الغلوّ في المشايخ … بوابة الفتنة والانحراف عن جادة الطريق!
9 يوليو، 2025
منهج الصوفية

بقلم : فضيلة الشيخ / عبدالمنعم محمد
في زمن طغى فيه الجهل على العلم، وساد فيه الهوى على الورع، انتشرت ظاهرة مقلقة بين كثير من المريدين في الطرق الصوفية، وهي ظاهرة الغلوّ في المشايخ، حتى بلغ بالبعض أن رفعوا مشايخهم إلى مقامات لا تليق إلا بالله عز وجل أو برسله الكرام عليهم السلام.
فلا يكاد يخلو مجلس لبعضهم من قول:
“شيخي هو الغوث!”
“شيخي هو القطب!”
“شيخي ختم الأولياء!”
“شيخي نور أنوار بصائر الأنبياء!”
“شيخي وزير من وزراء المهدي!”
بل وقد يصل الأمر لادعاء العصمة أو الكشف المطلق، أو أن كل الأولياء في زمانه تحت جناحه، وما إلى ذلك من أوصاف ما أنزل الله بها من سلطان.
وهنا مكمن الخطر : حين يُرفع الشيخ فوق مقامه، ويتحول في نظر مريده إلى مصدر “الحقيقة المطلقة”، يتم طمس جوهر الطريق، ويتحول التصوف من تربية وسلوك إلى تعصّب ومباهاة. ويتحول المريد من سالكٍ يريد وجه الله، إلى مدّعٍ يُنازع الله في صفاته، ظانًا أن القرب إلى الشيخ يكفيه عن السلوك، ويعفيه من الأدب مع الخلق.
وإذا ساء ظنّ أحدهم بشيخٍ آخر أو بطريقٍ آخر، بدأ الطعن والتقليل والسخرية، وتناسوا أن الحق لا ينحصر في شيخٍ أو طريقة، وأن الله قد يوزع أنواره بين عباده كيف يشاء، لا بإذنهم ولا بمقاييسهم!
علماؤنا الكبار ما فعلوا هذا!
أين نحن من تواضع الإمام أبي الحسن الشاذلي، الذي قال: “إذا تعارض الكشف مع الكتاب والسنة، فاضرب بالكشف عرض الحائط!”
وأين نحن من أدب الإمام الجيلاني، الذي كان يقول:
“قدمي هذه على رقاب كل ولي، ولكن ما نطقتها إلا بعد إذن الله!”
ما أكثر ما يُنسب اليوم إلى المشايخ من الأقوال العجيبة، والمراتب الغيبية، التي لا دليل عليها من كتاب أو سنة أو حال أو ذوق!
والنتيجة؟
صراعات، ومقارنات، وتناحر بين الطرق، وانطباعات سيئة عند العامة، حتى صار البعض يعرض عن التصوف كله، ويظنه دجلاً أو شركًا، والسبب في ذلك: سوء أدب المنتسبين، وليس فساد الطريق.
التصوف الحق: أدب، علم، تواضع، سلوك، ومتابعة للكتاب والسنة. لا هو تهريج، ولا عصبية، ولا سباق في مدح الشيخ على حساب غيره.
فليحذر المريد الصادق من أن ينقلب على الطريق من حيث لا يشعر، بسبب الإفراط في الشيخ، أو التعصب للمسمى، فيضيع النور الذي جاء يطلبه!
نسأل الله أن يرزقنا الإنصاف، والصدق، والأدب، والاعتدال، وأن يثبتنا على الحق، ويجعلنا من أهل الإشارة لا من أهل الادعاء.