بحث بعنوان ( القرآن كتاب رحمة ) للشيخ رضا الصعيدى
26 أكتوبر، 2025
خطب منبرية

العناصر :
كيف كان الفكر المتشدد عائقا أمام الفهم الصحيح لكتاب الله وسنة رسوله ؟
وكيف كانت طرقهم الخبيثة لصرف الناس عن الفهم الصحيح لكتاب الله ؟
وكيف تكون المواجهة مع هذا الفكر؟
مع إظهار وبيان رحمات الله في كتابه ؟
وبيان سهولته ويسر شريعته وهدايته والانتفاع برقيته وسكينته وحسناته وكرامته لأهل القبور وشفاعته لأهل القرآن يوم القيامة وما الواجب علينا؟
قال تعالى : {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ} [طه: ٢] …القرآن كلام الله الذي أنزله على سيدنا محمد لا لشقائه وشقاء أمته، بل لسعادته وسعادتهم، وهو مصدر رحمة قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: ٨٢].
الرحمة التيسير مبدأ إسلامي أصيل في القرءان والسنة :
وسنكتفي بذكر مواطن التيسير ورفع الحرج في القرءان تجنبا للاطالة .. وشواهد القرآن على هذا كثيرة، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: ٢٨]، وقال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: ٦]، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨].
الفكر المتشدد .. العوامل والأسباب:
يقصد بالتشدد هنا التطرف في فهم الدين، وهو لا محالة من الخطورة بمكان، إذ إنه يصور الفهم الخاطئ لآيات القرآن ونصوص السنة النبوية في صورة الشرع الشريف، وعليه فيصدر أحكاما غير سديدة في وقائع كثيرة، مرد هذا الفهم الخاطئ والمغلوط إلى عدة أمور منها : عدم انتهاج نهج العلماء في الفهم عن الله تعالى، ومن ثم بيان مراده.
عدم سؤال العلماء الراسخين عن أمور الدين.. واجتزاء النصوص، ويراد بها الاكتفاء ببعض النصوص المستشهد بها، وإغفال البعض الآخر.وإنزال الآيات على غير موضعها، وهذه مفسدة عظيمة، إذ يترتب عليها حل الحرام وحرمة الحلال، إكفار المؤمنين وإخراجهم من دائرة الإيمان وساحته، وهذا ما وصف به ابن عمر الخوارج في قوله: “إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ”.
نتائج الفكر المغلوط :
تقديم صورة مغلوطة عن الدين … واحتكار الكلام باسم الدين ، رافضين ما سواه من كلام العلماء الراسخين، بل يشوهون آراءهم، ليصرفوا عامة الناس عنهم.. فترتب على ذلك حصول أزمة في التدين والتزم تعاليم الدين، وذلك نتيجة طبيعية لحالة التشويش التي طرأت على المجتمع من جراء هذا الفكر المتشدد .
منهج العلماء في بيان ما تضمنه الوحي الشريف:
يقول الدكتور أسامة الأزهري: للعلماء منهج في استنباط الأحكام من القرآن والسنة النبوية المطهرة، يتمثل هذا المنهج في عدة إجراءات:
جمع كل الآيات والأحاديث المتعلقة بالقضية -محل البحث- حتى يتم التصور الكامل لها في جميع أجزائها ومتعلقاتها… حسن تركيب النصوص، وضم بعضها إلى بعض، التجرد من الأحكام المسبقة التي تستنطق القرآن بما لم يأت به…..ومعرفة مقاصد القرآن الكريم، حتى لا يستنبط منه معنى يعود على هذه المقاصد بالبطلان. [الحق المبين].. والإلمام بأساليب العربية، وقواعد التفسير؛ من معرفة الخاص والعام، والناسخ والمنسوخ، والبيان النبوي، والقواعد الفقهية، ومقاصد الشريعة.
سبل المواجهة :
الاستناد في الأمور الدينية إلى المؤسسات الرسمية للدولة… وتعزيز الوعي بمخاطر الفكر المتشدد، وأساليبه التي يغرر بها الكثير من أبناء المجتمع خاصة الشباب.
نقد وتفكيك أبرز المقولات التي أنشأها أرباب الفكر المتشدد، وأحاطوا أنفسهم بها، حتى لا يقع المجتمع في شباكهم، ولا تتطور هذه المقولات أكثر من هذا.
نماذج من الفهم المغلوط مع بيان المعنى الصحيح :
آيات من سورة التوبة:
{ إِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِى دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ } التوبة: 12).{ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ } (التوبة: 14).{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ }. ( التوبة: 28).
{ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}. (التوبة: 29)… { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المتقين} التوبة: 123).
الفهم الـخاطئ:
يزعم الارهابيون أن تلك الايات تحض على القتال والتربص بالمشركين فى كل مكان، وعلى القتل والإرهاب دون تمييز ودون وازع أخلاقى أو اتباع لمنهج النبوة فى الجهاد والقتال.
الفهم الصحيح:
هذه الايات تمّيز فى المشركين بين توجهات ثلاثة:
أولاً: مشركون معاهدون للمسلمين، يحترمون العهود،والآيات تدعو المسلمين إلى الوفاء بالعهود لهؤلاء المشركين { إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَي مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (التوبة: 4).
ثانيا: مشركون محايدون لم يحددوا موقفا – ضد أو مع – ويريدون أن يعلموا الحقيقة ليتخذوا لهم موقفا، وهذه الآيات تطلب من المشركين تأمينهم ووضع الحقائق أمام بصائرهم وأبصارهم، ثم تركهم أحرارا، بل حراستهم حتى يبلغوا مأمنهم، ليقرروا ما يقررون.
ثالثا: فريق من المشركين يقاتلون المسلمين، والذين احترفوا نقض العهود مع المسلمين: { لَا يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ } (التوبة:10). فليس هناك تعميم فى قتال كل المشركين فى هذه الآيات، التى تعلق بها ويتعلق بها التكفيريون، الذين يصورون الإسلام على أنه دين قتل وإرهاب، لأن التربص والقتال فى هذه الآيات ليس لمطلق المشركين، ولا لكل المخالفين، وإنما هو رد لعدوان المعتدين الذين نقضوا العهود ونكثوا الأيمان وأخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من ديارهم، فمعيار الإسلام ودولته فى السلم والسلام أو الحرب والقتال، ليس الإيمان والكفر ولا الاتفاق والاختلاف وإنما هو التعايش السلمى بين المسلمين وغيرهم، أو عدوان الآخرين على المؤمنين بالفتنة فى الدين أو الإخراج من الديار. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المتقين } التوبة: 123
الفهم الـخاطئ:
تستدل الجماعات والتنظيمات بهذه الآية على استعمال القسوة والوحشية وإيقاع الألم والأذى بمن يختلفون معهم فيقطعون الرقاب ويذبحون البشر ويريقون الدماء بكل وحشية وببالغ القسوة.
الفهم الصحيح:
وردت هذه الآية الكريمة فى الإعداد المعنوى والتعبئة النفسية للجيوش الإسلامية التى تخوض قتالا عادلا حماية للمسلمين وصدًا لأعداء الدين ودفعًا للظلم والعدوان، فتحتاج هذه الجيوش إلى تشجيع وتحفيز منعا للوهن واليأس من أن يدب فى النفوس والقلوب.. فيأمرهم بتنظيم خططهم اثناء القتال بحيث يبدأون بقتال عدوهم الأقرب فالأبعد. وهذا معنى { قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} فمعنى يلونكم أى الأقرب إليكم، واحذروا أن يستفزكم العدو فتندفعوا إلى قتال العدو البعيد مما يتيح للعدو القريب أن يغدر بكم، كما يدعو إلى عدم الوهن النفسى والحماية من الإحباط فيشد أزرهم ويقوى عزيمتهم بقوله {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} أى كونوا عند المواجهة أصحاب قوة وهيبة لا تخافوا ولا تتخاذلوا.
{ إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّى مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِى فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانالأنفال} : 12
الفهم الـخاطئ:
تستدل الجماعات والتنظيمات الإرهابية بهذه الآية على قطع الرؤوس والأيدى لكل من يخالفهم الرأى فيكفرونه،ويروعون المسالمين ويكفرون الأمة ويحملون السلاح ويطلقون على من يخطفونهم أسرى ويعملون فيهم الذبح.
الفهم الصحيح:
هؤلاء ضلوا ضلالا بعيدًا وأخرجوا الآية من سياقها يستشهدون بها خطًا فى فهمهم المعوج، وبالتالى يدخل هؤلاء الارهابيين تحت آية الحرابة فى سورة المائدة { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [المائدة: 33].
بيان للناس أن القرءان كتاب رحمة :
قال صلى الله عليه وسلم : ألا إنها ستكون فتن كقطع الليل المظلم، قالوا وما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله تعالى: فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم….هو الفصلُ ليس بالهزلِ، من تركَه من جبارٍ قصمَه اللهُ، ومن ابتَغى الُهدى في غيرِه أضلَّه اللهُ.. وهو حبلُ اللهِ المتينُ، وهو الذكرُ الحكيمُ، وهو الصراطُ المستقيمُ..وهو الذي لا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي غرائبه، ولا يخلق ـ أي: لا يبلى ـ مع كثرة الرد ـ أي: مع كثرة التكرار والتلاوة ـ وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا: (إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به) ..من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه دعا إلى صراط مستقيم (الترمذي عن علي رضي الله عنه)..
تعريف القرآن :
والقرآن الكريم هو كلام الله تعالى المعجز المنزّل على قلب سيدنا محمد ﷺ بواسطة أمين الوحي سيدنا جبريل عليه السلام المنقول إلينا بالتواتر، المتعبد بتلاوته، والمتحدى بأقصر سورة منه للإعجاز ..وهو نور من الله النور على نبيه النور ، بسفارة روح القدس جبريل عليه السلام… وتذكر دائرة المعارف البريطانية أن القرآن الكريم هو أوسع الكتب تلاوة في العالم .
فضلاً من أنه محفوظ في الصدور ، ومنقول بالتواتر ، بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حفاظ الصحابة إلى عصر تدوينه في صحائف، في عهد الخليفة الأول لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سيدنا أبو بكر الصديق ، ثم بين دفتي المصحف الشريف في عهد سيدنا عثمان بن عفان ، الخليفة الثالث للرسول صلى الله عليه وسلم . ..ومن بعدها لا يزال القرآن الكريم محفوظا بحفظه تعالى، في صدور المسلمين حتى هذه الساعة ، وإلى قيام الساعة .
وكثير من حفاظ القرآن الكريم من العجم لا يحسنون اللغة العربية لكنه يحفظون القرآن الكريم كما أنزل ، قال (أحمد شوقي):
جاءَ النبِيّونَ بِالآياتِ فَاِنصَرَمَتْ … وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ
آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ … زيَّنَهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ
يَكادُ في لَفظَةٍ مِنهُ مُشَرَّفَةٍ …… يوصيكَ بِالحَقِّ وَالتقوى وَبِالرحِمِ .
وهو الروح :
قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا …﴾(الشورى/ 52). .. وسمي القرآن الكريم روحاً ؛ لأن فيه الحياة من موت الجهل وظلمة المعاصي .
عن سُفيان بن عُيَيْنَة قال: قال عُثْمَان رضي اللَّه عنه: لَوْ طَهُرَتْ قُلُوبُكم ما شَبِعْتُم مِن كَلام اللَّه عزّ وجَلّ .(الزهد لابن حنبل).
وكان مالك بن دينار يقول: يا أهل القرآن، ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟! فإن القرآن ربيع القلوب ، كما أن الغيث ربيع الأرض.[القرطبي:١٨/٥٠٩ ]..
أسرع طريق الى رحمة الله :
ذكر الإمام الليث رحمه الله أنه قال: ما الرحمة بأسرع إلى أحد منها إلى مستمع القرآن، لقوله تعالى: { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} و (لعل) من الله تفيد الوجوب” .. وفي الحديث ((إن هذا القرآن سبب، طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً)) رواه الطبراني بإسناد جيد فعلينا بتحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه كلها.
كتـــاب الله يهديني بحــب الله يرويني بــآيـــاتٍ لها مــــددٌ ونور الذكر يحميني
بـــأحرفه هــداياتٌ تعلمني وتــــكفيني وأحفظــه ليسعدني وحكمته تنــــاديني
ومن نيران ينقذني ومن سقرٍ ينجين وقول الله معتصمي ومن سقمٍ يداويني
رحمة القرآن في التيسير ورفع الحرج:
وقد نص الله على ذلك في أكثر من موضع في كتابه الكريم، فقال سبحانه:﴿ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾[ المائدة 6.].
رحمة اليسر والسهولة في فهم الشريعة:
أما يسر معرفة الشريعة وسهولة إدراكها فهو أمر اقتضته حكمة تعالى أن يكون الإسلام لجميع الناس، العالم والجاهل والقارئ والأمي، فلو كان العلم بها عسيرا، أو متوقّفا على وسائل علميّة تدقّ على الأفهام لكان من العسير على جمهور المكلّفين بها أخذها ومعرفتها أوّلا، والامتثال لأوامرها ونواهيها ثانيا ، قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} القمر/17 وسهولة التكاليف الاعتقادية وعدم وجود غموض أو تعقيد فيها…وقال سعيد بن جبير: ليس من كتب الله كتاب يقرأ كله ظاهرا إلا القرآن..
رحمته في بدايته :
وفي تفسير الشعراوى : أعطانا الله سبحانه وتعالى الحيثية التي نبدأ بها قراءة القرآن فجعلنا نبدؤه باسم الله الرحمن الرحيم.. فالله سبحانه وتعالى لا يتخلى عن العاصي.. بل يفتح له باب التوبة ويحثه عليها.. ولنتذكر دائما أبواب الرحمة المفتوحة لنا.. نرفع أيدينا إلى السماء.. ونقول يا رب رحمتك.. تجاوز عن ذنوبنا وسيئاتنا.
رحمته في رفع مكانة أهل القرآن في الدُّنيا قبل الأخرة :
وفي تفسير الشعراوى : إنّ قراءة القرآن الكريم سببٌ لنَيْل المكانة الرفيعة في الدُّنيا، والأجر العظيم في الآخرة؛ لِما ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ به آخَرِينَ).
مِن بَرَكَةِ القُـرآن أَنَّ اللَّهَ تَعالى يُبارِكُ فِي عَقلِ قَارِئِهِ وحافِظِهِ.
فَعن عِبْد المَلِك بِن عُمير: كَانَ يُقالُ إِنَّ أَبْقَى النَّاسِ عُقولًا قُرَّاءُ القُـرآن” وَفي رِوايَةٍ: أَنقَى النَّاسِ عُقولًا قُرَّاءُ القُـرآن” وَقال القُرطُبيّ رَحِمَهُ اللَّه: “مَن قَرَأ القُرآن مُتِّعَ بِعقلِهِ وِإن بَلَغَ مِئة” … قال عز من قائل: ( انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ) وكون ان كلام الله اصبح الآن جزءا من مكون المخ لأهل القرآن في صورة جزئيات البروتين الموجودة بالخلايا العصبية للمخ فان الله بحفظه لكتابه يحفظ القالب الذي يحمله , الا وهو المخ , طالما انه يؤدي الوظيفة المنوطة به في حفظ القرآن وتعهده وتعليمه للأخرين حتي تنتهي رسالته في الحياة لينتقل الي حياة اخرى -. من مقالة دكتور محمد سيف – أستاذ بكلية الطب البيطري جامعة بني سويف..
شرف الدنيا والاخرة :
في الحديث : من أراد الدنيا فعليه بالقرءان ، ومن أراد الاخرة فعليه بالقرءان ، ومن أرادهما معا فعليه بالقرءان … في الحديث القدسي: “سَمعت ليلة أُسريَ بِي الحقَّ يَقول: يا محمد مُر أمَّتَك أنْ يكرموا ثلاثة: الوالد والعالم وحامل القرآن، يا محمد حذّرهم من أن يغضبوهم أو يهينوهم، فإن غضبي يشتد على مَنْ يُغضبهم، يَا مُحمَّد أهل القرآن هم أهلي جعلتهم عندكم في الدنيا إكرَامًا لأهلها، وَلَولا كون القرآن مَحفوظا في صدورهم لهلكت الدنيا ومن عليها، يَا محمد حملة القرآن لا يعذبون ولا يحاسبون يوم القيامة، يا محمد حامل القرآن اذا مات تبكي عليه سماواتي وأرضي وملائكتي، يَا محمد إنَّ الجنّة تشتاق الى ثلاثةٍ أَنتَ وصاحبيك أبي بكر وعمر وحامل القرآن”.
رحمته في هدايته :
قال الشيخ الشعراوي : {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ.. } [إبراهيم: 1] ، لفظ الناس يفيد أن القرآن نزل للناس كافَّة وليس للعرب خاصه ، ويُعزِّزها قوله: { إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً }[الأعراف: 158]. ..وقوله : لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ… [إبراهيم: 1] ، جاء النور مفردا ، لأن النور واحد لا يتعدد؛ أما الظلمات فمتعددة بتعدُّد الأهواء؛ ظُلْمة هنا وظُلْمة هناك… ومشكلة الظلمة أنها تستر الأشياء التي قد يصطدم بها الإنسان فيمتنع عن السير مطمئناً؛ لأنه إنِ اصطدم بشيء فقد يُحطِّم الشيء أو يُحطِّمه هذا الشيء؛ وهكذا تمنع الظُّلْمة الإنسان من أن يهتدي إلى ما يريد ، أما النور فهو يوضح الأشياء، ويستطيع الإنسان أن يُميِّز بين الطرق ويتجنب الضار ويتجه إلى النافع؛ ويكون على بصيرة يُفسِّر لنا الحق سبحانه الأمر المعنوي، فيقول: إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ..[إبراهيم: 1].
رحمته في شفاءه :
يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ الكريم ﻓﻴﻪ “ﺷِﻔﺎﺀ، ” ﻭﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﺩﻭﺍﺀ !؟ ى ﻷﻥَّ ﺍﻟﺪﻭﺍﺀ ﻗﺪ ﻳﺸﻔﻲ ﻭﻗﺪ ﻻﻳﺸﻔِﻲ ، ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ الكريم ﻓﻬﻮ ﺷﻔﺎﺀٌ ﻟﻜﻞ ﺩﺍﺀ ﻭﺑﺮﺍﺀٌ ﻣﻦ ﻛﻞّ ﺍﺑﺘﻼﺀ.
قال الآلوسى ما ملخصه : ” واستدل بالآية على أن القرآن يشفى من الأمراض البدنية كما يشفى من الأمراض القلبية ، فقد أخرج ابن مردوية عن أبى سعيد الخدرى قال : ” جاء رجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال إنى اشتكى صدرى ، فقال – عليه الصلاة والسلام – : ” اقرأ القرآن ، يقول الله – تعالى – شفاء لما فى الصدور ” ” .
وأخرج البيهقي في الشعب عن وائلة بن الأسقع أن رجلا شكا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وجع حلقه ، فقال له : ” عليك بقراءة القرآن ” .
والرأي الذي لا شَكَّ فيه أن القرآن شفاء بالمعنى العام الشامل لهذه الكلمة، فهو شفاء للماديات كما هو شفاء للمعنويات، بدليل ما رُوِي عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ وأنه خرج على رأس سرية وقد مَرُّوا بقوم، وطلبوا منهم الطعام، فأبَوْا إطعامهم، وحدث أنْ لُدِغ كبير القوم، واحتاجوا إلى مَنْ يداويه فطلبوا مَنْ يرقيه، فقالوا: لا نرقيه إلا بجُعْلٍ، وذلك لما رأوه من بُخْلهم وعدم إكرامهم لهم، على حَدِّ قوله تعالى:{ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً.. }[الكهف: 77]
ولما اتفقوا معهم على جُعل من الطعام والشياه قام أحدهم برقية اللديغ بسورة الفاتحة فبرئ، فأكلوا من الطعام وتركوا الشياه إلى أنْ عادوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألوه عن حِلِّ هذا الجُعْل فقال صلى الله عليه وسلم: ” ومَنْ أدراك أنها رقية ” أي: أنها رُقْية يرقى بها المريض فيبرأ بإذن الله، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ” كلوا منها، واجعلوا لي سهماً معكم “..فشفاء أمراض البدن شيء موجود في السُّنة، وليس عجيبة من العجائب؛ لأنك حين تقرأ كلام الله فاعلم أن المتكلم بهذا الكلام هو الحق سبحانه، وهو رَبّ كل شيء ومليكه، يتصرّف في كونه بما يشاء، وبكلمة (كُنْ) يفعل ما يريد، وليس ببعيد أنْ يُؤثّر كلام الله في المريض فيشفى.
ولما تناقش بعض المعترضين على هذه المسألة مع أحد العلماء، قالوا له: كيف يُشْفَى المريض بكلمة؟ هذا غير معقول، فقال العالم لصاحبه: اسكت أنت حمار!! فغضب الرجل، وهَمَّ بترك المكان وقد ثارت ثورته، فنظر إليه العالم وقال: انظر ماذا فعلتْ بك كلمة، فما بالُكَ بكلمة، المتكلّم بها الحق سبحانه وتعالى؟.. تفسير الشعراوى .
شفاء للمؤمن وشقاء للكافر :
يقول سبحانه:{ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى… }[فصلت: 44]..هل لكل انسان ؟؟
يقول الشعراوى : يختلف استقبال المؤمن عن استقبال الكافر للقران .. كيف ؟
سبق أن ضربنا المثل بأن الفعل في بعض الحالات واحد، لكن القابل للفعل مختلف، لذلك تكون النتيجة مختلفة. وعلى سبيل المثال: إذا كنت في الشتاء، وخرجت ووجدت الجو بارداً، وشعرت أن أطراف أصابعك تكاد تتجمد من البرد، فتضم فبضتك معاً وتنفخ فيهما، وقد تفعل ذلك بلا إرادة من كل تدفئ يديك. وكذلك حين يأتي لك كوب من الشاي الساخن جداً، وتحب أن تشرب منه، فأنت تنفخ فيه لتأتي له بالبرودة. والنفخة من فمك واحدة؛ تأتي بحرارة ليديك، وتأتي بالبرودة لكوب الشاي، وهكذا فالفعل واحد لكن القابل مختلف. وكذلك القرآن فمن كان عنده استعداد للإيمان فهو يهتدي به، ومن لا يملك الاستعداد فقلبه غلف عن الإيمان..{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً… }[محمد: 16] ، لذلك تجد الحق يرد عيلهم بقوله سبحانه:{ …أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَآءَهُمْ }[محمد: 16] ، وقال في موضع اخر : وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)
مع ان القرآن خير في ذاته وليس خساراً ،لكن اختلف الأثر من شخص لآخر…
رحمته في الاسترقاء به :
من حق هذا القرآن أن نستشفي به، يعني أن نرقي به في حال الأمراض الحسية والمعنوية، فيستشفى بالقرآن؛ لأن الله جعل فيه الشفاء: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين – َسورة الإسراء 82. فإذن فيه رقية عظيمة، وأعظم ما يسترقى به من القرآن سورة الفاتحة، والمعوذات، وعن السيدة عائشة (رضي الله عنها): (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَانَ إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، وَمَسَحَ عَنْهُ بِيَدِهِ، فَلَمَّا اشْتَكَى وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، طَفِقْتُ أَنْفِثُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ الَّتِي كَانَ يَنْفِثُ، وَأَمْسَحُ بِيَدِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَنْهُ)(متفق عليه)، وفي رواية أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لعبد الله بن خبيب (رضي الله عنه): (قُلْ : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي، وَحِينَ تُصْبِحُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)(رواه أبو داود)… وفي حديث من رقى اللديغ بسورة الفاتحة فبرئ، فأكلوا من الطعام وتركوا الشياه إلى أنْ عادوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألوه عن حِلِّ هذا الجُعْل فقال صلى الله عليه وسلم: ” ومَنْ أدراك أنها رقية ” أي: أنها رُقْية يرقى بها المريض فيبرأ بإذن الله، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ” كلوا منها، واجعلوا لي سهماً معكم “. (متفق عليه).
تاثيره على الماء :
قراءة القرآن في الماء ، فيه حديث مختلف في صحته ، وهو حديث ثابت بن قيس الآتي ، وهو مروي عن جماعة من السلف ، وكذلك كتابته في إناء ونحوه وغسله بالماء ، ثم شربه أو الاغتسال به .
قال ابن القيم رحمه الله : “ورخص جماعة من السلف في كتابة بعض القرآن وشربه ،وجعل ذلك من الشفاء الذي جعل الله فيه ” انتهى من “زاد المعاد” (4/ 358)…يقول الدكتور عبد الدائم الكحيل : يتحدث بعض العلماء اليوم عن الطبيعة العجيبة للماء وأنه يتأثر بالكلام الذي يتردد حوله، وقد قام عالم ياباني بهذه التجربة فأثبت أن الماء عندما نؤثر عليه بكلمات جميلة يتأثر وتتشكل بلورات شكلها جميل (بعد تجميده على شكل ثلج طبعاً)، والعكس صحيح حيث وجد أن البلورات يكون شكلها قبيح مع قراءة الكلمات القبيحة على الماء.
تأثيره على المسحور علاجا وشفاء :
في طبيعة الأمور أن القراءة لها أثرا وثواب كبير وخاصة في إزالة وفك السحر، وعلى ذلك لابد من قراءة ما تيسر من القرآن ألا وهي :-يونس ، وطه ، والكافرون ، والإخلاص ، والمعوذتين ..وعلى ذلك قد يدعو القارئ للقرآن على الماء للمسحور له بالشفاء العاجل والعافية، ولا غنى أيضا عن الدعاء الثابت المأخوذ عن النبي صلى الله عليه و سلم وهو: اللهم رب الناس أذهب البأس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما..وأيضا قول بعض الكلمات التي قد قالها جبرائيل للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ” بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك..
وعلى ذلك تكرار تلك الرؤية ثلاث مرات ، مع تكرار قراءة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ و(المعوذتين) ثلاث مرات أخرى متتالية . ويقرأ كل ما سبق على ماء نقي ثم بعد ذلك يشرب المسحور منه، ويغتسل بما تبقى منه .
رحمته في نزول السكينة :
والملائكة تتنزل عند قراءته، وتستمع للقراءة، فعن سيدنا البراء بن عازب (رضي الله عنه)، قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين (بحبلين طويلين)، فتغشته سحابة (غطته)، فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منها، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم) فذكر ذلك له، فقال: (تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ)(اللفظ لمسلم)…الرجل هو سيدنا أسيد بن حضير (رضي الله عنه)، وفي رواية أخرى: (يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ البَقَرَةِ)(رواها البخاري)، وعنده أيضًا: (تِلْكَ المَلاَئِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا، لاَ تَتَوَارَى مِنْهُمْ).
و(السكينة): هي ما يحصل به السكون، وصفاء القلب… وعن أبِى هريرة t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده» ([1])
تدبر آياته سبب في اطمئنان القلب :
قال تعالى : {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} (الرعد: 28)؛ أي: بكتابه وكلامه، {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
الخشوع عند قراءته أو سماعه سبب في تثبيت اليقين :
قال ابن جرير – رحمه الله – : قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (النساء: 82).. تكلم الله به حقًّا، وبَلَّغه رسولُه جبريل عنه إلى رسوله محمد، فهذا الشاهد في القلب من أعظم الشواهد، وبه احتج هرقل على أبي سفيان، حيث قال له: فهل يرتد أحد منهم سَخْطَة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فقال: لا! فقال له: وكذلك الإيمان إذا خالطت حلاوتهُ بشَاشَةَ القلوب لا يَسْخَطه أحد – رواه البخاري… قال الحافظ ابن القيم – رحمه الله -: «فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر» مفتاح دار السعادة (1/ 553).
حصول رقة في القلب :
إن الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم في البكاء والتأثر بتلاوة القرآن عديدة وكثيرة ..منها قول عمر رضي الله عنه للنبي – صلى الله عليه وسلم – وأبي بكر لما رآهما يبكيان قال لهما رضي الله عنه: يا رسول الله أخبرني ما يبكيك وصاحبك فإن وجدت بكاءً بكيت معكما وإن لم أجد تباكيت وليس المقصود أنه يتكلف البكاء إنما يطلب أسباب البكاء التي من أجلها حصل البكاء للنبي – صلى الله عليه وسلم – وأبي بكر وعليه يحمل قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (( إن هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا ))( أخرجه ابن ماجه من حديث سعد بن أبي وقاص في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها برقم 1327) ..
رحمته في كثرة حسناته :
قال رسول الله : ((من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف)) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، فكيف بمن يقرأ القرآن كم له من الحسنات؟.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: وَرَوِيَ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَمَّنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِمَّنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ: مَا فَضْلُهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَقْرَأْهُ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ عَدَدَ دَرَجِ الْجَنَّةِ بِعَدَدِ آيِ الْقُرْآنِ , فَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِمَّنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلَيْسَ فَوْقَهُ أَحَدٌ..
وروى الطبراني في الكبير والأوسط بسند حسن أن النبي قال: ((من قرأ عشر آيات في ليلة كتب له قنطار من الأجر والقنطار خير من الدنيا ومن فيها، فإذا كان يوم القيامة يقول ربك عز وجل أقرأ وارق بكل آية درجة، حتى ينتهي إلى آخر آية معه يقول الله عز وجل للعبد :اقبض فيقول العبد بيده: يا رب أنت أعلم، يقول: بهذه – أي اليمين- الخلد، وبهذه – أي الشمال – النعيم)) وأفضل ما يقرأ في صلاة الليل فقد ورد في الحديث الحسن أن رسول الله قال: ((من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين)) رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه… قال خباب بن الأرت : (تقرّب إلى الله ما استطعت، فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه) وقال الحسن: فضل القرآن على الكلام، كفضل الله على عباده، وقال البوشنجي: من حمل القرآن أي من حفظه وقرأه لم تمسّه النار يوم القيامة، وقال أبو أمامة: (احفظوا القرآن فإن الله لا يعذب بالنار قلبا وعى القرآن).
سماع القرآن الكريم سببٌ لرحمة الله:
حيث أوجب – تعالى- على نفسه الشريفة الرحمة لمستمع القرآن إذا حقّق شروط الاستماع والإنصات، فقد قال – تعالى-:«وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»، ويمكن القول أنّ رحمة الله التي تشمل المستمع للقرآن تكون في الدنيا والآخرة.
سماع القرآن ينشط خلايا المخ:
ظهرت دراسات لباحثين متميزين تفيد بأن قراءة القرآن العظيم والاستماع إليه له فوائد عديدة على صحة الإنسان وعلى تمتعه بالراحة النفسية، وأنها تساهم في تنشيط خلايا المخ، وتبعد العديد من الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان بعد تقدمه في العمر، مثل الوسوسة، وضعف الذاكرة، ناهيك عن أمراض الجنون وغيرها من الأمراض التي يسببها الشياطين.
كتب االدكتور / عبد الدائم الكحيل في بحثه : ان التجارب تثبت أن الاستماع إلى القرآن له تأثير مذهل، حيث أكد العلماء أن خلايا الدماغ في حالة اهتزاز دائم طيلة فترة حياتها، وتهتز كل خلية بنظام محدد وتتأثر بالخلايا من حولها. إن الأحداث التي يمر بها الإنسان تترك أثرها على خلايا الدماغ، حيث نلاحظ أن أي حدث سيئ يؤدي إلى خلل في النظام الاهتزازي للخلايا، لأن آلية عمل الخلايا في معالجة المعلومات هي الاهتزاز وإصدار الحقول الكهربائية، والتي من خلالها نستطيع التحدث والحركة والقيادة والتفاعل مع الآخرين، وعندما تتراكم الأحداث السلبية مثل بعض الصدمات التي يتعرض لها الإنسان في حياته، وبعض المواقف المحرجة وبعض المشاكل التي تسبب لخلايا دماغه نوعاً من الفوضى، فإن هذه الفوضى متعبة ومرهقة لأن المخ يقوم بعمل إضافي لا يُستفاد منه.
إن صوت القرآن هو عبارة عن أمواج صوتية لها تردد محدد، وطول موجة محدد، وهذه الأمواج تنشر حقولاً اهتزازية تؤثر على خلايا الدماغ وتحقق إعادة التوازن لها، مما يمنحها مناعة كبيرة في مقاومة الأمراض، إذ إن امراض تتسبب عن خلل في عمل الخلايا، والتأثير بسماع القرآن على هذه الخلايا يعيد برمجتها من جديد، وكأننا أمام كمبيوتر مليء بالفيروسات ثم قمنا بعملية «فرمتة» وإدخال برامج جديدة فيصبح أداؤه عاليا، هذا يتعلق ببرامجنا بنا نحن البشر فكيف بالبرامج التي يحملها كلام خالق البشر سبحانه وتعالى؟
سماع القرآن سبب فى فك الصرع :
ثلاثة آيات من القرآن لو قرأت على جبل لازال من مكانه، فهذه الآيات لها دلالة قوية عظيمة وكبيرة، ولها تأثير كبير على من يجعلها ورد يومي له..
الصحابي عبدالله بن مسعود ، قرأ هذه الآيات في أذن إنسان مبتلي، وقيل مصاب بالصرع، واليك نص الحديث : يقول ابن مسعود : – بينما أنا والنبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بعضِ طُرُقاتِ المدينةِ إذا برجلٍ قد صُرعَ فدنوتُ منه فقرأتُ في أُذنِه فاستوى جالسًا فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ماذا قرأتَ في أُذنِه يا ابنَ أُمِّ عبدٍ ؟ فقلتُ: فداك أبي وأُمي قرأتُ: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: والذي بعثني بالحقِ لو قرأها مُوقن على جبلٍ زالَ – ( حديث ضعيف ).
رحمته في حفظه وتعلمه وتعليمه:
عن عثمانَ بن عفانَ t قال: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “خَيركُم مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعلَّمهُ ” ([2]) ، فإنْ كان القُرآن الكريم قد شَرُفَ وعَلَتْ منزلته بين الكتب السماويَّة، وشَرُفَ مَن عمل به، وفاز مَن آمن به، وحاز قارئه الأجرَ الكثير، فإنَّ لحافظِه من البركات والخيرات الشيء الكثير، كيف لا يكون كذلك مَن حوى كتابَ الله تعالى في صدره وملأ قلبَه به وأكثَرَ لسانُه من تلاوته.
وقال ابن حزم: اتَّفقوا على أنَّ حِفظ شيءٍ من القُرآن واجبٌ، واتَّفقوا على استِحباب حفظ جميعِه، وأنَّ ضبطَ جميعِه واجبٌ على الكفاية لا متعين.
وجعل الله حفظَه مُيسَّر للجميع، كما قال سبحانه:﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾“القمر” وقد ذكَر العلماء أنَّ من معجزات القُرآن الكريم تيسير حِفظه، كما قال النويري: والقُرآن قد يسَّر الله تعالى حفظَه على الغِلمان في المدَّة القريبة والنِّسوان، وقد رأينا مَن حفظه على كبر سنِّه،
رحمته بأهل القبور :
قراءة القرءان على القبر :
قال جمهور أهل العلم بجواز قراءة القرآن الكريم عند القبور، وعلى القبور، لعل رحمةً من الرحمات المتنزلة عند قراءته تصيب أصحاب القبور، مستدلين أيضًا بصلاة النبي (صلى الله عليه وسلم) صلاة الجنازة على قبر الرجل الأسود، أو المرأة السوداء التي كانت تقم (تكنس، وتنظف) مسجده (صلى الله عليه وسلم)(متفق عليه).
مؤانسته لأهل القبر ومنع العذاب :
في القبر تاتيه سورة تبارك تؤنسه الى يوم القيامة ، وقد علَّمنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فضائِلَ بعْضِ الآياتِ والسُّوَرِ، ونَقَلَها عنه الصَّحابَةُ الكِرامُ كما في هذا الحديثِ الذي يقولُ فيه عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: “سورةُ تَبارَكَ” وهي سورةُ المُلْكِ، “هي المانِعَةُ من عَذابِ القَبْرِ” – صحيح الجامع- ، أي: هي الكافَّةُ للعَذابِ عن قارِئِها إذا ماتَ، ووُضِعَ في قَبْرِه، وقيل: إنَّها إذا قُرِئَتْ على قبْرِ ميِّتٍ مَنَعَتْ عنه العذابَ، أو هي المانِعَةُ من الوُقوعِ في الذُّنوبِ المُؤَدِّيَةِ إلى العَذابِ فيه.
القرءان يدافع عنك فى القبر:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رَفَعَهُ- قَالَ: «يُؤْتَى الرَّجُلُ فِي قَبْرِهِ، فَإِذَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ دَفَعَتْهُ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ، وَإِذَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ يَدَيْهِ دَفَعَتْهُ الصَّدَقَةُ وَإِذَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ دَفَعَهُ مَشْيُهُ إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَالصَّبْرُ حَجَزَهُ» المعجم الطبرانى الأوسط (9438)،صحيح الترغيب (3561).عند ضمة القبر، يدافع القرآن يُوسع لك.
عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ قال : يؤتى الرجلُ في قبرِه ، فتؤتى رجلاه ، فتقولُ : ليس لكم على ما قبلي سبيلٌ ؛ كان يقرأ [ علي ] سورةَ الملكِ } . ثم يؤتى من قِبلِ صدرِه ، أو قال بطنِه فيقولُ : ليس لكم على ما قبلي سبيلٌ ، كان أوعى في سورةِ { الملكِ } . ثم يؤتى من قبلِ رأسِه ، فيقولُ : ليس لكم على ما قبلي سبيلٌ ، كان يقرأ بي سورةَ { الملكِ } ، فهي المانعةُ ، تمنعُ عذابَ القبرِ ، وهي في التوراةِ سورةُ { الملكِ } ، من قرأها في ليلةٍ فقد أكثرَ وأطيبَ .
من كرامات حافظ القرآن يوم القيامة :
عن أَبي أُمامَةَ رضي اللَّه عنهُ قال: سمِعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((اقْرَؤُوا القُرْآنَ؛ فإِنَّهُ يَأْتي يَوْم القيامةِ شَفِيعًا لأصْحابِهِ)) “صحيح مسلم”..ومن كراماته :
1- أن الناس تُجمع فى مقامٍ واحد يوم القيامة إلا حافظ القرآن مع الملائكة الكرام ،السفرة ،البررة.
2- كل النّاس يفرّون من بعضهم يوم القيامة إلا حافظ القرآن يبحث عن والديه؛ ليلبسهم تاج الوقار.
3- لا يكتفى القرآن بإيصالك للجنة بل لايزال معك فيها تقرأوه حتى تصل لأعلى درجاتها (اقرأ، وارتَقِ، ورتِّل).
مؤانسته وشفاعته يوم الخروج :
وتأملوا معي هذا الحديث العظيم، عن عبد الله بن بريدة -رضي الله عنه- قال: كنت عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسمعته يقول: “إن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب يقول له: هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك، فيقول له: أنا صاحبك القرآن الذي أظمأت نهارك، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل تجارة، قال: فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين، لا يقوم لهما أهل الدنيا، فيقولان: بم كسينا هذا؟ قال: فيقال لهما: بأخذ ولدكما القرآن، ثم يقال له: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ هذا كان أو ترتيلا ” [رواه الإمام أحمد وحسنه الحافظ بن كثير. رواه الطبراني في الأوسط “. (6/ 51)..
عَن النَّوَّاسِ بنِ سَمعانَ رضيَ اللَّه عنهُ قال: سمِعتُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((يُؤتى بالقرآن يومَ القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة البقرة وآل عمران))، وضرب لهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أمثال، ما نسيتهن بعد، قال: ((كأنَّما غَمَامَتان أو ظُلَّتان سوداوان، بينهما شرق، أو كأنهما حِزْقَانِ من طير صوافَّ، تحاجان عن صاحبهما)) “سنن الترمذي”، كتاب: فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم: 2915، وقال: “حديث حسن صحيح”، و”شعب الإيمان”، للبيهقي، كتاب: الكتاب التاسع عشر من شعب الإيمان في تعظيم القرآن، باب فصل في إدمان تلاوة القرآن، برقم: 1997.
شفاعته لهم يوم القيامة :
فليستبشر أهل القرآن بذلك، ولْينعموا بالأثر الذي يعود عليهم، فيصور نبي الرحمة حوار القرآن والشفاعة لصاحبه يوم القيامة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((يَجِيءُ القُرْآنُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً)) “سنن الترمذي”، كتاب: فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم: 2915، وقال: حديث حسن صحيح، و”شعب الإيمان”، للبيهقي، كتاب: الكتاب التاسع عشر من شعب الإيمان في تعظيم القرآن، باب فصل في إدمان تلاوة القرآن، برقم: 1997.
وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ القرآن وتعلَّم وعمل به أُلبس والداه يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن “. رواه الحاكم (1/ 756).، وعن عبد الله بن عمرو _ أن رسول الله ‘ قال : الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام : أي رب ؟ منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشعني فيه قال فيشفعان ” (مسند أحمد بن حنبل ج2/ص174 (6626) ، وصححه أحمد شاكر) ، وعن جابر _ عن النبي ‘ : ” القرآن شافع مشفع وماحل مصدق من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار”( صحيح ابن حبان : 1-331 (124)) ،وعن ابن عباس _ قال : قال رسول الله ‘ : إن الذي ليس في جوفه شئ من القرآن كالبيت الخرب “( سنن الترمذي: 5-177(2913) وقال حسن صحيح ) ..
قال تعالى: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38]..فمن اشتغلَ بالقُرآن الكريم أمَّنه الله تعالى من الخوف في نفسه وأهله، في عاجله وآجله.
شفاعة حامل القران لاهله يوم القيامة :
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
” من قرأ القرآن واستظهره فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله به الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم وجبت له النار “…..رواه الترمذي… وروى الدارمي بإسناده أن عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي (ص): قال اقرؤوا القرآن فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعي القرآن وإن هذا القرآن مأدبة الله فمن دخل فيه فهو آمن ومن أحب القرآن فليبشر… ولقد أحسن الإمام الشاطبي يوم قال:
فيا أيها القاري به متمسكا *** مجلا له في كل حال مبجلا
هنيئا مريئا والداك عليهما *** ملابس أنوار من التاج والحلا
فما ظنكم بالنجل عند جزائه *** أولئك أهل الله والصفوة الملا
أولو البر والإحسان والصبر والتقى *** حلاهم بها جاء القران مفصلا
عليك بها ما عشت فيها منافسا *** وبع نفسك الدنيا بأنفاسها العلا
جزى ا لله بالخيرات عنا أئمة *** لنا نقلوا القرآن عذبا وسلسلا
بل إن عدد درجات الجنة بعدد آيات القرآن فمن قرأ القرآن كله وصل إلى أعلى جنة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو , وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُقَالُ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا , فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا» ..
ومن قرأ القرآن وعمل به كان سبباً في إسعاد والديه وإدخالهم الجنة ,فقد ورد عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الْجُهَنِيِّ , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ , أُلْبِسَ وَالِدَيْهِ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ , ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ , فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيهِ », وقد وردعَنْ خَيْثَمَةَ , قَالَ: ” مَرَّتِ امْرَأَةٌ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فَقَالَتْ: طُوبْي لِحِجْرٍ حَمَلَكَ وَلِثَدْيٍ رَضَعْتَ مِنْهُ فَقَالَ عِيسَى: طُوبَى لِمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ ثُمَّ عَمِلَ بِهِ “..
حب الصالحين للقرآن :
ولا عجب عندما تسمع دعاء ابا بكر الصديق ( اللهم اخلطه بلحمي وعظمي ودمى) , فان الدم يمر علي القلب المستضئ بالقرآن كما يمر علي العقل المستنير بكلام الرحمن فتتاثر جزئياته بنور القرآن .
– وقال أبو الزناد: كنت أخرج من السّحَر إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أمر ببيت إلا وفيه قارئ..وقال مالك بن دينار رحمه الله : إن الصديقين إذا قرئ عليهم القرآن طربت قلوبهم إلى الآخرة ، ثم يقول : خذوا فيقرأ ، ويقول : اسمعوا ما يقول الصادق من فوق عرشه » قال : بلغنا أن الله تعالى يقول : « إني أهم بعذاب خلقي فأنظر إلى جلساء القرآن وعمار المساجد وولدان الإسلام فيسكن غضبي » ..
واجبنا تجاه المشككين ؟؟
رد هجمات الفكر المنحرف والإلحاد والتنصير والتغريب :
إنْ جاء يُشكِّك في دينك نَدَعْهُ، وما يقول فليس بملوم، إنما الملوم أنت إنْ قبلْتَ منه؛ ولذلك يجب علينا وعلى كُلّ قائم على تربية النشء أنْ نُحصِّن أولادنا حتى لا يقعوا فريسة سَهْلة في أيدي هؤلاء.
وجوب التأثر به:
حكي الشاعر الكبير محمد إقبال قال: كان أبي يقول لي: يا بني اقرأ القرآن وكأنما عليك أنزل!! وبهذا يذوق المسلم حلاوة القرآن ويستشعر عظمته.
عدم هجره وتركه:
قال تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) ﴿الفرقان: ٣٠﴾
فهذه هي شكوى سيدنا محمدٍ r مِن هجر قومه للقرآن، والتي سجلها القرآن، وأين؟ في سورة الفرقان بالذات؛ لأن الفرقان هو القرآن، وعَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِى لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِى لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ »([3])
ﺃَﻛْـﺮِﻡْ ﺑﻘـﻮﻡٍ ﺃَﻛْﺮَﻣُـﻮﺍ ﺍﻟﻘُﺮﺁﻧـﺎ * ** ﻭَﻫَﺒُـﻮﺍ ﻟَـﻪُ ﺍﻷﺭﻭﺍﺡَ ﻭﺍﻷَﺑْـﺪَﺍﻧـﺎ.
ﻗﻮﻡٌ ..ﻗﺪ ﺍﺧﺘـﺎﺭَ ﺍﻹﻟـﻪُ ﻗﻠﻮﺑَﻬُـﻢْ *** ﻟِﺘَﺼِﻴﺮَ ﻣِﻦْ ﻏَﺮْﺱِ ﺍﻟﻬُـﺪﻯ ﺑُﺴْﺘَﺎﻧـﺎ.
ﺭَﻓَﻌُﻮﺍ ﻛِﺘﺎﺏَ ﺍﻟﻠﻪِ ﻓـﻮﻕَ ﺭُﺅﻭﺳِﻬِـﻢْ *** ﻟِﻴَﻜُﻮﻥَ ﻧُﻮﺭﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﻈـﻼﻡِ ﻓَﻜَﺎﻧـﺎ .
ﺳُﺒﺤﺎﻥَ ﻣَﻦْ ﻭَﻫَﺐَ ﺍﻷُﺟﻮﺭَ ﻷﻫْﻠِﻬَـﺎ ***ﻭَﻫَﺪﻯ ﺍﻟﻘُﻠُﻮﺏَ ﻭَﻋَﻠَّـﻢَ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧـﺎ.
([1]) صحيح الترغيب والترهيب
([2]) صحيح البخاري
([3]) صحيح مسلم