الشيخ محمد وادي.. أسد من أسود الدعوة وريادي التنوير بقرية جلبانة بسيناء

بقلم فضيلة الشيخ : حسين السمنودي
إمام وخطيب ومدرس على درجة مدير عام بمديرية أوقاف القاهرة

 

في أرض سيناء الطيبة، التي ما زالت تروي للعالم قصص البطولة والفداء، يظهر رجالٌ من نوعٍ آخر، يحملون مشاعل الفكر والدين، ويُحيون الروح قبل الجسد. من بين هؤلاء، يبرز اسم الشيخ محمد وادي، إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف بإدارة القنطرة شرق بالإسماعيلية، وأحد أبرز الدعاة بقرية جلبانة التابعة للمركز. إنه ليس مجرد خطيب على منبر، بل قائد دعوي وريادي في مجتمعه، يسير بالدعوة إلى الله على بصيرة، ويعيد للمساجد هيبتها، وللدين وسطيته، وللناس ثقتهم في الكلمة الطيبة.

الشيخ محمد وادي هو بحق أسد من أسود الدعوة بسيناء، لا يعرف التراجع، ولا يتهاون في أداء رسالته، بل يتقدم الصفوف في كل الميادين، جامعًا بين الجدية في الأداء والحنو على الناس، بين الفقه في الدين والوعي بواقع الحياة، بين صوت المنبر ونبض الشارع.

دوره الريادي لا يقتصر على الجانب الدعوي وحده، بل يمتد إلى الإسهام الفعّال في بناء وعي مجتمعي متوازن، خاصة في بيئة تحتاج إلى صوت الحق والاعتدال وسط زحام من الأفكار المتشددة أو المنحرفة. الشيخ محمد وادي يُعد من القلائل الذين يفهمون طبيعة سيناء وأهلها، ويستوعبون ثقافتهم، لذلك جاءت دعوته قريبة من قلوب الناس، مؤثرة في وجدانهم، محفزة لهم على التمسك بالدين الوسطي بلا إفراط ولا تفريط.

في خطبه ودروسه، يحرص الشيخ على معالجة القضايا اليومية، والرد على الشبهات، وتبسيط المفاهيم الشرعية، بعيدًا عن الغلو والتعقيد، ملتزمًا بمنهج الأزهر الشريف، ومنهج وزارة الأوقاف المصرية، الداعي إلى الاعتدال والتسامح. أما في حياته اليومية، فهو قريب من الناس، يشاركهم أفراحهم وأحزانهم، يقف إلى جوارهم في الشدائد، ويبذل جهده في حل مشكلاتهم، حتى أصبح رمزًا للثقة والمصداقية في قرية جلبانة وما حولها.

ولأن الشيخ محمد وادي يحمل همّ بناء الإنسان، لا يغفل عن الدور التربوي والتثقيفي، فيوجه الشباب إلى القيم النبيلة، ويحثهم على الاجتهاد في العلم والعمل، ويشجعهم على ممارسة الرياضة والانخراط في الحياة بروح إيجابية، واضعًا نصب عينيه أن بناء المجتمع لا يتم إلا ببناء الفرد المتدين الواعي.

وقد أدرك الشيخ أن سيناء –رغم بطولاتها وتاريخها– ما زالت بحاجة ماسة إلى نماذج طيبة من العلماء والدعاة، ممن يملكون الوعي الديني والوطني، ويُجيدون فن التواصل مع الناس، ويخوضون معركة التنوير بالعلم والخلق قبل أي شيء. وهو من القلائل الذين رفعوا هذا اللواء بإخلاص، فسجّل بذلك حضوره كـ رائد من روّاد الدعوة والتنوير في منطقة تحتاج لمثل هذا الحضور بشدة.

إن دعم مثل هذا النموذج الواعي، والاعتراف بدوره، ليس فقط تكريمًا لشخصه، بل هو دعم لخط الدفاع الأول عن الدين الصحيح في سيناء. فالشيخ محمد وادي لا يمثل نفسه فقط، بل يمثل كل داعية مخلص يحلم بوطنٍ واعٍ، ودينٍ سليم، ومجتمعٍ مستقر.

وفي الختام، فإن الحديث عن الشيخ محمد وادي لا يفيه حقه مهما سُطِّرت من الكلمات، ولا تُترجم مواقفه وجهوده إلا عبر الواقع الذي يشهد له بكل خير. إننا أمام شخصية دعوية نادرة، تجمّعت فيها خصال العالم الرباني، والمصلح الاجتماعي، والقدوة الطيبة، والرائد في مجتمعه، فصار بجهده وعطائه وجهًا مشرقًا من وجوه الدعوة الوسطية في سيناء.

وليس من المبالغة القول إن وجود الشيخ محمد وادي في قرية جلبانة هو مكسب حقيقي لأهالي المنطقة، بل ولوزارة الأوقاف ذاتها، لأنه من الذين يجسّدون فلسفة الوزارة في نشر الفكر المستنير، والتصدي للغلو والانحراف، بالحكمة والموعظة الحسنة. لقد أصبح ملاذًا للشباب الباحثين عن طريق الله، وللأسر الراغبة في إصلاح ذات البين، وللمجتمع بأكمله في لحظات الحيرة والاضطراب.

إن سيناء — رغم ما تملكه من تاريخ مجيد وتراث مشرف — ما زالت تحتاج إلى أمثال الشيخ محمد وادي، لأن الكلمة الطيبة، حين تنبع من قلبٍ مخلص وعقلٍ واعٍ، تكون أشد أثرًا من السلاح، وأعمق تأثيرًا من الشعارات. فالمعركة اليوم لم تعد فقط في مواجهة عدو ظاهر، بل في مواجهة الجهل والتشدد والانغلاق، وهنا تتجلى أهمية الدور الريادي للعلماء والدعاة المخلصين.

ولعل من واجبنا كمجتمع ومؤسسات ودولة أن نلتفت إلى هؤلاء الجنود المخلصين من علماء الأوقاف، الذين يحملون راية البناء الحقيقي للأوطان، عبر الكلمة الصادقة، والرؤية المستنيرة، والعمل الميداني بين الناس، في القرى والمراكز والمناطق الحدودية. فبدعمهم، نؤسس لمجتمع سليم، متماسك، واعٍ، يعبد الله على بصيرة، ويحب وطنه بإخلاص، ويواجه التحديات بحكمة وشجاعة.

طوبى لسيناء بأمثال الشيخ محمد وادي، وطوبى لجلبانة أن أخرجت من بين أهلها رجلًا كهذا، وطوبى لكل من يسير على نهجه في حمل مشعل الدعوة والتنوير، بلا كلل ولا مَنّ، في زمنٍ يحتاج فيه الناس إلى النور أكثر من أي وقت مضى.