من اسقط الخلافة؟ مخالب التكفير وأنياب الفتاوى ( الجزء الرابع)

بقلم الدكتور / احمد عبد الرحيم
الباحث فى التاريخ الاسلامى
المقال الثانى والعشرون من سلسلة ( زمن الدجال )

لم تكن تلك الحروب والغارات والهجمات التى قادها الوهابيون على بلاد نجد والحجاز واليمن والعراق والشام وتقتيل أهلها وسلبهم ونهبهم بمعزل عن شيوخ الوهابيون.

فلم يألوا شيوخ الوهابية جهداً فى تكفير الخليفة العثمانى والذى انعقدت له البيعة من جميع الاقطار العربية عدا النذر اليسير بالطاعة ، فى تناقض سافر لما يتحجج بها علماء الوهابية فى وجوب طاعة ملوكهم وان ضربوا الاعناق وهتكوا الاعراض ووالوا اعداء الاسلام تجنباً للفتنة!

فتزخر كتبهم بتكفير الخليفة العثمانى وسلاطين آل عثمان وتكفير دولة الخلافة ومواطنوها ممن ليسوا وهابيين يعتنقون التكفير بالظنة واليك ايها القارئ العزيز بعض مما ذكره مشايخهم وعلمائهم.

ففي كتاب الشيخ الوهابى حمد بن على بن عتيق المتوفى فى عام 1884 م “سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك” يدلس هذا الشيخ كعادة الوهابية فى وضع الايات القرآنية والأحاديث النبوية لتى نزلت فى الكافرين فيجعلها فى المسلمين ، وعنوان الكتاب دل على ما بين دفتيه فيستهل الكتاب بذكر الحديث النبوي “الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ”، معتبراً أن جميع المسلمين قد صاروا كفاراً الا من يتوهب ويحمل الفكر الوهابى ، ثم يستدل الرجل على وجوب الخروج على خليفة المسلمين وامامهم السلطان العثمانى بل ووجوب حربهم باعتبارهم كفاراً على حديث نبوي شريف اخبر فيه النبى صلى الله عليه وسلم عن اخد الغيبيات التى ستحدث فى مستقبل الامة الاسلامية ايام الفتوح وهو حرب الترك فى وسط اسيا وهى كانت قبائل وثنية لم تعرف الاسلام بعد فاذا هو يجعل تلك الاحاديث فى خلفاء المسلمين من العثمانيين!

ثم يقول فى صفحة رقم 62 : “وقد ابتلي كثير من هذه الأمة من الملوك وغيرهم بهذا الشعار…سلط عليهم الترك الكافرون الذين وعد الله بقتالهم”.

ويقول فى الصفحة التى تليها : ” فان المنتسبين الى الاسلام لما سلوا من هدى اليهود والنصارى واهل الجاهلية المشركون والاعاجم اعداء الدين ، وتشبهوا بهم فى كثير [من الامور] سلط عليهم الترك الكافرون ، الخارجون عن شرائع الاسلام”.

وفى الصفحة رقم 35 من الكتاب السابق يدلس ايضاً مستدلاً باحد الاثار المروية عند ابن ابى حاتم عن محمد بن سيرين قال : قال عبد الله بن عتبة : “ليتق أحدكم ان يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يشعر . قال: فظنناه يريد هذه الآية “يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء” الى قوله ” فانه منهم”.. الآية .

ثم يزيد هذا الشيخ مستدلاً بالأثر السابق فيقول “فكذلك من تولى الترك فهو ترى ومن تولى الاعاجم فهو عجمى فلا فرق بين من تولى أهل الكتابين أو غيرهم من الكفار”. وانظر العجب كل العجب فى هذه الاستدلالات الفاسدة ظاهرة البطلان كيف يضحكون بها على السفهاء ضعاف العقول سائلى اللعاب على المستطابات والغنائم والاسلاب!

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ المتوفى فى عام 1876 م في رسالته إلى الشيخ حمد بن عتيق كما في الدرر السنية في الأجوبة النجدية (8/ 391-394): وبعد ذلك: أتانا النبأ الفادح الجليل، والخطب الموجع العظيم، الذي طمس أعلام الإسلام؛ ورفع الشرك بالله وعبادة الأصنام، في تلك البلاد، التي كانت بالإسلام ظاهرة، ولأعداء الملة قاهرة، وذلك بوصول عساكر الأتراك، واستيلائهم علي الأحساء والقطيف، يقدمهم طاغيتهم “داود بن جرجيس” داعيا إلى الشرك بالله، وعبادة إبليس.

فانقادت لهم تلك البلاد، وأنزلوا العساكر بالحصون والقلاع، ودخلوها بغير قتال ولا نزاع، فطاف بهم إخوانهم من المنافقين، وظهر الشرك برب العالمين، شاعت مسبة أهل التوحيد والدين، وفشا اللواط والمسكر، والخبث المبين؛ ولم ينتطح في ذلك شاتان، لما أوحاه وزينه الشيطان، من أن القوم: أنصار لعبد الله بن فيصل؛ فقبل هذه الحيلة، من آثر الحياة الدنيا وزينتها، على الإيمان بالله ورسله، وكف النفس عن هلاكها، وشقاوتها..

إذا عرفت هذا، عرفت شيئا من جناية الفتن، وأن منها قلع قواعد الإسلام، ومحو أثره بالكلية، وعرفت حينئذ أن هذه الفتنة، من أعظم ما طرق أهل نجد في الإسلام، وأنها شبيهة بأول فتنة وقعت فيه، فالله الله في الجد والاجتهاد، وبذل الوسع والطاقة في جهاد أعداء الله، وأعداء رسله، قال تعالي: “وإذ وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ ” آل عمران 187، إلى أمثال ذلك في القرآن، يعرفها الخبير بهذا الشأن اهـ.

وقال عبد اللطيف بن عبد الرحمن أيضاً كما في  الدرر السنية  (8/ 319) في رسالته الإخوان: عثمان بن مرشد، ومحمد بن علي، وإبراهيم بن راشد، وإبراهيم بن مرشد: حيث قال في (8/ 322): “….. وزبدته: معرفة الله تعالى بما تعرف به إلى عباده، من صفات كماله ونعوت جلاله، وبديع أفعاله، وإحاطة علمه وشمول قدرته، وكمال عزته وعميم رحمته.

وبمعرفة ذلك، يهتدي العبد إلى محبته وتعظيمه، وإسلام الوجه له، وإنابة القلب إليه، وإفراده بالقصد والطلب، وسائر العبادات، كالخشية والرجاء، والاستعانة والاستغاثة، والتوكل والتقوى، ويرضى به رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً رسولاً، ويذوق من طعم الإيمان، ما يوجب له كمال حب الله وحب رسوله، وكمال الحب بجلاله، ويعرف الوسائل إلى هذا المطلوب الأكبر، والمقصود الأعظم، ويهتم بها غاية الاهتمام، ويطلبها منتهى الطلب. ويعرف ما يضاد هذا الأصل ويناقضه، من تعطيل وكفر وشرك، ويعرف وسائلها وذرائعها الموصلة إليها، المفضية إلى اقتحامها وارتكابها؛ فيهتم بتحصيل وسائل التوحيد، ويهتم بالتباعد عن وسائل الكفر، والتعطيل والتنديد، كما يستفاد من قوله تعالى: “إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ” سورة الفاتحة آية: 5.

فمن عرف هذا الأصل الأصيل، عرف ضرر الفتن الواقعة في هذه الأزمان، بالعساكر التركية، وعرف أنها تعود على هذا الأصل الأصيل بالهدّ والهدم، والمحو بالكلية، وتقتضي ظهور الشرك والتعطيل، ورفع أعلامه الكفرية، وأن مرتبتها من الكفر، وفساد البلاد والعباد، فوق ما يتوهمه المتوهمون، ويظنه الظانون….”

إلى أن قال كما في  (8/ 324): “قلت: فليتأمل من نصح نفسه، ما يجري من هؤلاء العساكر عند سماع الأذان، من المعارضة بالطبل والبوق والمزمار، واستبدالهم به، عما اشتمل عليه الأذان، من توحيد الله وتعظيمه، وتكبير الملك القهار.. اهــ.

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في رسالته إلى حمد بن عتيق أيضاً، كما في الدرر السنية في الأجوبة النجدية (8/ 382): “وبعد، أوصيك بتقوى الله تعالى، والصدق في معاملته، ونصر دينه، والتوكل عليه في ذلك. وأكثر الناس استنكروا الإنكار على من والى العسكر المشركين، وركن إليهم، وراح إلى بلادهم، وشهد كفرياتهم، ومبارزتهم لرب العالمين بالقبائح، والكفريات المتعددة…

 إلى أن قال: ولا تذخر حض أهل الأفلاج، وحثهم على جهاد هذه الطائفة الكافرة.

وأهل نجد كادهم الشيطان، وبلغ مبلغاً عظيماً، وصل بهم إلى عدم الوحشة من أكفر خلق الله، وأضلهم عن سواء السبيل، الذين جمعوا بين الشرك في الإلهية، والشرك في الربوبية، وتعطيل صفات الله، ومعهم جملة من عساكر الإنقليز، المعطلة لنفس وجود البارئ، القائلين بالطبائع والعلل، وقدم العالم، وأبديته.. اهـ.

وسئل العلامة عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ المتوفى فى 1921 م ، عمن لم يكفر الدولة ومن جرهم على المسلمين، واختار ولايتهم وأنه يلزمهم الجهاد معه; والآخر لا يرى ذلك كله، بل الدولة ومن جرهم بغاة، ولا يحل منهم إلا ما يحل من البغاة، وأن ما يغنم من الأعراب حرام؟

فأجاب: من لم يعرف كفر الدولة، ولم يفرق بينهم وبين البغاة من المسلمين، لم يعرف معنى لا إله إلا الله؛ فإن اعتقد مع ذلك: أن الدولة مسلمون، فهو أشد وأعظم، وهذا هو الشك في كفر من كفر بالله، وأشرك به; ومن جرهم وأعانهم على المسلمين، بأي إعانة، فهي ردة صريحة.

ومن لم ير الجهاد مع أئمة المسلمين، سواء كانوا أبرارا أو فجارا، فهو لم يعرف العقائد الإسلامية، إذا استقام الجهاد مع ذوي الإسلام، فلا يبطله عدل عادل ولا جور جائر؛ والمتكلم في هذه المباحث، إما جاهل فيجب تعليمه، أو خبيث اعتقاد، فتجب منافرته ومباعدته اهـ. من “الدرر السنية في الأجوبة النجدية” (10/ 429).

وقال العلامة عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله بن عبد اللطيف ال الشيخ: ومعلوم أن الدولة التركية كانت وثنية تدين بالشرك والبدع وتحميها , من (علماء الدعوة) له (ص 56).