الفتوى وعلم المقاصد
3 أغسطس، 2025
العلم والعلماء

بقلم الشيخ : صالح علي صالح الفقي
الموجه العام بوعظ الأزهر الشريف – ومشرف لجان فتوى الأزهر بمنطقة وعظ كفر الشيخ سابقا
الفتوى ليست مجرد كلمات تُقال، ولا أحكام تُلقى بلا وعي، بل هي أمانة ثقيلة ورسالة تهدي الناس إلى حكم الله في حياتهم. غير أن المفتي لا يستطيع أن يلامس قلوب الناس، ويحقق غاية الشريعة في مصالحهم، إلا إذا أشرق في قلبه نور المقاصد الشرعية.
يقول الشاطبي: “النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا”.
حين وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمام جوعى المدينة في عام الرمادة، أوقف حد السرقة، لا تعطيلًا للنصوص، ولكن لأنه أدرك مقصود الشريعة: أن تحفظ النفوس قبل أن تُقام الحدود. وكذلك فعل العلماء في النوازل الكبرى؛ يعلّقون الجماعات في الوباء، ويخففون في أحكام المرض والسفر، ويضبطون المعاملات المالية المعاصرة بما يرفع الحرج عن الناس ويحفظ أموالهم.
إن المقاصد هي البوصلة التي تضيء طريق المفتي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. هي التي تجعله يوازن بين المصالح والمفاسد، ينظر في مآلات الأمور قبل أن يصدر الفتوى، ويستحضر القواعد الراسخة مثل: “المشقة تجلب التيسير”، و “لا ضرر ولا ضرار”.
والفتوى بلا مقاصد قد تُقسي القلوب وتفسد الحياة، أما الفتوى التي تُستنبت في أرض النصوص وتُسقى بماء المقاصد فهي التي تحيي النفوس وتحقق غاية الشريعة في العدل والرحمة.
كما أن المفتي الذي يستحضر المقاصد في فتواه يصيب مراد الشارع ويحقق المصلحة، بينما الجمود على الظواهر دون نظر في المقاصد قد يؤدي إلى مفاسد عظيمة. والمقاصد ليست منفصلة عن النصوص، بل هي روحها التي بها تظهر حكمة التشريع ومرونته.