مديرية أوقاف القاهرة.. منابر الدعاء لوقف الحرب ونبض الرحمة في زمن الألم


بقلم فضيلة الشيخ : حسين السمنودي

إمام وخطيب ومدرس على درجة مدير عام بمديرية أوقاف القاهرة

في وقتٍ تتقاذف فيه المنطقة أمواج الدم والنار، وتغرق غزة في بحرٍ من الدمار والعذاب، يبقى الأمل معقودًا على ضمائر الأحياء، وعلى من صدقوا في حبهم لدينهم ووطنهم وأمتهم. وبين أصوات المدافع وصيحات الأطفال الثكالى، ترتفع في مصر أصوات الدعاء من فوق منابر الحق، منابر وزارة الأوقاف، لتعلن أن الكلمة الطيبة والنية الخالصة قادرة على أن تكون جسرًا بين الأرض والسماء.

في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية، تقف مديرية أوقاف القاهرة بقيادة العالم الجليل الدكتور خالد صلاح الدين وكيل الوزارة ومدير المديرية، ومعه كوكبة من القيادات المخلصة أمثال الدكتور سعيد حامد وكيل المديرية، وعدد من الأئمة والدعاة والواعظات المخلصات، كصفٍ دعوي موحد يواجه الفتنة بالكلمة، واليأس بالأمل، والخراب بالبناء الروحي.

لقد أدركت أوقاف القاهرة أن واجبها لا يتوقف عند حدود المسجد، بل يمتد إلى الوعي الجمعي للشعب المصري، فالمسجد هو المدرسة الأولى في صناعة الإيمان والوجدان، ومصر، بجيشها ودينها وعلمائها، هي آخر حصون العقل في زمن الجنون.
فكانت خطب الجمعة والدروس الدعوية في القاهرة تحمل رسائل دعمٍ ومؤازرة لأهل غزة، تدعو لوقف الحرب ونزيف الدم، وتؤكد أن الإسلام دين الرحمة لا دين الانتقام، وأن الأمة لا تنهض إلا بوحدة صفها ونقاء نيتها.

كما نظمت المديرية ندوات ولقاءات توعوية بين الأئمة والواعظات لتوضيح الصورة الحقيقية لما يحدث، وتحصين العقول من الشائعات التي تصاحب كل حرب، فالوعي هو خط الدفاع الأول عن الأوطان، والكلمة الصادقة أحيانًا أقوى من الرصاص.

ورغم قسوة المشهد في غزة، إلا أن القاهرة بقيت رمزًا للثبات والاتزان، صوتها في المساجد كان نداءً صادقًا لله:
“اللهم ارفع البلاء عن أهلنا في غزة، وكن عونًا للضعفاء والمظلومين، واحفظ مصر وأمتنا من كل شر.”

إن ما تقوم به مديرية أوقاف القاهرة في هذه الفترة العصيبة ليس مجرد جهد إداري أو نشاط دعوي، بل هو موقف إنساني وإيماني يعبر عن جوهر رسالة الأوقاف في أوقات المحن.

لقد قدمت نموذجًا يحتذى به في كيفية تحويل الأزمة إلى لحظة وعي، والحزن إلى طاقة دعاء، والظلام إلى بصيص أمل في عودة السلام.

وستبقى القاهرة، بما تحمله من إرثٍ حضاري وروحي عظيم، قلب الأمة النابض ومحراب الدعاء الذي تتجه إليه القلوب عند الشدائد. وستبقى مديرية أوقاف القاهرة بقيادتها الحكيمة رمزًا للدعوة الصادقة والعطاء الهادئ الذي يترجم الإيمان إلى عمل، والرحمة إلى فعلٍ ملموسٍ على أرض الواقع. ففي زمنٍ تتقاذفه المصالح وتُغرقه الدماء، يبقى صوت الإمام الصادق والواعظة المخلصة هو الأمل الباقي، يذكّر الناس بأن الله هو السلام، وأن الأمل لا يموت ما دامت في الأمة قلوب تنبض بالحق.

إن غزة اليوم ليست مجرد أرضٍ تُقصف، بل جرح في جسد كل عربي ومسلم، وأوقاف القاهرة، في سعيها لنشر الوعي والدعاء، لا تنحاز إلا للإنسان، ولا ترفع صوتها إلا بالحق. هي اليوم تؤدي دورها الوطني والإنساني بأمانةٍ وشرف، فتزرع في النفوس طمأنينة الإيمان، وتبعث برسائل الصبر والثبات إلى كل من أنهكته الحرب والدموع.

ولأن مصر كانت دائمًا الدرع الواقي للأمة، فإن رجال الدعوة وواعظات القاهرة يقفون اليوم خلف جيشها ودولتها، داعين الله أن يثبت أقدام المرابطين، وأن يرد كيد المعتدين، وأن يُكتب لأهل غزة الفرج بعد طول محنة.

فمن القاهرة يبدأ الدعاء، ومن ضمائر علمائها وواعظاتها المخلصين يولد الأمل، ومن فوق منابرها يخرج النداء الخالد:
“اللهم اجعل هذا البلد آمناً، واملأ قلوبنا رحمةً لأهلنا في غزة، واهدِ العالم إلى طريق السلام والإنسانية.”