كريمة الدارين ونفيسة العلوم السيدة نفيسة عليها السلام

بقلم الأستاذ / عبدالرحيم ابو المكارم حماد

المحامى بالاستئناف

ضريحها : بمسجدها المشهور بحى الخليفة بمدينة القاهرة (مسجد السيدة نفيسة).

نسبها : هى السيدة نفيسة بنت الحسن الأنور بن الامام زيد بن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب زوج السيدة فاطمة الزهراء بنت النبى صلى الله عليه وسلم.

وأمها هى السيدة زينب بنت الإمام الحسن المثنى بن الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام ، وقيل أن أمها أم ولد ، وأن زينب أم إخوتها .

 كانت رضى الله عنها من كبار سيدات أهل البيت التى اشتهرت بالعبادة والزهد.

ولدت السيدة نفيسة رضي الله عنهما في مكة في يوم 11 ربيع الأول 145 هـجري الموافق عام 762 ميلادية ، انتقل بها أبوها إلى المدينة المنورة وهي في الخامسة من عمرها ؛ فكانت تذهب إلى المسجد النبوي ـ مسجد جدها صلى الله عليه وسلم ـ وكانت تستمع إلى شيوخه الدروس ، وتتلقى الحديث والفقه من علمائه ، حتى لقبها الناس بلقب “نفيسة العلم” قبل أن تصل لسن الزواج.

ولدت رضى الله عنها في زمن الدولة العباسية وتحديدًا في عهد أبي جعفر المنصور ، وفي عام 150هجرية انتقلت نفيسة للمدينة وعمرها 5 سنوات عندما ولَّى أبو جعفر المنصور أباها على المدينة ، وبها أتمّت حفظ القرآن وعمرها 8 سنوات.

بعد ذلك غضب أبو جعفر المنصور على أبيها وصادر أمواله وحبسه في بغداد، وظل أبيها محبوساً إلى وفاة أبو جعفر المنصور عام 158هجرية، حيث أطلقه الخليفة محمد المهدي من السجن بعد ولايته.

تقدّم الكثيرون للزواج من السيدة نفيسة لدينها وعبادتها ، إلى أن قَبِلَ أباها بتزويجها من سيدنا إسحاق المؤتمن بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وارضاهما ، وتم الزواج في رجب 161 هـ ، فأنجبت له القاسم وأم كلثوم.

وعندما كان عمرها آنذاك 48 سنة هاجرت السيدة نفيسة من المدينة إلى مصر مع زوجها وأقامت بها ، وكانت ذات مال وإحسان إلى عموم الناس ، وكانت عابدة زاهدة كثيرة الخير ، وكانت تطيل القيام ، وتكثر من الصيام ، فقيل لها: ألا ترفقين بنفسك؟ فقالت: كيف أرفق بنفسي وأمامي ‌عقبة ‌لا ‌يقطعها ‌إلّا ‌الفائزون!.

وفي سنة 193 هجرياً رحلت السيدة نفيسة عليها السلام مع أسرتها إلى مصر ، مروا في طريقهم بقبر الخليل ، وحين علم أهل مصر بقدومهم خرجوا لاستقبالهم في العريش.

وصلت السيدة نفيسة عليها السلام إلى القاهرة في 26 رمضان 193 هـ ، ورحّب بها أهل مصر ، وأقبلوا عليها يلتمسون منها العلم حتى كادوا يشغلونها عما اعتادت عليه من عبادات ، فخرجت عليهم قائلة : “كنتُ قد اعتزمت المقام عندكم ، غير أني امرأة ضعيفة ، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي، وجمع زاد معادي، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى” ففزعوا لقولها، ورفضوا رحيلها ، حتى تدخَّل والي مصر السري بن الحكم وقال لها : “يا ابنة رسول الله ، إني كفيل بإزالة ما تشكين منه” ، فوهبها داراً واسعة ، وحدد يومين في الأسبوع يزورها الناس فيهما طلبًا للعلم والنصيحة ، لتتفرغ هي للعبادة بقية الأسبوع ،  فرضيت وبقيت.

ولمَّا وفد الإمام محمد بن ادريس الشافعي إلى مصر سنة 198 هـ ، توثقت صلته بالسيدة نفيسة بنت الإمام الحسن الأنور رضي الله عنهما وارضاهما، واعتاد أن يزورها وهو في طريقه إلى حلقات درسه في مسجد الفسطاط ، وفي طريق عودته إلى داره ، وكان يصلي بها التراويح في مسجدها في رمضان ، وكلما ذهب إليها سألها الدعاء ،  وأوصى أن تصلي عليه السيدة نفيسة عليها السلام في جنازته ، فمرت الجنازة بدارها حين وفاته عام 204 هـ ، وصلّت عليه إنفاذًا لوصيته.

عُرف عن السيدة نفيسة بنت الإمام الحسن الأنور رضى الله عنهما زهدها وحسن عبادتها وعدلها ، فيُروى أنها لما كانت بالمدينة كانت تمضي أكثر وقتها في المسجد النبوي تتعبد ، وتروي السيدة زينب ابنة أخيها يحيى المتوج قائلة : “خدمتُ عمّتي السيدة نفيسة أربعينَ عامًا ، فما رأيتها نامَت بلَيل ، ولا أفطرت إلا العيدين وأيام التشريق ، فقلت لها : أمَا ترفُقِين بنفسِك؟ فقالت : كيف أرفُق بنفسي وأمامي عَقَبات لا يقطَعُهُنّ إلا الفائزون؟ وكانت تقول : كانت عمتي تحفَظ القرآن وتفسِّره ، وكانت تقرأ القرآنَ وتَبكي” وقيل أنها حفرت قبرها الذي دُفنت فيه بيديها ، وكانت تنزل فيه وتصلي كثيرًا ، وقرأت فيه المصحف مائة وتسعين مرة وهي تبكي بكاءً شديدًا ، كما ذكروا أنها حجّت أكثر من ثلاثين حجة أكثرها ماشية ، كانت فيها تتعلق بأستارالكعبة وتقول :”إلهي و سيدي و مولاي متعني و فرحني برضاك عني ، و لا تسبب لي سبباً يحجبك عني”

وكانت تردد هذا الدعاء المشهور عنها:

 كم حارَبَتني شدةٌ بجيشها

 فضاق صَدري من لقاها وانزعج

 حتى إذا أيِستُ من زوالها

 جاءتني الألطاف تسعى بالفرج .

كما كانت شديدة في الحق لا تهاب الأمراء ، وكانت رضي الله عنها مُجابة الدعوة ، أظمأت نهارها بالصيام ، وأقامت ليلها بالقيام ، عرفت الحق فوقفت عنده والتزمت به ، وعرفت الباطل فأنكرته واجتنبته ، واجتهدت بالعبادة حتى أكرمها الله بكرامات عديدة. كانت تمضي أكثر وقتها في حرم جدّها صلى الله عليه وسلم، وكانت الآخرة نصب عينيها، حتى إنها حفرت قبرها الذي دُفنت فيه بيديها، وكانت تنزل فيه وتصلي كثيرًا، وقرأت فيه المصحف مائة وتسعين مرة وهي تبكي بكاءً شديدًا.

جاءت السيدة نفسية رضى الله عنها الى مصر فى عام 193 هجري وبقيت بها الى ان توفيت فى عام 208 هجرياً، وظلت بمصر نحو 15 عاماً.

في شهر رجب 208 هـ أصاب السيدة نفيسة المرض ، وظل يشتد عليها حتى توفيت في مصر في رمضان من ذات السنة السابقة، فبكاها أهل مصر ، وحزنوا لموتها حزنًا شديدًا ، وكان يوم دفنها مشهودًا، ازدحم فيه الناس لتشييعها .

وتوسل أهل مصر للوالى ، كى يتوسط لهم عند زوج السيدة نفيسة ، بتركها عندهم للتبرك ، رفض إسحاق فى البداية ، إلا أنه عاد إلى الوالى قائلا إنه رأى النبى فى المنام مطالبا إياه بألا يعارض أهل مصر ، لأن إسحاق رأى فى منامه ـ وفقاً للرواية ـ النبى صلى الله عليه وسلم يقول له : “يا إسحاق لا تعارضْ أهلَ مصرَ فى نفيسة ، فإن الرحمةَ تنزلُ عليهم ببركتِها”.

اترك تعليقاً