د. إسلام عوض يكتب: نور المؤمن


بقلم الدكتور : اسلام عوض مدير تحرير بجريدة الاهرام المصرية 

هل للمؤمن نور لا تدركه العيون؟ هذا السؤال حير كثيرًا من العلماء وظل محور جدال عبر العصور؛ وذلك لأن الإجابة عنه تتجاوز حدود الرؤية المادية؛ فالنور الذي نتحدث عنه ليس فيضًا من الفوتونات، بل هو إشراق باطني يُدرك بالبصيرة، وتُلمس آثاره في النفس والمحيط الاجتماعي، إنه حقيقة روحية لها تجلياتها النفسية والأخلاقية.


أولاً: النور الروحي هبة الإيمان وتاج السكينة:
النور الذي يحمله المؤمن هو نور اليقين وصفاء السريرة، وهو مستمد من مصدر النور الأعظم في الكون وهو الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن للعين المجردة أن تراه، ولكنه يمارس وظيفته الحقيقية داخل الإنسان.

إنارة البصيرة:
هذا النور هو نور الهداية الذي يُزيل ظلمة الشك والتيه من القلب والعقل، ويوجه السلوك نحو الحق والصواب، إنه السبب وراء الحكمة والاستقامة التي يتميز بها المؤمن.

تجليات السمت والقبول:
على الرغم من أن النور باطن، إلا أن آثاره تنعكس على الظاهر، فيُلاحظ على وجه المؤمن قبول وإشراق وهيبة تمنحه جاذبية خاصة؛ هذا الإشراق ليس جمالًا شكليًا، بل هو انعكاس داخلي لسلام النفس وعمق العلاقة بالخالق.

نور الآخرة:
ترتقي النصوص الدينية بهذا النور إلى مستوى الوعود الغيبية، حيث يكون هذا الإشراق الحقيقي هو دليل المؤمن ورفيقه في طريقه إلى النجاة يوم القيامة.

ثانيًا: النور النفسي والجاذبية الكاريزمية والقوة الأخلاقية :
عندما نُحلل هذا المفهوم بعيدًا عن الغيب ونقترب من ميادين علم النفس والفلسفة الأخلاقية، نجد أن “النور غير المرئي” يتحوّل إلى صفات إنسانية راقية:

1. الذكاء العاطفي والوضوح الداخلي :
المؤمن الذي يعيش في حالة سلام داخلي عميق هو في الحقيقة يتمتع بذكاء عاطفي عالٍ؛ فإيمانه يمنحه وعيًا ذاتيًا وإدارة ذاتية (صبر، انضباط، هدوء)، مما يجعله قادرًا على تجاوز العواصف العاطفية دون أن تتأثر سكينة قلبه، هذا الاستقرار يخلق حوله هالة من الثقة والأصالة تُعتبر مصدرًا للإلهام لمن حوله.

2. الفضيلة كمصدر للإشعاع:
في الرؤية الفلسفية، يُنظر إلى النور على أنه إشعاع أخلاقي؛ فالشخص الملتزم بقيم الحق والعدل والإحسان هو مصدر قوة أخلاقية في المجتمع، وهذا الالتزام يمنحه وضوحًا في المواقف وصدقًا في التعبير، وهما صفتان تجعلان حضوره مؤثرًا ومضيئًا.

إن “نور” المؤمن في هذا السياق هو التأثير الهادئ والهادف الذي يُغير في الآخرين ويزرع فيهم الأمل.

خاتمة:
النتيجة الطبيعية لجودة الروح
في الختام، يمكن القول إن “النور الذي لا يُرى” للمؤمن ليس سرًا غامضًا، بل هو النتيجة الحتمية لجودة الحياة الداخلية؛ إنه التجسيد العملي للاستقامة الأخلاقية والسكينة الروحية، إنه قوة باطنية تجعل صاحبها أكثر وضوحًا في رؤية الحقيقة، وأكثر تأثيرًا في محيطه، ليصبح بذلك شعلة تمشي على الأرض، تُضيء لنفسها وللآخرين في الدنيا، وتنتظر جزاءها الأوفى ليس في الدنيا وإنما في الآخرة.