
خطبة بعنوان ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾
للدكتور أيمن حمدى الحداد
نص الخطبة:
الحمد لله الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله كان قرآناً يمشي على الأرض، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه حق قدره ومقداره العظيم، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد؛ أيها المسلمون: لقد أنزل الله عز وجل القرآن الكريم على قلب سيدنا رسول الله ﷺ لسعادة الناس فى الدنيا والآخرة؛
قال تعالى: ﴿طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى﴾(طه: ١-٤)، فالقرآن الكريم يهدى إلى الخير والرشاد؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾(الإسراء: ٩)،
وعن على ابن طالب رضي الله عنه قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ: «ألا إِنّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، فَقلت: مَا المَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ الله؟ قالَ: كِتَابُ الله فِيهِ نَبَأُ مَا كان قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبّارٍ قَصَمَهُ الله، وَمَنْ ابَتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلّهُ الله، وَهُوَ حَبْلُ الله المَتِينُ، وَهُوَ الذّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، هُوَ الّذِي لاَ تَزِيعُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الالْسِنَةُ، وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلاَ يَخْلُقُ عَلى كَثْرَةِ الرّدّ، وَلاَ تَنْقَضَي عَجَائِبُهُ، هُوَ الّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتّى قالُوا: ﴿إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبٗا يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلرُّشۡدِ فََٔامَنَّا بِهِ﴾، مَنْ قالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» رواه الترمذى.
♦ أولاً: مظاهر الرحمة فى القرآن الكريم؛ لقد اقترنت الرحمة بالقرآن الكريم، قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾(يونس: ٥٨)، وقال تعالى: ﴿أولم يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾(العنكبوت: ٥١)، وقال تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾(الأنعام: ١٥٥)، والرحمة القرآنية تعني الرفق والحنو والمحبة والشفقة؛ قال تعالى: ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾(النحل :٤٦)،
– ومن مظاهر الرحمة أنه منهج ربانى يحقق للناس الهداية إلى قيام الساعة وينظم لهم كل شئونهم؛ قال تعالى: ﴿الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(البقرة: ١-٤)،
لقد جاء القرآن الكريم بتشريعات عادلة احتوت أحكاماً كُليَّة ومبادئ عامة في كُلِّ فروع التَّشريع؛ قال تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً﴾(الإسراء: ١٢)، وقال تعالى: ﴿نزلنا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾(النحل: ٨٩)،
فالقرآن الكريم بحقٍّ منهج كامل وشامل لقد تضمن كل ما يحقق للناس مصالحهم؛ قال تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾(الأنعام: ٣٨)،
– ومن مظاهر الرحمة أنه موعظة وتذكرة للمتقين؛ قال تعالى: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾(آل عمران: ١٣٨)، وقـال تعالى:﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾(النور: ٣٤) وقال تعـالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾(الحاقة: ٤٨)،
– ومن مظاهر الرحمة أنه نَزَلَ بالعدل والحق، ونهى عن الظلم والجور؛ قال تعالى: ﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾(الإسراء: ١٠٥)،وقال تعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾(النحل: ٩٠)، وقال تعالى: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾(الشورى: ١٥)،
ولقد أمر بالعدل حتى مع غير المسلمين؛ قال تعالى: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾(الممتحنة: ٨)، وأمر بالعدل عند القول قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾(الأنعام: ١٥٢)،
– ومن مظاهر الرحمة أنه يُخـرج الناس من الظلمات إلى الإيمان؛ قال تعالى: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ﴾(المائدة: ١٦) وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾(الحديد: ٩)، وقال تعالى: ﴿رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾(الطلاق: ١١)، وقال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ﴾(إبراهيم: ١)،
– ومن مظاهر الرحمة أنه شفاء من نيران الحيرة والشك؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾(يونس: ٥٧)، وقال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾(الإسراء: ٨٢)، وقال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾(فصِّلت: ٤٤)،
قال ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: فَالْقُرْآنُ هُوَ الشِّفَاءُ التَّامُّ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْوَاءِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ، وَأَدْوَاءِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَمَا مِنْ مَرَضٍ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ إِلَّا وَفِي الْقُرْآنِ سَبِيلُ الدِّلَالَةِ عَلَى دَوَائِهِ وَسَبَبِهِ.
– ومن مظاهر الرحمة أنه أقام العلاقة بين أفراد الأسرة على المودة الرحمة فأمر بالرحمة بالوالدين؛ قال تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ (الإسراء:٢٤)، وجعل الأساس الذى تبنى عليه علاقة الزواج هو الرحمة؛ قال تعالى: ﴿وَمِنْ ءَايَٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لآيت لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ﴾(الروم: ٢١)، ولقد طبق سيدنا رسول الله ﷺ هذه المعانى من الرحمة القرآنية فكان مع زوجاته يُكرِم ولا يهين، يُوجِّه وينصح، لا يعنِّف، ولايَجْرَح، فعن أنس رضي الله عنه قال: «ما ضرب رسول الله ﷺ شيئاً قط بيده، ولا امرأةً، ولا خادماً ، إلا أن يجاهد في سبيل الله» رواه مسلم.
وعنه أيضاً قال: «ما رَأَيْتُ أحَدا كان أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ من رسول الله ﷺ» رواه مسلم.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن الأقرع بن حابس أبصر النبي ﷺ يُقَّبِّل الحسن، فقال: «إن لي عشرة من الولد ما قبلتُ واحدا منهم، فقال رسول الله ﷺ: «إنه من لا يَرحم لا يُرْحم» رواه مسلم.
– ومن مظاهر الرحمة أنه كتاب مبارك؛ قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾(ص: ٢٩)، وقال تعالى: ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾(الأنبياء: ٥٠)، فهو مُبَارَكٌ عَلَى البُيُوتِ وَحِمَايَةٌ لَهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ؛ قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَهُوَ مُبَارَكٌ عَلَى الْمَجَالِسِ قال ﷺ: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
♦ثانياً: أحوال الصالحين مع القرآن الكريم؛ لقد علم أسلافنا الكرام رضي الله عنهم فضل القرآن الكريم وأنه سبيل النجاة وطريق الفلاح فى الدنيا والآخرة فعاشوا مع القرآن الكريم حتى سرى في عروقهم، وجري في دمائهم، وامتزج بكيانهم كله، وتجلَّى أثره في جميع شؤون حياتهم من ذلك؛
– أبوبكر الصديق رضي الله عنه ورقة قلبه؛ فعن عائشة رضي الله عنها: «أنَّ أبا بكر الصديق رضي الله عنه ابتنى مسجدًا بفناء داره وكان يُصلِّي فيه، ويقرأ القرآن فتقف عليه نساء المشركين، وأبناؤهم وهم يتعجَّبون منه، وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلًا بكَّاءً لا يملك دمْعَه حين يقرأ القرآن» رواه البخاري.
– عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحاله مع القرآن؛ فعن مالك بن مغول قال: قرأ عمر رضي الله عنه: ﴿والطور وكتاب مسطور في رق منشور﴾ إلى قوله: ﴿إن عذاب ربك لواقع﴾
فبكى ثم بكى، حتى عيد من وجعه ذلك» رواه أحمد في الزهد.
وعن الحسن رضي الله عنه قال: «كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمُرُّ بالآية في ورده فتخنقه، فيبكي حتى يسقط، ويلزم بيته اليوم واليومين حتى يعاد يحسبونه مريضًا» شعب الإيمان للبيهقي.
وعبدالله بن شداد بن الهاد يقول: «سمعت نشيج عمر بن الخطاب وأنا في آخر الصفوف في صلاة الصبح يقرأ من سورة يوسف؛ قال: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾(يوسف: ٨٦) شعب الإيمان للبيهقي.
ولقد كان سيدنا عمر رضي الله عنه وقَّافًا عند كتاب الله عز وجل؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القُرَّاء أصحاب مجالس عمر ومشاورته، كهولًا كانوا أو شبَّانًا»، فقال عيينة لابن أخيه: يا بن أخي، هل لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس: «فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر»، فلما دخل عليه قال: هي يا بن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى هَمَّ أن يُوقِع به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيِّه ﷺ: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾(الأعراف: ١٩٩)، وإن هذا من الجاهلين، «والله ما جاوَزَها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافًا عند كتاب الله» رواه البخاري.
– عبدالله بن عباس رضي الله عنهما وقيامه بالقرآن؛ فعن ابن أبي مليكة قال: «صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة، فكان إذا نزل، قام شطر الليل، فسأله أيوب: كيف كانت قراءته؟ قال: قرأ: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾(ق: ١٩)، فجعل يرتل، ويكثر في ذلك النشيج» سير أعلام النبلاء.
– عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يعتق الجارية لوجه الله عز وجل؛ لقد أعتق عبدالله بن عمر جاريته التي يُقال لها (رميثة)، وقال: «إني سمعت الله عز وجل يقول في كتابه: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾(آل عمران: ٩٢)، وإني والله إن كنت لأحبُّك في الدنيا، اذهبي فأنت حرة لوجه الله عز وجل» حلية الأولياء.
– أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه ينفق أحب ماله إليه؛ لقد كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالًا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحا، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله ﷺ يدخله ويشرب من ماء فيه طيب، فلمَّا أنزلت: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾، قام أبو طلحة إلى رسول الله ﷺ فقال: إن الله تعالى يقول:﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ وإنَّ أحبَّ أموالي إلى بيرحا، وإنها صدقة لله أرجو بَرَّها وذخرها عند الله، فضعها حيث أراك الله، فقال رسول الله ﷺ: ((بخ بخ! ذلك مال رابح – مرتين – وقد سمعت ما قلت وأنا أرى أن تجعله في الأقربين))، فقال أبو طلحة: «أفعل يا رسول الله، فقسمها بين أقاربه وبني عمِّه» رواه البخاري.
– زين العابدين على بن الحسين رضي الله عنهما يكظم غيظه؛ لقد سكبت جاريته عليه ماءً ليتوضَّأ فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجَّه فرفع رأسه إليها!!
فقالت الجارية: إن الله يقول: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ (آل عمران: ١٣٤)، فقال: «قد كظمت غيظي»
قالت: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾، فقال: «عفا الله عنك» فقالت: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، قال: «أنت حُرَّةٌ لوجه الله تعالى» البداية والنهاية.
– محمد بن المنكدر يمر بأية فيبكى حتى فزع له أهله؛ لقد قام محمد بن المنكدر ذات ليلة يصلي فبكى فكثر بكاؤه، حتى فزع له أهله، وسألوه؟ فاستعجم عليهم، وتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى أبي حازم، فجاء إليه، فقال: ما الذي أبكاك؟!
مجلة روح الاسلام فيض المعارف