
بقلم الشيخ: حمدى على الجهينى مسؤل إدارات المساجد بمديرية أوقاف القاهره وكبير أئمة بإدارة السيدة زينب
توطئة:
خلق الله تعالى الإنسان من عنصرين أساسيين؛عنصر الطين، وعنصر الروح، كما قال ذلك في كتابه:﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ فأصل كل البشر من الطين، إلا أن الله تعالى نفخ فيه من روحه فتكوّن سيدنا آدم عليه السلام ثم تكوّن من سلالته هذا الإنسان الذي صار بتلك النفخة خلقًا آخر﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَر﴾ وذلك بعد مرحلة النطفة والعلقة والمضغة والعظام ثم كسوة العظام لحماً وبعد أن أُرسل إليه الملك فنفخ فيه الروح فصار مغايرًا لما كان عليه الحال من قبل؛ قال تعالى:(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ(12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ(13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)المؤمنون.
فالإنسان إذن ليس من طين فقط، وليس من روح فقط، إنما طبيعته مزدوجة تخلقت من انسجام هذين العنصرين وأعطت هذا الإنسان كل الخصائص التي له. ولكى يعيش الإنسان حياة مستقرة منضبطة ويقوم بما أمره الله تعالى به على أكمل وجه؛ جعل لكل عنصر من هذين العنصرين غذاءً يناسبه؛ فجعل غذاء العنصر المادي لهذا الإنسان أشياء مادية من جنسه منسجمة مع طبيعته؛ وهى كل الكائنات التي خُلقت على ظهر الأرض وتحت أديم السماء؛ الحيوان بكل أنواعه، وكذلك النبات، وكذلك الجماد، وحتى الشمس والقمر، فكل ما في هذا الكون سُخر للإنسان ولتغذية العنصر المادي فيه؛ قال تعالى:﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ لقمان:20. قال تعالى:﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ* وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ إبراهيم:33-34. قال تعالى:﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ وأمده بالحواس التى تستفيد وتستمتع بم سُخر له؛ قال تعالى:( أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)البلد.
فجعل له عينين يبصر بهما ما ينفعه فى حياته ويؤدى بهما عمله، ويستمتع بهما بالمناظر الجميلة فى المخلوقات من حوله، وشاهدوا معاشر القراء الكرام ما يصوره الرحالة من روائع المشاهد فوق الأرض وتحتها وفى باطن البحار والمحيطات، لتشهدوا على جمال خلق الله فى الكون، وخلق له أذنين يسمع بهما، ويستمتع بهما بما أحله الله من أصوات جميلة مبثوثة فى الكون فى البشر والحيوانات والطيور وغير ذلك، وخلق له أنف يتنفس بها ليعيش، ويستمتع بشم الروائح الطيبة كذلك التى خلقها الله تعالى له، وخلق له أعضاء ذكورية للذكور وأنثوية للإناث؛ ليقضى بها شهوته ويتمتع بقرينه، وخلق له يدين ورجلين ليتمتع بالرياضة التى يحبها ويمارس بهما عمله وعبادته، ومع كل هؤلاء خلق له فم يتناول به الغذاء الأول والأساسي للجانب المادي فيه فيأكل به ويشرب ما أحل الله له مما لذ وطاب فى الكون من كل أنواع الطعام والشراب الذى لم يحرم منه إلا القليل حفاظا على بدنه وعقله وعرضه ودينه ونفسه، والإنسان يتناول تقريبا ثلاث وجبات رئيسية فى اليوم؛ إفطار وغداء وعشاء، أو أقل من ذلك قليلا أو أكثر بحسب طبيعة كل شخص، وعند التقصير فى غذاء الجانب المادي يضعف الجسد ويتألم، ويهتز استقراره وانسجامه .
لذلك جعل الله تغذية البدن حق واجب على الأنسان فقال الذى لا ينطق عن الهوى:(إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) صحيح البخاري رقم: 1968.
وكما جعل الله للعنصر المادي في جسم الإنسان غذاء مناسب له، جعل كذلك للعنصر الروحي الذى هو المتحكم فى العنصر المادي فهو الذي يقود الإنسان إلى الخير أو يقوده إلى الشر كما قال تعالى:﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾الشمس:7-10. غذاء كذلك بل أهم من غذاء الجانب المادي؛ ولكن بم تتغذى هذه الروح؟ نحن نغذي أجسامنا عادة كل يوم ثلاث مرات، ولكن نغذي العنصر الطيني فقط، أما العنصر الروحي فإنما يُغذى بغذاء من جنسه وهو الأشياء الروحية التي جاء بها الوحي الروح الأمين من عند الله تعالى فالذي جاء به الوحي فقط هو الذي يغذي الأرواح، وكما أنه عند التقصير في غذاء الجانب المادي يضعف الجسد ويتألم، ويهتز استقراره وانسجامه، فكذلك وأشد عندما يقصر الإنسان في غذاء النفس؛ فإنها تتألم وتعيش في هم وغم وكرب واكتئاب قد يؤدى بصاحبه الى قتل النفس والانتحار كما نرى. وكذلك إذا غذّاها بالعناصر المادية التي لا تناسبها كالخمر والمخدرات والأغاني والزنا والسهر في قضاء الشهوات والملذات،. الخ، لأن هذه ماديات، ولا تنجح معها هذه الماديات لأن الروح لا ينفعها ويغذيها إلا شيء من جنسها. وقد جعل الله للإنسان غذاء روحي يومي للنفس أو الروح كغذاء البدن تماما بتمام وتمثل ذلك فيما يلي:
1ـ الصلاة: حيث أوجبها الله تعالى في اليوم خمس مرات وفي أوقات معينة فقال:﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً﴾النساء:103. فالعنصر الروحي في الإنسان يحتاج إلى التزود بالطاقة خمس مرات في اليوم وبذلك الترتيب، وإلا صار مهددًا بالانطفاء والموت، والجوع الديني في الإنسان أكبر من الجوع الطيني بدليل هذا التشريع، وعبر الصلاة المشتملة على الذكر والقرآن يتم التزود، وإذا لم يقع اتصال لا يقع استمداد ولا إمداد.
ففي الصلاة مِن الرُّوحانيَّاتِ والصِّلةِ باللهِ ما يَجْعَلُ القلبَ يَرْتاحُ ويَخْرُجُ مِنْ متاعبِ الدُّنيا إلى مَعِيَّةِ الحَقِّ سُبْحانَه، وقد جعلتُ قُرَّةُ عينِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الصَّلاةِ؛ فإنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم هو القائلُ: “وجُعِلتْ قُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلاةِ”، وطَلَبُ الرَّاحةِ في الصَّلاةِ يَصْدُرُ ممَّنْ كان خاشعًا فيها ومُحِبًّا لها، وإنْ كانت ثَقيلةً على البعضِ؛ كما قال اللهُ:{وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}البقرة: 45. وعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ:(قَالَ رَجُلٌ قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهُ مِنْ خُزَاعَةَ لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ، فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها) أخرجه أبو داود(4985)،وابن أبي شيبة في(مسنده)(940). وعن حذيفة بن اليمان قال:( كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا حزَبه أمرٌ صلَّى ) أخرجه أبو داود(1319)،وأحمد(23299)، والبيهقي في(شعب الإيمان)(2913) جميعهم بلفظه. وفي هذا الحديثِ يقولُ حذيفةُ رَضِي اللهُ عنه: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم إذا حزَبَه أمرٌ، أي: إذا أحزَنَه أمرٌ أو أصابه بالهمِّ لجَأ إلى الصَّلاةِ، سواءٌ كانتْ فرضًا أو نافلةً؛ لأنَّ في الصَّلاة راحةً وقُرَّةَ عينٍ له، وهذا مِصداقُ قولِه تعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}البقرة: 45،وهذا مِن تعليمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم لأمَّتِه، فإنَّه يُعلِّمُنا حُسْنَ التَّوكُّلِ على اللهِ واللُّجوءَ إليه في كلِّ الأمورِ.
فالصَّلاةُ صِلةٌ بين العبدِ وربِّه، وهي عبادةٌ جليلةٌ فيها تَصْفو الرُّوحُ مِن الكَدَرِ والمُنغِّصاتِ النَّفسيَّةِ، وفيها يَقِفُ العبدُ بينَ يدَيْ ربِّه ويَدْعوه لِتَفريجِ هُمومِه؛ فهو وحْدَه القادِرُ على إزالةِ الهمِّ والحزنِ وتسهيلِ الصِّعابِ. وخاصة صلاة الفجر وهذا أمر محسوس ومشاهد ممن يحافظ على أداءه في وقته وقد أكد العلم الحديث ذلك فقد ذكر علماء الكيمياء، أن الكون يتكون من عناصر كيمائية، ومنها الأكسجين ورمزهo، والذي كذرة واحدة لا تستطيع أن تعيش وحدها في الكون، وهكذا كل الغازات، فهو يميل إلى الزواج والاقتران بذرة أكسجين أخرى، حتى يتم تكوين جزيء الأكسجينO2، وهو الذي نتنفسه, وجزيء الأكسجين الذي نتنفسه لو اقترن بذرة أكسجين ثانية، سيكون O3وهو نظير من نظائر الأكسجين، وهو الأوزون، وهي مادة سامة وخطيرة، لا تتكون مطلقًا على سطح الأرض، هي فقط تتكون على بعد من 40 إلى 50 كلم عن سطح الأرض, ولكن جزء من هذه الطبقة ينزل في توقيت الفجر، فيحدث تفكيكه إلى الأكسجين الذي نتنفسه، وتبقى ذرة أكسجين نشطة لو استنشقها الإنسان في هذه اللحظة يظل منتعشًا طوال النهار، لأنها نشطة جدًا، فتجعل الإنسان نشطًا جدًا حتى لو كان مرهقًا ولم ينم طوال الليل. وبالاضافة الى ذلك ففي وقت الفجر تنزل على سطح الأرض (Ultra Violet) المعروفة باسم الأشعة فوق البنفسجية، وهي مادة خطيرة جدًا وقاتلة، لو نزلت بكميات كثيرة فإنها تصيب الإنسان بالعمى، وتحرق الجلد، وتتسبب في أعاصير وفيضانات، وتهلك الحرث والنسل، لكن بعد الانتهاء من صلاة الفجر، وبعد شروق الشمس، ينزل منها شعاع موجي محدد، وهو الذي يساعد على تكون فيتامين(د) وعندما يتعرض لها جسم الإنسان، تساعده على مقاومة الفيروسات أيضا.
كما ذكر الدكتور مجدى بدران عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة واستشارى الأطفال وزميل معهد الطفولة بجامعة عين شمس أن الارض الزراعية تمثل بساطا اخضر يعمل على توليد الاكسجين الذى يعد سر البقاء على الأرض وهو ضرورى للنشاط والمناعة والذاكرة والشفاء والراحة والاسترخاء وذلك لأنها تحتوى على بكتريا السعادة المسماة فاكي، والتى تقوم بتحفيز المخ على انتاج هرمون السيروتونين، وهو هرمون السعادة والانشراح حيث يعتبر مضاداً للاكتئاب والقلق والميول العدوانية وأضاف أن الجلوس على الارض خاصة الزراعية يخلص جسم الإنسان من الشحنات الضارة المكتسبة نتيجة التعامل مع الموجات الكهرومغناطيسية، وأن التلامس أولاً بأول مع الأرض بالسجود أو الجلوس أو النوم عليها يخلص الجسم من تلك الشحنات الضارة ولذا فإن الصلاة تجعل الإنسان أكثر استرخاء. والآن فى الغرب يتم العلاج التفسى بما يسمى بيوجا السجود، حيث يأمرون المريض بالسجود على الأرض بنفس وضع السجود عند المسلمين، وقد سموها بنفس الإسم الذى نسميه نحن(السجود).
وقد سمعت أن بعض صالات القمار الكبرى وكذلك الكازينيوهات تضخ الأكسجين فيها لتحفيز المخ على انتاج هرمون السيروتونين، هرمون السعادة والانشراح حتى ينتعش الذى يسهر فيها ويشعر بالسعادة ويرغب فى طول الجلوس في الصالة ومن ثم يدمن ذلك, ولا ننسى مقولة أحدُ الصَّالحين عندما سُئِلَ لماذا أنفاس الفجر أنقى؟!قال لأنها تخلوا من أنفاس المنافقين .!أضف الى ذلك وكما قرر علماء النفس أن الإفضاء النفسي أو(تنفيس العواطف)عند الحاجة وسيلة مثلى للتخلص من الكثير من الضغوط النفسية، وجعلوها أحد أهم أدوات العلاج النفسي، وطريقة فعالة للسيطرة على القلق والتوقف عن أكل النفس، وذلك بالجهر بالأفكار، وتنفيس العواطف، والتخلص منها بطردها خارج الجهاز العصبي قبل أن يفور بخارها من الأذنين، وقبل الوصول للنقطة الحرجة التي سننفجر معها بمئات الأشكال المدمرة والكارثية. فمن أروع الطرق، وأعظمها أثرًا، وأضمنها نتيجة، وأيسرها ممارسة، تقنية الإفضاء النفسي مع العزيز العظيم بالصلاة، ففيها ينطرح العبد تحت عتبة الرحيم، يجأر إليه، ويغبر جبهته على بابه، شاكيًا إليه الهم، وطالبًا العون، وبعده سيذهب الوجوم، ويتشرد الأسف، وتسكن اللوعة.
2- القرآن: قد يقول قائل: وما علاقة القرآن أو الوحى عموما بالإنسان؟ فنقول له إن العلاقة بين القرآن والإنسان هي علاقة الروح بالجسد، فطبيعة القرآن يقول الله جل وعلا فيها:(وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الشورى:52. فهو روح من أمر الله ، وكما ذكرنا الروح يغذيها روح مثلها، الطبيعة الثانية للقرآن كما فى الآية الكريمة: إنه نور يضئ النفوس. ووظيفة هذا القرآن بناء على تلك الطبيعة هي”الهداية”، قال تعالى:﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ الإسراء:9. ولذلك كان هذا الدعاء الوحيد الفريد الذي ندعو به الله جل وعلا في سورة الفاتحة كل يوم سبع عشرة مرة:﴿اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ وهل نطلب من الله تعالى في هذا الدعاء الوحيد الفريد إلا الهداية؟ كل ما قبلها في الفاتحة مقدمة لها وكل ما بعدها تفصيل لها. فأين الجواب عن هذا الطلب؟ ذلك ما نجده أول ما ندخل إلى سورة البقرة أولِ سورةٍ بعد الفاتحة التي هي بمثابة المقدمة لهذا الكتاب العظيم:﴿ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ﴾ كأن الله تعالى يقول لنا: أنتم تطلبون الهداية؟ فها هو الكتاب أمامكم فيه ما تريدون.
لذلك كان الامر من الله ورسوله بكثرة تلاوة القرآن، قال تعالى:(اتل ما اوحى اليك من الكتاب واقم الصلاة) وقال:(فاقرأو ماتيسر من القرآن). وعن الحارث الأعور قال: مررت بالمسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث فدخلت على علي فأخبرته فقال: أو قد فعلوها؟ قلت نعم، قال أما إني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(ألا إنها ستكون فتنة، قلت: ما المخرج يارسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أذله الله وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع به العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا:(إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ)من قال به صدق ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم) رواه الدارمي،والترمذي،وقال:هذا حديث في إسناده مجهول وفيه الحارث ثم قال ليس لهذا الحديث إسناد صحيح،ولكن معناه صحيح. وفى الحديث أيضا؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم:(إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعملوا مأدبته ما استطعتم)رواه الطبراني في الكبير،والدارمي في سننه؛ وهو ضعيف في حال رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وصحيح في حال وقفه على ابن مسعود رضي الله عنه.
مجلة روح الاسلام فيض المعارف