التوسل بالأنبياء والصالحين عند السادة الحنفية
12 أبريل، 2025
شبهات حول قضايا التصوف

بقلم . د : إبراهيم المرشدي الأزهري
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف والمدرس بجامعة نور مبارك بكازاخستان
اتفق علماء المذاهب الأربعة على التوسل بالأنبياء والصالحين أحياءً وأمواتًا، وقد ذكرت ذلك بوضوح في كتابي: “الكواشف الجلية في الرد على الوهابية”، ولكن توهم بعض المعاصرين أنَّ السادة الحنفية يمنعون التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والصالحين،
وهذه الدعوى تشتمل على عدة أوهام:
الأول: فارق بين المعتمد في المذهب وفي كتب الفقه الحنفي، وبين كلام بعض المنسوبين إلى المذهب الذين تأثروا برأي ابن تيمية والوهابية، ولا رصيد لكلامهم في كتب المذهب أصلًا.
الثاني: لا يوجد إمام معتبر من المصنِّفين في أئمة المذهب الحنفي- على حد علمي- حرَّم التوسل بالجناب النبوي الشريف أو بأحد الصالحين، أو كرهه، بل أطبق الكافة على جوازه بل استحبابه.
الثالث: كتب أبو عبد الله الأفغاني: “جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية”، وهي رسالة دكتوراه بالسعودية، وفيها من الأوهام والأغاليط بل والكذب الواضح ما جعلني أندم على الوقت الذي ضيعته في الاطلاع عليها، وأعجب من الجامعة الإسلامية أن تقبل رسالة علمية بهذه السطحية والسذاجة!!
الرابع: كره السادة الحنفية قول المتوسل: “اللهم إني أسألك بحق فلان” فظن بعض من لا دراية له بكلام الفقهاء أنهم يكرهون التوسل، وفي الحقيقة إنما كرهوا اللفظ؛ لأنه لا حق لأحد على الله تعالى، هكذا قالوا، ولكنهم أجازوا التوسل بأي لفظ آخر، كقولهم: بجاه فلان، أو بحرمة فلان أو غير ذلك، فدعوى أنَّ الحنفية كرهوا التوسل بهذا الكلام دعوى ساقطة لا رصيد لها إلا الجهل وعدم الفهم للمذهب.
الخامس: أقوال أئمة المذهب الحنفي في التوسل بالأنبياء والصالحين كثيرة لا تكاد تنحصر، وسأذكر لك شيئًا يسيرًا من الكتب المعتمدة في المذهب لترى سوء فهم المنكرين.
1 – قال العلامة أبو الفضل بن مودود الموصلي الحنفي المتوفى 683هـ في “الاختيار لتعليل المختار” (1/ 176) فيما يقول الزائر عند الروضة الشريفة: ” … يا رسول الله، نحن وفدك، وزوار قبرك، جئناك من بلاد شاسعة، ونواح بعيدة، قاصدين قضاء حقك، والنظر إلى مآثرك، والتيامن بزيارتك، والاستشفاع بك إلى ربنا، فإن الخطايا قد قصمت ظهورنا، والأوزار قد أثقلت كواهلنا، وأنت الشافع المشفع، الموعود بالشفاعة والمقام المحمود، وقد قال الله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} [النساء: 64] وقد جئناك ظالمين لأنفسنا، مستغفرين لذنوبنا، فاشفع لنا إلى ربك، وأسأله أن يميتنا على سنتك، وأن يحشرنا في زمرتك، وأن يوردنا حوضك، وأن يسقينا كأسك غير خزايا ولا نادمين، الشفاعة الشفاعة يا رسول الله …” إلخ.
2 – وقال الإمام حسام الدين السغناقي المتوفى 711هـ في “الكافي شرح البزدوي” (1/ 137): “وأسترحمه عند مضيق حالي وإسلامي، مستشفعًا بنبي الرحمة، وكاشف الغمة محمد صلى الله عليه وعلى آله الأخيار، وأصحابه الأبرار”.
3 – وقال الإمام كمال الدين ابن الهُمام المتوفى 861هـ في “فتح القدير” (3/ 181) فيما يفعله الزائر عند القبر الشريف: “ويسأل الله تعالى حاجته متوسلًا إلى الله تعالى بحضرة نبيه عليه الصلاة والسلام، وأعظم المسائل وأهمها: سؤال حسن الخاتمة والرضوان والمغفرة، ثم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة فيقول: يا رسول الله أسألك الشفاعة، يا رسول الله أسألك الشفاعة، وأتوسل بك إلى الله في أن أموت مسلمًا على ملتك وسنتك، ويذكر كل ما كان من قبيل الاستعطاف والرفق به، ويجتنب الألفاظ الدالة على الإدلال والقرب من المخاطب فإنه سوء أدب. وعن ابن أبي فديك قال: سمعت بعض من أدركت يقول: بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فتلا هذه الآية: {إنَّ الله وملائكته يُصَلُّونَ على النَّبيِّ} [الأحزاب: 56] الآية، ثم قال صلى الله عليه وسلم: يا محمد سبعين مرة، ناداه ملك صلى الله عليه وسلم وعليك يا فلان ولم تسقط له حاجة”.
4 – وقال العلامة المُنلا محمد خسرو المتوفى 885هـ في “درر الحكام في شرح غرر الأحكام” (1/ 265): “وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَسْأَلُ وَبِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَوَسَّلُ أَنْ يَنْفَعَنِي وَالْمُسْلِمِينَ بِهِ النَّفْعَ الْعَمِيمَ”.
5 – وقال الإمام زين الدين المعروف بابن نجيم المصري المتوفى 970هـ في خاتمة كتابه “البحر الرائق” (8/ 591): “وأن يجعل مقرَّنا بأعلى الدرجات، ويبلغنا أقصى المرادات بحرمة محمد صلى الله عليه وسلم سيد السادات”.
6 – وقال المنلا علي القاري المتوفى 1014هـ في “فتح باب العناية بشرح النقاية”: “وقد عُدَّ من آداب الدعاء: التوسل بالأنبياء والأولياء على ما في «الحصن الحصين»”.
7 – وقال العلامة حسن الشرنبلالي المتوفى 1069هـ في “مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح” (صـ 13): “والله الكريم أسأل، وبحبيبه المصطفى إليه أتوسل أن ينفع به جميع الأمة، وأن يتقبله بفضله”.
8 – وقال العلامة عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده المتوفى 1078هـ في “مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر” (1/ 313) فيما يقوله الزائر للجناب النبوي الشريف: “ويقول: السلام عليك يا رسول الله أسألك الشفاعة الكبرى، وأتوسل بك إلى الله تعالى في أن أموت مسلمًا على ملتك وسنتك، وأن أُحشر في زمرة عباد الله الصالحين”.
9 – وقال العلامة أحمد بن محمد الطحطاوي المتوفى 1231هـ في “حاشيته على مراقي الفلاح” (صـ 360): “ذكر بعض العارفين أن الأدب في التوسل أن يتوسل بالصاحبين إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ثم به إلى حضرة الحق جل جلاله وتعاظمت أسماؤه، فإن مراعاة الواسطة عليها مدار قضاء الحاجات”.
10 – وقال خاتمة المحققين ابن عابدين المتوفى 1252هـ في حاشيته: “منحة الخالق على البحر الرائق” (1/ 3): ” وأسأله سبحانه وتعالى متوسلًا إليه بمن صلاته عليه تتوالى أن يلهمني الصواب، وأن يسلك بي سبيل السداد، وأن يجعل ذلك خالصًا لوجهه الكريم، موجبًا للفوز العظيم، نافعًا به جل العباد، وأن يمن عليَّ وعلى والديَّ وأشياخي بالعفو التام، وكما أحسن لي المبدأ يحسن لي الختام بحرمة نبيه عليه الصلاة والسلام”.
وقال في “حاشية ابن عابدين” (1/ 78): “وكذا يقول أسير الذنوب جامع هذه الأوراق راجيًا من مولاه الكريم، متوسلًا بنبيِّه العظيم، وبكل ذي جاه عنده تعالى أن يمن عليه كرمًا وفضلًا بقبول هذا السعي والنفع به للعباد، في عامة البلاد، وبلوغ المرام، بحسن الختام، والاختتام، آمين”.
11 – وقال الشيخ محمد عبد الحي اللكنوي المتوفى 1304هـ في “عمدة الرعاية بتحشية شرح الوقاية” (1/ 135): “والله أسأل سؤال الضارع الخاشع متوسِّلاً بنبيّه المشفَّع الشافع أن يتقبّل جميع تأليفاتي، ويجعلَها ذخيرةً بعد وفاتي، وينفعَ بها عباده في حياتي وبعد مماتي، وأن يتجاوز عن طغيان أقدامي، وزلاّت أقلامي”.
فهذه نصوص أئمة السادة الحنفية في جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والصالحين، ولا يدفعها عاقل، والله تعالى أعلى وأعلم.
كتبه الدكتور/ إبرهيم المرشدي الأزهري