فضل الصحابة على الأمة ركن أصيل من أركان العقيدة

بقلم الشيخ الدكتور : فواز الطباع الحسني
عميد رواق ودار الإمام أحمد الرفاعي رضي الله عنه بالاردن

الصحابة البررة المتقين الكرام، رضوان الله عليهم، هم الجيل الفريد الذي اختاره الله تعالى لصحبة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ليكونوا الوعاء الأمين الذي تلقى الرسالة وحملها نقية صافية إلى الأجيال التالية. فإن فضلهم ليس مجرد فضيلة تاريخية، بل هو ركن أصيل من أركان العقيدة الإسلامية، ويوجب على الأمة كلها محبتهم، وتوقيرهم، والسير على هديهم.

أولاً: منزلة الصحابة في الكتاب والسنة

لم تترك الشريعة الإسلامية فضل الصحابة لتقديرات البشر، بل نصت النصوص الشرعية على مكانتهم العظيمة:

1. شهادة القرآن الكريم ورضى الله عنهم :

وصفهم الله تعالى في كتابه بأفضل الأوصاف، ووعدهم بالمغفرة والأجر العظيم، ومن الأدلة على ذلك:

قال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (التوبة: 100).

وجه الدلالة: هذا النص صريح في إعلان رضا الله تعالى عنهم ووعدهم بالخلود في الجنة، وهو أعلى درجات التزكية الإلهية.

القرآن يصف الصحابة البررة المتقين:
فقال الله تعالى واصفاً حالهم مع نبيه: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ…﴾** (الفتح: 29).

وجه الدلالة: هذا الوصف القرآني البليغ يؤكد إخلاصهم، وقوتهم في الحق، وتراحمهم فيما بينهم، وصدق عبوديتهم.

2. شهادة السنة النبوية لهم :

أكد النبي صلى الله عليه وسلم أن جيل الصحابة هو خير الأجيال على الإطلاق:

خيرية الصحابة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خيرُ الناسِ قَرْنِي، ثمَّ الذين يَلُونَهم، ثمَّ الذين يَلُونَهم» (متفق عليه).

وجه الدلالة:القرن الأول في هذا الحديث هو جيل الصحابة، وتلك شهادة نبوية لا تقبل التشكيك بأنهم خير من وطئ الأرض بعد الأنبياء.

سر التفضيل: لأن الإنفاق والقتال في فترة الضعف كان يتطلب قوة يقين غير عادية، وتضحية بلا انتظار لنتائج قريبة، بعكس ما كان بعد الفتح حيث قويت شوكة الإسلام.

المهاجرون الأوائل: تركوا ديارهم وأموالهم وأوطانهم لله، فهاجروا الهجرة العظمى إلى الحبشة ثم إلى المدينة، ليكونوا عماد الدولة الجديدة.

حرمة سبهم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسبُّوا أصحابي؛ فلو أنَّ أحدَكم أنفَق مثلَ أُحُدٍ ذهبًا، ما بلغ مُدَّ أحدِهم ولا نصيفَه»(متفق عليه).

وجه الدلالة: بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن عمل الصحابي القليل يفوق العمل الكثير من غيرهم، والسبب هو شرف صحبتهم والظروف التي أنفقوا فيها، وهذا يؤكد حرمة الاعتداء عليهم لفظياً أو معنوياً.

الأمان للأمة: قال صلى الله عليه وسلم: «النجومُ أمنةٌ للسماءِ، فإذا ذهبت النجومُ أتى السماءَ ما تُوعد، وأنا أمنةٌ لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنةٌ لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون» (رواه مسلم).

وجه الدلالة: جعلهم النبي ﷺ سبباً لحفظ الأمة من الضلال والفتن والهلاك العام، ما داموا موجودين، وهذا يدل على أن الاقتداء بهم هو سبيل أمان الأمة.

الدور المحوري للصحابة في نقل الدين:
لم تقتصر أفضلية الصحابة على مجرد الصحبة، بل كان دورهم هو الجسر الذي عبرت عليه رسالة الإسلام إلى العالم.

فضل الصحابة على الأمة:
1. نقل القرآن وتدوينه: هم الذين شاهدوا نزول الوحي، وجمعوا القرآن بين دفتي المصحف، وحفظوه في الصدور والسطور، ونقلوه إلينا بالتواتر، فلولاهم لضاع كتاب الله.
2. نقل السنة وتطبيقها: كانوا شهوداً لأقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأفعاله وتقريراته، فنقلوا سنته بدقة متناهية، كما فهموها وطبقوها في حياتهم اليومية، فكانوا القدوة الحية لتفسير القرآن الكريم.

3. نشر الإسلام والجهاد: فتحوا البلاد، ونشروا الدعوة بالجهاد والتعليم، وضحوا بأموالهم وأرواحهم في سبيل إعلاء كلمة الله، فوصل الإسلام إلى مشارق الأرض ومغاربها بجهودهم ودمائهم الطاهرة.

ختاماً
أجمعت الأمة على توفير واحترام الصحابة الكرام البررة المتقين . فالصحابة الكرام هم سلف هذه الأمة الصالح، ومحبتهم دين، وبغضهم كفر ونفاق، والاقتداء بهم هو السبيل الوحيد لضمان السير على المنهج النبوي الصحيح الذي ارتضاه الله لنا. فلذلك علينا أن نتخذ من سيرهم منارة نهتدي بها ونعلمها لأهلنا واحبابنا.