المشيخة ليست ميراثًا عائليًا بل مقامٌ رباني

بقلم الشيخ : عبد المنعم محمد

الحمد لله الذي جعل في كل زمانٍ رجالًا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ورفعهم بصدقهم، وشرَّفهم بالنيابة عنه في تربية عباده، وجعلهم سُلَّمًا لمن أراد الوصول، ومصباحًا يُضيء دروب السالكين. وصلى الله على سيدنا محمد، سيد العارفين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرّ الميامين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد:

فإننا نُبيّن للأحباب والإخوان والسالكين في طريق الله تعالى أن المشيخة الصوفية ليست ميراثًا يُورَّث بالدم، ولا منصبًا يُتناقل بالعائلة، وإنما هي مقام رباني، وهبة إلهية، تُمنح لمن تحقّق بشروطها من علمٍ، وعملٍ، وخلقٍ، وبصيرةٍ بالتربية والسلوك.

وإن كان الابن وارثًا لاسم أبيه، فليس بالضرورة أن يكون وارثًا لحاله ومقامه، إلا إن تحقّق بصفاته، وسلك طريقه، وثبتت أهليته عند أهل العلم والذوق والعرفان. فإن تخلّف عن ذلك، ولم يظهر عليه نور التربية، ولا أثر السلوك، فليس على المريد التزام السير خلفه، ولا السلوك بين يديه، بل له أن يبحث عن شيخٍ مربٍّ كامل، يُكمّل على يديه سيره وسلوكه إلى الله، فذلك من تمام الأدب مع الطريق، والصدق في الطلب، والحرص على الدين.

ونؤكد أن هذا الطريق ليس مؤسسةً بشرية، ولا علاقة له بالتعيين الوظيفي أو الوراثي، بل هو طريقٌ إلهيٌّ عظيم، من أضاع شروطه ضيّع مريديه، ومن تمسّك بأركانه نجا وسلِم.

وعليه، نهيب بجميع السالكين ألا يُفتنوا بالأسماء والأنساب، بل أن ينظروا إلى جوهر التربية، وإلى تحقق الشيخ بمقامه، فإن رأوا فيه المرشد، المربّي، الدال على الله، فليصحبوه، وإن لم يجدوا ذلك، فلينتقلوا بحُسن أدب إلى من يُكمّل مسيرتهم ويصون دينهم.

نسأل الله لنا ولكم الثبات، وحُسن الصحبة، والصدق في الطلب، والقبول عند أهل القبول.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.