الاجتهاد وأثره في نهضة الأمة


بقلم الشيخ : صالح علي صالح الفقي
الموجه العام بوعظ الأزهر الشريف – ومشرف لجان فتوى الأزهر بمنطقة وعظ كفر الشيخ سابقا

 

من سنن الله في كونه أنَّ الفضل لا يُنال بالتمني، ولا تُبنى الحضارات على الأرائك الوثيرة! بل هي تُشاد فوق عرق المتعبين، وسهر الساهرين، وتضحيات المجتهدين الذين علموا أن الدنيا دار عمل، وأن مفاتيح المستقبل لا تسكن إلا في يد من حملوا همَّه وسعوا إليه سعيًا.

والاجتهاد ليس حركة عشوائية، أو بذل جهد في غير مسار، بل هو جهاد عقلي وروحي وجسدي، يتحرّك به الإنسان نحو الكمال، في دينه ودنياه، في فكره وسلوكه، في قوله وعمله.

قال الله تعالى:
﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يُرى﴾
فلا مكان في ميزان الله للكسالى، ولا وزن عنده للمتقاعسين الذين قعدوا عن معالي الأمور واكتفوا بالأمانيّ!

إنك إن تأملت في تاريخ هذه الأمة، رأيت أن كل عصر ازدهرت فيه العقول، واشتعلت فيه مصابيح الفكر، وتقدّمت فيه الحياة، كان عصرًا قاده المجتهدون الصادقون، أولئك الذين عرفوا ربهم فعرفوا قدر أنفسهم، فاستثمروا أعمارهم في طلب العلم، وخدمة الناس، وبناء الأرض.

ومتى خَبَت جذوة الاجتهاد، وساد التواكل، ونشطت ثقافة الترف العقلي والخمول الذهني، سقطت الأمة من عليائها، ورضيت أن تكون في ذيل الركب، تتسوّل حاجاتها من موائد غيرها.

الاجتهاد هو وعد المستقبل،

وهو جوابنا عن سؤال العصر: كيف ننهض؟
كيف نتقدّم؟
كيف نعيد للإسلام بهاءه، ولأمته مجدها؟

والجواب ليس في صيحات غضب سرعان ما تخبو جذوتها، ولا في بكائيات الأطلال؛ وإنما في إحياء قيمة العمل، وتشغيل العقل، والانطلاق من أرض الواقع الراكد إلى سماء الطموح والسعادة.

ومتى رأيت أمة تعتني بعقلها، تُعلي من شأن مفكريها، وتُكرم العاملين، وتفتح للناس أبواب الاجتهاد في كل ميدان؛ فاعلم أنها تمضي نحو مستقبل باهر بخطى واثقة.
أما إذا رأيت القعود عن العلم، والنفور من التفكير، والركون إلى الاستهلاك لا الإنتاج؛ فاعلم أن تلك أمة قد توكأت على عصى العجز، بعد أن وهن جسدها، واشتعل فكرها شيبًا.

إن الاجتهاد هو الثمرة الناضجة للإيمان الحق، وهو الشاهد العملي على أن الإنسان لم يُخلق عبثًا، وإنما هو مكلَّفٌ بأن يعمر الأرض، ويسعى في مناكبها، ويتقن عمله، ويقدّم لأمته ما يرفعها ويصونها.