إظهار الخوارق سم قاتل
13 أكتوبر، 2025
منهج الصوفية

بقلم الكاتب والباحث الكردى : الدكتور عبد الكريم فتاح امين
اعلم دوماً إظهار ما وهبك الله تعالى من خوارق وكرامات تدفعك نحو قسوة القلب وتشويه السمعة وجرك إلى الدجل والانحراف والأخطاء والاشتغال بما لا يعنيك إذا لم يأذنك في اظهارها وأمرك بالتخزين والإمساك، وما وهبك لأن تعتز بها أمام الناس بل فتح قلبك وشرح صدرك للشيئين فقط وليس للاستعلاء وتحصيل متاع الدنيا والشهوة والشهرة:
أولا: البشارة ليبشرك أنك وصلت رتبة علية من الله تعالى وأنك على هدى من الله تعالى وعلى صراط مستقيم.
ثانيا : الاحتفاظ بدينك وصراطك المستقيم والتنبيه والتحذير من كيد الخائنين والمائلين والمنحرفين، وإلى هذه الحقيقة
قال مولانا
ابن عطاء الله السكندري رحمة الله عليه: ربما برزت الحقائق مكشوفة الأنوار إذا لم يؤذن لك فيها بإظهار وللمعلوم أن تلك العبارة مرت آنفا وردت بضمير الغيبة(لها)[ربما برزت الحقائق مكشوفة الأنوار إذا لم يؤذن لها في الإظهار]
يقول شارحها في تعبير موجز :
قلت : قد يتكلم الإنسان بحكم وحقائق ، مع فصاحة وبلاغة وشقاشق ، لكنها مكسوفة الأنوار ، مطموسة الأسرار ، ليس فيها حلاوة ، ولا عليها طلاوة ، وسبب ذلك عدم الإذن فيها ، إذ لو أذن له في التعبير لظهر عليها كسوة التنوير .
قال في لطائف المنن : من أجل مواهب اللّه لأوليائه وجود العبارة .
قال : وسمعت شيخنا أبا العباس يقول : الولي يكون مشحونا بالمعارف والعلوم ، والحقائق لديه مشهودة ، حتى إذا أعطى العبارة كان ذلك كالإذن من اللّه في الكلام .
قال السكندري :وسمعت شيخنا أبا العباس يقول :
كلام المأذون له يخرج وعليه كسوة وطلاوة ، وكلام الذي لم يؤذن له يخرج مكسوف الأنوار حتى إن الرجلين ليتكلمان بالحقيقة الواحدة فتقبل من أحدهما وترد على الآخر . انتهى .
وانقل لكم كلام الشارح حول ما قلنا:
قلت : وينبغي لأهل التعبير أن يخاطبوا الناس بقدر ما يفهمون ، فليس التعبير لأهل البداية كأهل النهايةوفي الحديث : “ خاطبوا النّاس بقدر ما يفهمون “ .
نعم إن ضاق الوقت على التفريق جمع الكل وذكر في البداية والوسط والنهاية ، وكل واحد يأخذ نصيبه ويشرب من منهله قال تعالى : قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ [ البقرة : 60 ] .
وهذه كانت طريقة الجنيد رضي اللّه تعالى عنه ، يلقي الحقائق على رؤوس الأشهاد ، فقيل له في ذلك ؟فقال : علمنا محفوظ أن يأخذه غير أهله أو ما هذا معناه ، ثم عبارتهم بعد الإذن لا تكون إلا لحكمة بينها الشيخ بقوله :
ثم قال الشيخ ابن عطاء الله رضي اللّه عنه : ( عبارتهم إمّا لفيضان وجد أو لقصد هداية مريد))
أقول في نهاية المطاف: ليس من المحمود والروعة إظهار الصفات والافعال الذاتية إذ يفضي إلى تمديح الذات وثناء النفس المذمومة:﴿ فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى{لنجم: 32ولكن للثقة بالنفس عند الأهوال والأحداث يجوز لنا أن
نمدح أنفسنا كما قال الشاعر:
يُحاذِرُني حَتفي كَأَنِّيَ حَتفُهُ / وتَنكُزُني الأَفعى فَيَقتُلُها سُمّي”
وكذلك يجوز للتحدث بنعمة الله تعالى:﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾[الضحى:11]
فالفضل آنذاك يرجع إلى الله تعالى أولا ثم يرجع إلى المداحين.