلام على الآل من خلال ما أورده صاحب سبل السلام: أبو إبراهيم محمد بن إسماعيل/الأمير الصنعاني- رحمة الله عليه، الذي قال في كتابه (سبل السلام) حول تلك الحقيقة: (( الصلاة عليه لا تتم ويكون العبد ممتثلاً بها حتى يأتي بهذا اللفظ النبوي الذي فيه ذكر الآل، لأنه قال السائل: كيف نصلي عليك؟ فأجابه بالكيفية أنها الصلاة عليه وعلى آله، فمن لم يأت بالآل فما صلى

عليه بالكيفية التي أمر بها)). [سبل السلام، ج1، ص305]

يا من تذوبت في ميدان الصلاة والسلام وتنزلت في قعر البحار اللاساحلة هل رأيت العبارة الآتية: ( نعمت العبارة ما جاء من قبل العلامة الشوكاني- رحمه الله تعالى – في كتابه (فتح القدير) : ((وجميع التعليمات الواردة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في الصلاة عليه مشتملة على الصلاة على آله معه إلا النادر اليسير، حتى أن النووي يرى عدم مشروعية الصلاة على النبي وحده مالم يكن معه آله)) [فتح القدير، ج4، ص380].
أما إنكارك لحديث الذي ذكرناه آنفا (لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء) ونسجت دعواك بعدم وجود ذلك الحديث في المصادر الحديثية السنية السنية فمردودة بتاتا بما أورده الإمام السخاوي- رحمة الله عليه في كتابه (القول البديع)

وأخرجه السهمي كذلك في “تاريخ جرجان” بسنده إلى علي زين العابدين بن الحسين عن أبيه عن جدّه قال: (( إنّ الله فرض على العالم الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وقرننا به، فمن صلّى على رسول الله صلّى الله عليه وآله ولم يصلّ علينا لقي الله تعالى وقد بتر الصلاة عليه وترك أوامره)) [تاريخ جرجان، ص189].
لقد وردت الصلاة الآراء بدرجة كادت أن تكون قطعية ولا نقولها ولكن نقول: انها خرجت من الإبهام والغرابة والندرة والشذوذ.

وقال رفاعة رافع الطهطاوي(١)في (حاشيته على مراقي الفلاح) حول الموضوع : (( وأما الآل فلقوله صلى الله عليه وسلم: (( لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء” قالوا: وما الصلاة البتراء يا رسول الله؟ قال: “تقولون اللهم صل على محمد وتمسكون، بل قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد”, ذكره الفاسي وغيره)) [حاشية الطهطاوي على مراقي الفلاح، ص12].

وكذلك جاء عن الديلمي (ت/509 هـ) في كتابه “فردوس الأخبار: (( عن أنس بن مالك عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: ((من ذكرت بين يديه فلم يصلّ عليّ صلاة تامّة، فلا هو منّي ولا أنا منه))

…………………………………………….
ولد في 15 أكتوبر 1801مركز طهطا – محافظة سوهاج المصري ، توفى في 27 مايو 1873، اکمل الدراسة في الأزهر الشريف، وألف مؤلفات كثيرة ومنها: حاشيته على كتاب (مراقي الفلاح) في الفقه الحنفي.