أهمية التربية
10 يناير، 2025
بستان الصالحين

بقلم : الشيخ سعد طه
لاشك أن للأب دورًا محوريًا في حياة أبنائه، فهو ليس مجرد مصدر لتوفير الاحتياجات المادية، بل هو الركيزة الأساسية في التربية والتوجيه.
فالأب السوي يلعب دور القدوة الحسنة في الأخلاق والعلم والأدب، ويُغرس من خلال سلوكه قيم الاحترام والتعامل الراقي في نفوس أبنائه.
ويبرز هذا الدور بشكل خاص في علاقته ببناته، إذ ترى فيه الفتاة النموذج المثالي للرجل، مما يؤثر على نظرتها وتقديرها للعلاقات المستقبلية.
وكثيرًا ما نسمع عبارات المدح التي تكرم الأب من خلال سلوك بناته، فيُقال: “هي بنت فلان”، لتشير إلى أن هذه الفتاة تعكس القيم والمبادئ التي ورثتها من والدها.
ولا عجب في القول المأثور: “من شابه أباه فما ظلم”، حيث يجسد الأب الحكيم تأثيره العميق في تشكيل شخصية أبنائه، مما ينعكس على المجتمع بأسره،
وفي مجتمع المدينة المنورة عاش عالم جليل وتابعي نجيب، عُرف بالعلم والتقوى، إنه سعيد بن المسيب رضي الله عنه، أحد فقهاء المدينة السبعة الذين كان يُرجع إليهم في العلم والفتوى في زمانهم.
تتلمذ على يد كبار الصحابة مثل سيدنا عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وترعرع في بيت السيدة أم سلمة رضي الله عنها، فاقتبس من أنوار بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لازم الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه ونقل عنه، بل وزوجه ابنته ليجمع بين الحُسنيين ورزقه الله منها بابنة لا تقل عنه نجابةً وذكاءً، وكانت حريصة على حضور مجلس علمه.
علا نجم سعيد بن المسيب في المدينة المنورة حتى أصبح له مجلس يجتمع فيه طلاب العلم ومريدوه من بين هؤلاء الطلاب كان عبد الله بن وداعة السهمي، وهو شاب نجيب يحرص على حضور مجلس شيخه.
وفي يوم من الأيام، تغيب عبد الله عن مجلس سعيد عدة أيام وعندما عاد سأله سعيد عن سبب غيابه، فأخبره عبد الله بأن زوجته توفاها الله تعالى فانشغل بها فقال له سعيد: “لماذا لم تخبرنا لنشهد جنازتها ونُعزيك؟” وعندما أراد عبد الله الانصراف من المجلس، قال له سعيد: “يا عبد الله، ألا تستحدث زوجة غيرها؟” فقال عبد الله: “ومن يزوجني ابنته يا شيخي وأنا لا أملك في بيتي إلا درهمين؟!” فقال له سعيد: “أنا أزوجك ابنتي.” فتعجب عبد الله مما سمع، إذ كان يعلم أن عبد الملك بن مروان طلبها لأحد أولاده ورفض سعيد طلبه فقال سعيد: “نعم، حقًا يا عبد الله، أتتزوجها؟” قال: “نعم يا شيخي.” فقام سعيد وحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم زوّجه ابنته على درهمين.
سأل سعيد عبد الله: “متى تُريدها عندك؟” فقال عبد الله على سبيل المبالغة: “اليوم قبل الغد.” وبعد صلاة المغرب، توجه عبد الله إلى بيته غير مصدق من شدة الفرح، لا يعرف ممن يستدين حتى يستعد للزواج ويوفر بعض متطلباته. وفي ذلك اليوم كان صائمًا، فقال: “دخلت بيتي وأوقدت السراج، وجئت بطبق فيه زيت وقديد لأفطر، فسمعت طارقًا على الباب. فواريت الطبق خلف السراج وقلت: من؟ فقال: سعيد! فتعجبت، وكل سعيد أعرفه جاء في راسي ماعدا سعيد بن المسيب ، إذ لم يرد في ذهني أن يكون هو ، لأنه لم يُرَ منذ أربعين سنة إلا بين بيته ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.”
ففتحت الباب فإذا بشيخي سعيد بن المسيب، وخلفه سواد، فقلت: “مرحبًا يا شيخي! كنت أرسلت لي وأنا آتيك.” وفكرت لوهلة أنه ربما ندم وتراجع عن تزويجي ابنته. قال: “لا، أنت أحق أن تُؤتى.” قلت: “فما تأمرني؟” قال: “رأيتك رجلًا عزبًا قد تزوجتَ، فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك (فإذا ابنته قائمة خلفه، في طوله).” ثم دفعها في الباب وانصرف، فسقطت الفتاة من شدة الحياء، فاستوثقت من الباب، ثم صعدت السطح وناديت الجيران فجاءوني ، وقالوا: ما شأنك؟ فقلت: زوجني سعيد بن المسيب اليوم ابنته، وقد جاء بها على غفلة، وها هي في الدار.” فجاءت أمي بعد أن بلغها الخبر وقالت: “وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها ثلاثة أيام.” فأقمت ثلاثًا، ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل النساء، وأحفظهم لكتاب الله تعالى، وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرفهم بحق الزوج ، وبعد أسبوع، أردت الخروج إلى مجلس سعيد بن المسيب، فقالت لي: “إلى أين يا عبد الله؟” فقلت لها: “إلى مجلس سعيد بن المسيب.” فقالت لي: “اجلس أُعلمك علم سعيد بن المسيب.” حقًا، إنها بنت أبيها