بقلم الدكتورة : حنان محمد
( واعظة بوزارة الأوقاف المصرية )
في زمن تتسارع فيه الخطى، وتتزاحم فيه الأفكار، وتتشابك فيه الأصوات؛ يجد كثير من الشباب أنفسهم في حالة من التيه… تيه بين ما يُقال وما يُفعل، بين ما يريدونه لأنفسهم وما يُفرض عليهم، بين صخب الحياة وسكون الروح. لكن، وسط هذا الضباب، يبزغ نور الهداية… ويبدأ طريق الطمأنينة
هناك فتاة جامعية، نشأت في بيت متحرر، لم تكن تعرف عن الدين إلا اسمه. كانت تظن أن الالتزام يعني الانغلاق. حتى جاء يومٌ مرضت فيه أمها مرضًا شديدًا، فاهتزت ليلى من الداخل، لأول مرة شعرت أنها ضعيفة، عاجزة، بلا سند. حينها فتحت المصحف الذي أهدته لها جدتها. وقرأت:
“أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء”
حينها رفعت يديها تدعو وتقول: “يا رب، أنا مش عارفة أدعيلك لكن … ياااااارب طمّن قلبي.”
ومنذ تلك الليلة تغيّر كل شيء. مرت أيام، وعادت أمها للوعي تدريجيًا. وفي تلك الفترة، تغيّر قلب الفتاة شيئًا فشيئًا. • بدأت تصلي وتتقرب الى الله. • بدأت تسأل عن المصادر الموثوقة لتتعلم أمور دينها بشكله الوسطى . • أزالت من هاتفها ما لا يرضي الله. • وذات ليلة، وهي ساجدة، شعرت أنها أخيرًا “مش وحدها”.
“في لحظة ضعف، لقيت أقوى حب… حب الله.”
قال تعالى: “ومن يؤمن بالله يهد قلبه” [التغابن: 11]
وقال ﷺ: “إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.” (رواه مسلم)
التقرب لله سبحانه بالطاعات من أفضل الوسائل التي تجعل المؤمن ينال رضا الله تعالى عليه في الدنيا والآخرة
روى الترمذي عن أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (ابن آدم، اركَع لي أربع ركعات من أول النهار، أكفك آخرَه)
روى البخاري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرَّب إلي عبدي بشيء أحبَّ إلي مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه، كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصر به، ويده التي يَبطش بها، ورِجله التي يَمشي بها، وإن سألَني لأُعطينه، ولئن استعاذني لأُعيذنه ) بقربك من الله وسَّعتَ صلاحياتِك في الحياة الدنيا؛ لأنك حبيب الله
هذا القرب كان عونًا لموسى وسندًا له في مواجهة فرعون وجنوده، ثم مواجهة قارون وكنوزه، ثم السَّحرة وكيدهم، ثم الصحراء الشرقية ومتاهاتها، ثم البحر ومجاهله، ثم سيناء ومشاكلها، ثم بني إسرائيل وطلباتهم، ثم الخارجين عليه وجهلهم، ثم من ساروا معه وجبنهم، في كلِّ خطوة من خطواته تكْفيه صحبة الله.
القرب من الله جلال وهيْبَة ،
القُرب من الله فلاح ورخاء، علم وتمكُّن، نصر في الحروب، قضاء للحوائج.
واخيراً أيها الشباب من عرف الله -تعالى- حق المعرفة أحبه حبًّا لا يعدله حب، وذل له ذلاً لا يدانيه ذل، وصرف الرجاء والخوف له وحده لا شريك له, ومن تفكر في خلق الله -تعالى-، ثم رأى تدبيره -سبحانه- لما خلق، علم أنه -عز وجل- عليم حكيم قدير، فاستسلم لشرعه كما قد كان مستسلمًا لحكمه، وانضوى تحت عبوديته الخاصة كما قد كان منضويًا تحت عبوديته العامة، وسارع في مرضاته؛ لعلمه بعظمته في صفاته، وكبريائه في عليائه، ولمعرفته بإحسان الله -تعالى- له، وقدرته عليه، فلا مفر منه إلا إليه، ولا نجاة إلا في عبوديته.