الدمعة التي أيقظت بيتًا.. تأملات في بكاء محمد بن المنكدر
26 يونيو، 2025
بستان الصالحين

بقلم فضيلة الشيخ : إبراهيم رضوان
مسؤل المركز الإعلامي باوقاف القاهرة
في حياة الصالحين مشاهد تهز القلوب وتفتح العيون على حقائق الإيمان، ولعل من أعمق هذه المشاهد تلك اللحظات التي تجلّى فيها الخوف من الله تعالى في صورة دموع، لم تكن ضعفًا، بل قمة في القوة الروحية والصدق مع النفس. ومن تلك القصص المؤثرة، بكاء محمد بن المنكدر – رحمه الله – الذي أبكى أهل بيته من بعده.
مشهد لا يُنسى
في إحدى الليالي، جلس محمد بن المنكدر في بيته، يقرأ القرآن ويتفكر في آياته، وإذا بآية تهز كيانه وتُفجّر في قلبه مشاعر الخوف من الله، فبدأ يبكي بكاءً شديدًا، لم يكن مجرد بكاء عاطفي، بل كان بكاء إنسان عرف عظمة الله وخاف من عدله كما يرجو رحمته.
* سمع أهل بيته صوته، فظنوا أنه مريض أو أنه أصيب بمكروه، فأسرعوا إليه يسألونه في قلق:
“ما بك يا أبا عبد الله؟”
* فقال لهم وهو يغالب دموعه:
“آية في كتاب الله أبكتني.”
* قالوا: “وما هي؟”
فأجابهم:
“قول الله تعالى: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47]”
ثم أضاف وهو يرتجف من شدة الخوف:
“أخاف أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب!”
* وهنا، سكت الجميع. سكنت القلوب، وامتلأت العيون بالدموع.
لقد أبكاهم خوفه، وأيقظتهم دموعه.
الدروس التربوية من القصة:
1- الخشية من الله لا تنبع من كثرة الذنوب فقط، بل من عمق الإيمان.
فقد كان محمد بن المنكدر من عباد الله الصالحين، ومع ذلك لم يأمن مكر الله.
2- وجوب محاسبة النفس باستمرار.
المؤمن الصادق يخاف من أن يُرفض عمله رغم نيته، لذا يحاسب نفسه دائمًا.
3- تأثير القدوة الصالحة في البيت.
دموع محمد بن المنكدر كانت وسيلة تربية عظيمة لأهله، دون أن يتكلم كثيرًا.
4- قوة التدبر في آيات القرآن.
آية واحدة فقط غيرت حاله، لأن قلبه كان حيًا ولسانه ذاكرًا.
ختامًا…
ليست كل دمعة تُحسب ضعفًا، فبعض الدموع هي لغة الأرواح حين تعجز الألسن، وبعضها دليل حياة القلب.
فهل سألنا أنفسنا:
*هل نتدبر القرآن كما كان يفعل محمد بن المنكدر؟
* هل نخشى من مكر الله؟
* هل نحاسب أنفسنا بصدق؟
إن الخوف من الله نعمة، والدموع التي تُسقى بها القلوب هي أولى خطوات الصلاح.
فلنكن من الذين يخشون ربهم بالغيب، ويتفكرون في آياته، ويسألون الله أن يُظهر لهم من رحمته، لا مما لم يكونوا يحتسبون.