حقيقة لابد أن نتعلمها
23 يوليو، 2025
بستان الصالحين

بقلم الكاتب والباحث الكردى الدكتور : عبدالكريم فتاح أمين
ريثما اعملنا أذهاننا في الكتب المتعلقة بالروح والروحانية لنرى الطائف والطرائف الروحية المستنبطة من مجاهدات الرجال الذين جاهدوا بما لديهم من القلب والقالب والمال، وأنهم ليسوا كمثلنا من تورطنا بالكسل والتواني أمام الواجبات والوظائف والشعائر.
وباختصار أقول: للإنسان تجارتان:
تجارة دنيوية وسوقية تتعلق بالامتعة والأسباب المادية، روح ذلك التجار مرتبط بتغيرات الأسواق التجارية ويتابع الأسعار وأنماط الأمتعة.
إذا أراد الإنسان أن يكون إنسانا ثريا وغنيا وله باع نقدي ومالي يدير الأشياء حسبما يقتضيه العصر والظروف فليتشمر عن ساعد الجد، وبهذا يتوسم اسمه باسم الأغنياء والأثرياء، فالقرآن الكريم قد اشار إلى ذلك في عدة مواضع، فمنها قوله سبحانه:
﴿ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ … ﴿٢٨٢ البقرة﴾
ولا نتطرق لذكر ذلك أكثر من هذا لأن مقصدنا الرئيسي الرسوخ في القسم الثاني وهو التجارة الأخروية المتجسدة في أداء الشعائر وتلاوة القرآن الكريم والذكر والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والعبادات الظاهرية والعبادات المعنوية، حينما يعيد القاريء في أعمال بعض العباد والزهاد والنساك الذين قد سجلهم التأريخ في معرض ميدان عد الأبطال والفرسان والجحافل فعلا يستحي أن يظهر نفسه في معرض البيان بل تنقبض طبائعه ويخطو نحو الانكسار القلبي والروحي، ويستحيل أن يعد نفسه في سجل ديوان الرجال، على سبيل الإشارة والتمثيل اذكر ما سجله إمام الأئمة ( الإمام الشعراني) رحمة الله تعالى عليه – فقد اثر هذا على نفسي في حين القراءة قبل انقل لكم:
(( ذكر الإمام الشعراني رحمه الله في طبقاته الصغرى أن سيدي أحمد الكعكي رحمه الله كانت له سبحة فيها ألف حبة كبارا ، فسرق إنسان منها سبع حبات ، فرأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال له : يا أحمد فلان سرق من سبحتك سبع حبات ولك كذا وكذا يوما تصلي علي ناقصا عن العدد ، فذهب إلى ذلك الفقير فقال صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخرجها من رأسه فردها إلى السبحة
قال وما رأيت سبحة أنور منها تكاد تضيء من النور من كثرة الأوراد عليها ، وبلغنا أنها كانت تدور بنفسها إذا أبطأ الشيخ عن وقت الورد فيعلم دخول الوقت .
مات رضى الله عنه خامس عشر رجب سنة 952 هـ ودفن ببولاق فى مقام العارف بالله تعالى سيدى حسين أبى على رضى الله عنه وبجواره الشيخ عبيد والشيخ على حكشة وكان الشيخ أحمد الكعكى أول ما يبلى من ثوبه موضع ركبتيه من كثرة السجود والجلوس، وكان ورده فى اليوم نحو أربعين ألف صلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، واثنتى عشر تسبيحة، وأحزابا وأسماء أخرى، كان النور يخرج من وجهه عقب فراغه من أوراده حتى يكاد الإنسان من شدة النور لا يتبين وجهه وكان يحب سكنى الربوع والزوايا، توفى رضوان الله تعالى عليه سنة 953 هـ، 1456 م.
الآعداد والأرقام والكميات في ميزان الأمة المحمدية ليست كل شيء بل المهم الكيفية ونمط العلاقات مع الله تعالى، التفكير والتفكر من أولويات العبادة التي تدفع العابدين نحو القرب من الله تعالى والوصول إلى اليقين والطمأنينة والإستقرار الإيماني:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فِكْرَةُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً) .
وروى البيهقي في “الشعب” (117) بسند صحيح عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ـ موقوفا عليه ـ قَالَ: ” “تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ “.