خطبة بعنوان ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) للدكتور محمد جاد قحيف


خطبة بعنوان ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى )

للدكتور : محمد جاد قحيف

الحمدُ للهِ الذي جَعلَ القرآنَ نوراً للمهتدينَ، ومَناراً للمسترشدينَ، وسَبيلاً قَاصداً للمستبصرينَ، وبابًا لصلاحِ الدُّنيا والدينِ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، جعل القرآن خَبَر الْأَوَّلِينَ، وَنَبَأ الْآخِرِينَ، وَحِكْمَة النَّبِيِّينَ، وَهِدَايَة الْمُرْسَلِينَ

وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورَسولُه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ ، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أَمَّا بَعْدُ :

فلقد كان القرآن الكريم سر سعادة العرب وشرفهم ، فأمة العرب لم يكن لها ذكر، أو شأن قبل أن ينزل على نبيهم صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم، فلما اعتصموا به رفع الله ذكرهم، وشرفهم وقادوا البلاد والعباد ، وسادوا الأمم العرب والعجم .

قال تعالى:﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾..

الأنبياء /١٠.

والمعنى: “لقد أنـزلنا إليكم كتابا فيه شرفكم..وذلك أنه شرف لمن اتبعه وعمل بما فيه”(تفسير الطبري) .

لكن لما هجروا أحكامه وابتعدوا عن تعاليمه الصافية عاشوا في تعب وشقاء وتفرقوا وتخلفوا ، وأصبحت قيمتهم كما كانت قبل الإسلام ..

لقد كان العرب يتمتعون بحافظة قوية وذاكرة متينة ، لا يكاد يعزب عنها شيء، فأقبلوا على القرآن الكريم ، وأعجبوا به ، خاصة وأن القرآن جاء في براعة من النظم وروعة من الأسلوب، ورفعة من البيان وتعددت معالم الإعجاز في القرآن الكريم ، كالاعجاز اللغوي والبلاغي ، والبياني ، والغيبي ، والعددي ، والعلمي ، والتشريعي؛ مما جعله أحرى لحفظه ، والاهتمام به، فحفظه الكبير والصغير ، والرجل والمرأة،والحضري والبدوي. والقرآن الكريم هو : كلام الله تعالى المعجز المنزّل على قلب سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم بواسطة أمين الوحي سيدنا جبريل عليه السلام المنقول إلينا بالتواتر، المتعبد بتلاوته، والمتحدى بأقصر سورة منه للإعجاز ..

وهو نور من الله النور على نبيه النور ، بسفارة روح القدس جبريل عليه السلام ..

وقد أحسن أحد الأدباء عندما قسم الكلام العربي إلى ثلاثة أقسام بدلا من اثنين شعر ونثر وقرآن ، أي: أن القرآن الكريم له نظمه وأسلوبه الخاص ؛ لأنه من لدن حكيم خبير .

قال تعالى :﴿وما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وما يَنْبَغِي لَهُ إنْ هو إلّا ذِكْرٌ وقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾.

وقوله تعالى:﴿ وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ سورة الشعراء:192-195.

العنصر الأول : القرآن الكريم سبب للسعادة في الدنيا والآخرة وليس للشقاء ..

قال تعالى: ﴿ طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾ [طه: 2]، قال ابن عاشور رحمه الله تعالى: افتتحت سورة طه بملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله لم يرد من إرساله وإنزال القرآن عليه أن يشقى بذلك؛ أي: تصيبه المشقة ويشده التعب، ولكن أراد أن يذكر بالقرآن من يخاف وعيد..

قال الشنقيطي رحمه الله في قوله تعالى: ﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾ [طه: 2]، وجهان من التفسير، وكلاهما يشهد له القرآن الكريم :

الأول: أن المعنى: ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى؛ أي لتتعب التعب الشديد بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم، وتحسُّرك على أن يؤمنوا، وهذا الوجه جاءت بنحوه آيات كثيرة؛ كقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾ [فاطر: 8]، وقوله تعالى: ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6]، وقوله: ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 3]، والآيات بمثل ذلك كثيرة ..

الوجه الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم صلَّى بالليل حتى تورَّمت قدماه، فأنزل الله ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى؛ أي تنهك نفسك بالعبادة، وتذيقها المشقة الفادحة، وما بعثناك إلا بالحنيفية السمحة، وهذا الوجه تدل له ظواهر آيات من كتاب الله؛ كقوله: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، وقوله: ﴿ رِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب..

ختم الله تعالى الرد على من زعم أن القرآن سبب في الشقاء أن الأمر ليس كذلك، بل القرآن مصدر للسعادة، فقال: ﴿ تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ﴾ [طه: 4]؛ أي: نزل هذا القرآن تنزيلًا ممن خلق الأرض التي تعيشون عليها، وممن خلق السموات العلى..

فلا تتعب وتجهد نفسك همًّا وغمًّا بسبب إعراض المشركين عن دعوتك ، وإنما أنزلناه إليك لتسعد بنزوله، ولتبلغ آياته، ثم بعد ذلك من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فأنت عليك البلاغ ونحن علينا الحساب، وأنت لا تلام على كفر قومك؛ كقوله تعالى: ﴿ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ [الغاشية: 22]، ﴿ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام: 107]؛ أي: ليس عليك كفرهم إذا بلغت ولا تؤاخذ بذنبهم..

العنصر الثاني : القرآن الكريم هدى وشفاء

وقد دل على أن القرآن هدي وشفاء الكثير من آياته .

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ (يونس/ 57).

وقال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا﴾ (الإسراء، آية : 82).

إنه شفاء ورحمة للمؤمنين، أي يذهب ما في القلوب من أمراض الشك والشبهات والنفاق والشرك، والميل إلى الزيغ والضلال .

قال تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾ (فصلت، آية : 44)..

ولما كان القرآن الكريم مصدر كل سعادة وسببا في رحيل كل عناء رغب الله -تعالى- عباده بالإقبال عليه؛ فقال عز من قائل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[يونس: 57]؛ يقول السعدي -رحمه الله-: “شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع وأمراض الشبهات، القادحة في العلم اليقيني، فإن ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة”.

والقرآن الكريم ينفرد بمعالجة أمراض النفوس والقلوب ، دون سواه

والقرآن الكريم ورسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك هما طب القلوب ودواؤها ، ونور الأفئدة وشفاؤها ، ونور الأبصار وجلاؤها ، وبهما تتحقق تزكية النفوس والأرواح، وهو نور الهداية والسعادة .

قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا﴾(الشورى/ 52).

وسمي القرآن الكريم روحاً ؛ لأن فيه الحياة من موت الجهل وظلمة المعاصي .

عن سُفيان بن عُيَيْنَة قال: قال عُثْمَان رضي اللَّه عنه: لَوْ طَهُرَتْ قُلُوبُكم ما شَبِعْتُم مِن كَلام اللَّه عزّ وجَلّ .(الزهد لابن حنبل).

وكان مالك بن دينار يقول: يا أهل القرآن، ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟! فإن القرآن ربيع القلوب ، كما أن الغيث ربيع الأرض.[القرطبي:١٨/٥٠٩ ]

وفي الآية السابقة وصف الله القرآن الكريم بصفتين الأولى أنه: روح، والثانية: أنه نور، وبالروح تكون الحياة ، وبالنور تكشف الظلمات ؛ لذا فإن الله يحيي بهذا القرآن من ماتت قلوبهم وعميت بصائرهم بالكفر والضلال ” أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا” (الأنعام، آية : 122). وأمراض القلوب التي أنزل القرآن شفاء لها نوعان: أمراض شبهات تجعل الإنسان في حيرة وقلق وضياع، وأمراض شهوات، فأمراض الشبهات مذكورة في مثل قوله تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً﴾ (البقرة، آية : 10). وأمراض الشهوات مذكورة في قوله تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ (الأحزاب، آية : 32).(إسلام أون لاين).

ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى:﴿ فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ويوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبداً، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء ، الذي لو نزل على الجبال لصدعها ، أو على الأرض لقطعها، فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه ، وسببه ، والحماية منه لمن رزقه الله فهماً في كتابه. (زاد المعاد) .

فمن بركات القرآن الكريم أنه يرفع صاحبه في الدنيا والآخرة ، فأهل القرآن خير الناس المعلم والمتعلم ، وهم أهل الله وخاصته ، وفي الآخرة يرتقي قارئ القرآن في درجات الجنة على قدر ارتباطه بالقرآن الكريم في الدنيا .

ومن بركات القرآن الكريم أن يطرد الشيطان ويوقظ الغفلان . فالشيطان يهجر البيوت العامرة بالقرآن الكريم، خاصة سورة البقرة.

ومن بركات القرآن الكريم أنه له دور كبير في الشفاء المادي والمعنوي ، لمن يسمع القرآن الكريم ، أو يتلوه بتدبر ، كما يتبين ذلك في العنصر الثالث .

العنصر الثالث: الاستشفاء بالقرآن الكريم

الاستشفاء بالقرآن الكريم صرحت به آيات القرآن الكريم كما سبق البيان ، أو ما صح من السنة النبوية شفاء شاملا معنويا وماديا للقلوب والأبدان ، مع الأخذ بما تيسر من الأسباب .

فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها ﴿ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ، وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عليه، وَأَمْسَحُ عنْه بيَدِهِ، رَجَاءَ بَرَكَتِهَا﴾.

أخرجه الإمام مسلم .

فقد كان مِن هَدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العِلاجُ بالرُّقْيةِ، فكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَرقي نَفْسَه إذا مَرِضَ، وكذا يَرْقي مَنِ اشتكَى مِن أهْلِه ومِن غيرِهم .

وفي هذا الحَديثِ تَحكي أمُّ المُؤمِنينَ عائِشةُ رضِيَ اللهُ عنها أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ يَنفُثُ عَلى نَفْسِهِ في المَرَضِ الَّذي ماتَ فيهِ بِالمُعَوِّذاتِ، والنَّفْثُ: هو نفْخٌ لَطيفٌ لا رِيقَ معَه، وهو أقَلُّ مِنَ التَّفْلِ. والمُعوِّذاتُ هي سُورةُ الفلَقِ وسُورةُ النَّاسِ، وجُمِعَت باعتبارِ أنَّ ما يُستعاذُ منه فيهما كثيرٌ. وقيل: يُضَمُّ إليهما سُورةُ الإخلاصِ. ورَقى بهنَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نفْسَه؛ لأنهنَّ جامِعاتٌ للاستِعاذةِ مِن كلِّ المكروهاتِ جُملةً وتَفصيلًا؛ ففيها الاستِعاذةُ مِن شرِّ ما خلَقَ اللهُ، فيَدخُلُ فيه كلُّ شَيءٍ، ومِن شرِّ اللَّيلِ وما يَنتشِرُ فيه، ومِن شرِّ السَّواحِرِ، ومِن شرِّ الحاسدينَ، ومِن شرِّ شياطينِ الجنِّ والإنسِ.

وصِفةُ النَّفثِ: أنْ يَجمَعَ كَفَّيْهِ ثم يَنْفُثَ فيهما، ويَقْرَأَ الإخْلاصَ والمعوِّذتَينِ، ثم يَمْسَحُ بهما الجَسَدَ. ولعلَّ السَّبَبَ في هذا النَّفْثِ هو أنَّ الدُّعاءَ أو القُرْآنَ الذي نَطَقَ به اللِّسانُ أوجَدَ في جَوفِ وَرِيقِ هذا الإنْسانِ الذي نَطَقَ به بَرَكَةً لهذه الأعْمالِ الصَّالِحَةِ، فيَنْفُثُ الرَّاقي في يَدِهِ ويُمرِّرُ هذه البَرَكَةَ على جَسَدِ المريضِ، فيَبْرَأُ بإذْنِ اللهِ.

وتُخبر أمُّ المُؤمِنينَ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا ثَقُلَ عليه المرضُ، كانت رَضِيَ اللهُ عنها تَرْقِيه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتنفُثُ عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِالمُعَوِّذاتِ، وتمسَحُ عليه بيَدِه الشَّريفةِ؛ لبَركَتِها.

وفي الحديث: مشروعيَّةُ أن يَرقِيَ الإنسانُ نَفْسَه، أو أن يَرقِيَه غَيرُه .

(الدرر السنية)

وفي صحيح الإمام البخاري رضي الله عنه عن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال﴿ انْطَلَقَ نَفَرٌ مِن أَصْحَابِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حتَّى نَزَلُوا علَى حَيٍّ مِن أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فأبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذلكَ الحَيِّ، فَسَعَوْا له بكُلِّ شَيءٍ، لا يَنْفَعُهُ شَيءٌ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: لو أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا ؛ لَعَلَّهُ أَنْ يَكونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيءٌ، فأتَوْهُمْ، فَقالوا: يا أَيُّهَا الرَّهْطُ، إنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا له بكُلِّ شَيءٍ، لا يَنْفَعُهُ؛ فَهلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنكُم مِن شَيءٍ؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، وَاللَّهِ إنِّي لَأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَما أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ علَى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عليه، وَيَقْرَأُ: (الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ)، فَكَأنَّما نُشِطَ مِن عِقَالٍ…﴾ .

أي: انقطَعَتْ آلامُه فَورًا كأنَّما كان مَربوطًا بحَبْلٍ وأُطلِقَ منه ..

وفي الحديثِ : أيضا أنهم انطلقوا يستفتونك رسول الله فأقرهم على مشروعية الرقية ، وعلى أخذ أجرة على ذلك .. الرُّقيةُ تكون بِشَيْءٍ مِن كِتابِ اللهِ تعالَى، وأنَّ سُورةَ الفاتِحَةِ فيها شِفَاءٌ ؛ ولِهَذا مِن أسمائِها (الشَّافيةُ).(الدرر السنية)..

وفي الختام :

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو المسلمين إلى تعلم القرآن وتعليمه ، ويقدم أكثرهم أخذا للقرآن الكريم في إمامة الصلوات، وقيادة الجيوش، بل الحاجة داعية إلى أحكام القرآن ، وتنفيذ توجيهاته وآدابه في ضروب الحياة حتى ننال خيري الدنيا والآخرة ..

وأهل القرآن الكريم هم خير الخلق فضلا ومكانة ..

عن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ﴾ أخرجه الإمام البخاري رضي الله عنه ..

وإن الصوارف للشقاء كثيرة وما ذكرناه منها ما يصرف الشقاء في الدنيا ومنها ما يصرف الشقاء في الدنيا والآخرة؛ أما الصوارف المختصة بالحياة الآخرة؛

ومن صوارف الشقاء في الحياة الآخرة كذلك: خشية الله في الغيب والشهادة؛ فإنها تبعد عن صاحبها الشقاء في الآخرة؛ قال -تعالى-: (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى)[الأعلى: 10-11]، وكيف يشقى من وعده ربه بالمغفرة والأجر الكبير كما في قوله؛ (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)[الملك: 12]؛ بل أنى لمن خشي الله أن يشقى وقد جعل الله جزاءه الجنة؛ (جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ)[البينة: 8]..

فالعودة إلى أحكام القرآن الكريم تلاوة وتدبرا وفهما وعملا نعز أنفسنا ونعتز به..

نوصي به أنفسنا وأهلنا وأولادنا ، نحل حلاله ، ونحرم حرامه ، ونطبق أحكامه ، وننور به بيوتنا وحياتنا ، تعليما وعملا .

أمة القرآن جند الله يا خير البرية.

أمة الصديق والفاروق فخر العبقرية .

أمة القعقاع نصر الجيش ومعوان السرية .

لن تراعي أمة القرآن صبرا لن تراعي.

إن نصر الله منك اليوم أدنى من زراع .

نحن بالله رضينا عن يقين واقتناع ورسول الله داع جاء بالأمر المطاع ..

اللهم أبعدنا عن الشقاء وأبعده عنا وأسعدنا بطاعتك في الدنيا والآخرة..

واللهم انفعنا بالقرآن الكريم وارفع ذكرنا بالقرآن الكريم ،واشرح صدورنا واغفر ذنوبنا ببركة القرآن الكريم ، واجعل القرآن ربع قلوبنا وجلاء همومنا وغمومنا ، واجعل القرآن العظيم قائدنا إلى الجنة ، ولا تجعله سائقنا إلى النار ، برحمتك يا عزيز غفار . وصل الله وسلم على نبينا محمد المختار ، وعلى آله وصحبه الأخيار ، وسلم تسليما كثيرا .