كيف تعايش النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل الجاهلية


بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى

 

الناس قبل البعثة المحمدية كانوا في انحطاط عظيم واضمحلال كبير وجاهلية عمياء، نعم جاهلية حقيقية في الدِّين والعقيدة والعبادة المعاملة والحُكم الأخلاق، وقد وصف جعفر بن أبي طالب حال هذه الجاهلية قبل الإسلام للنجاشي فقال: “أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه”.

وهذا شيء من سفاهتهم القبيحة وجاهليتهم المنكرة:

ـ العكوف على الأصنام والأوثان وتعظيمها واللجوء إليها والطواف حولها.

ـ الطواف بالبيت عراة رجالا ونساء، مع تبرير هذه الفعلة الشنيعة تبريرا إبليسياً بقولهم: لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها.

ـ الفحش في الجاهلية حتى قتلوا أولادهم بأيديهم ودفنوا ذريتهم في التراب وهم أحياء، ومسوغهم القبيح في هذا هو خشيه الفقر بالنسبة للذكور، وخشيه الفقر والعار بالنسبة للإناث.

ـ كان النهب والسرقة والإغارة مصدراً أساسياً من مصادر الدخل عندهم، كما قال جعفر بن أبي طالب آنفاً: “ويأكل القوي منا الضعيف”.

ـ الحالة الاجتماعية السيئة التي كانت تقوم في بناء الأسرة في أكثر الأحيان على السفاح باسم النكاح، كما قالت عائشة رضي الله عنها: كان النكاح في الجاهلية على أربعة أنحاء:

فنكاح منها نكاح الناس اليوم: يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته، فيصدقها ثم يُنكحها،

ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طَهُرت: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا، حتى يتبين حملها من ذلك الرجل، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد،

ونكاح آخر: يجتمع الرهط ما دون العشرة، فيدخلون على المرأة، كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت، أرسلت إليهم، حتى يجتمعوا عندها، فتقول هو ابنك يا فلان، تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها، ولا يستطيع أن يمتنع به الرجل،

ونكاح الرابع: وهن البغايا، وكن ينصبن على أبوابهن رايات تكون عَلما، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاط به، ودعي ابنه، لا يمتنع من ذلك، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق، هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم.

كما كانوا في الجاهلية يُصَدِّقون بالخرافة، ويؤمنون بأخبار الكهنة والعرافين والمنجمين، وغير ذلك من العادات السيئة كالعصبية القبلية، وشرب الخمر، ولعب القمار والميسر، واتخاذ الأخدان، حتى نظر الله جل جلاله إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم؛ إلا بقايا من أهل الكتاب، حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم ومهمته الأولى أن يخرج الناس {مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[إبراهيم: 1].

هذه هي الجاهلية في قسوتها وفظاعتها، ومع ذلك تعايش النبي صلى الله عليه وسلم مع أهلها بشيء واحد يحبه كل أصناف البشر وهو حُسن الخلق ولين الجانب، فاستعمل النبي صلى الله عليه وسلم جمال الآداب ومعالي الأخلاق مع جميع الناس، حتى أحبه جميع الناس، حتى المشركون الجاهلون منهم، وبهذه الأخلاق الراقية يستطيع البشر أن يتعايشوا مع بعضهم البعض، مهما اختلفت ألوانهم وأديانهم وأجناسهم وأزمنتهم وأمكنتهم.