التدين الوهابي… عبودية جديدة

بقلم الدكتور الشيخ : محمد سعيد صبحي السلمو
( الأزهرى البابي الحلبي )

لماذا يُراد لنا التدين الوهابي؟

الوهابية تريدك مسلما بلا نبي، وتابعا بلا عقل، ومؤمنا بلا قلب.
هي تدينٌ يُشبه اليهود في التجسيم، والنصارى في الحلول، والعالم في برمجة القطعان.

فإذا كان الإسلام حرية بالاتباع، جعلوه عبودية بالمشيخة.
وإذا كان الدين حياة بالروح، جعلوه جفافا بالظاهر.

وما بقي من توحيدهم إلا أن يوحِّدوا صفوفهم مع اليهود… لا مع دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

إن العالم اليوم لا يساهم في نشر التدين الوهابي عبثا ولا اتفاقا عفويا، وإنما يدفع به دفعا، ويرعاه رعاية، لأنه وجد فيه ما يلائم خططه ويهيئ أرضه.

فأول ما في هذا التدين أن عقيدته التجسيمية صورة مطابقة لعقيدة اليهود في تجسيم الإله، وصورة أخرى لعقيدة النصارى في حلول الإله في مخلوقاته.

وهذه المشابهة لم تأت مصادفة، وإنما هي تمهيد لزرع ما يُسمّى بـ “الديانة الإبراهيمية” التي ليست سوى جسر لإقامة سلطان الدجال. ومن هنا كان الخطر: فالعقيدة الأشعرية – وهي عقيدة جمهور المسلمين – تقوم على التنزيه، وعلى علم ومنطق يستحيل أن ينخدع بصنم يُعبد، أو جسمٍ يُتصور في الخيال.

لذلك يستحيل أن يتبع الأشعريُّ الدجال، لأنه لا يمكن عنده أن يكون الله جسما،

بينما العقيدة الوهابية تفتح هذا الباب، وقد رأينا بعضهم – كابن شمس الدين – يصرّح بأن “الله يمكن أن يكون جسماً”! فهل بعد هذا من كشف؟

ثم إن العقيدة الوهابية ليست علما، وإنما هي برمجة أذهان، وحشو قوالب، وتقييد للعقل في إطار جامد لا يجاوز النص الظاهر، حتى ولو كان المعنى فاسدا.

أما العقيدة الأشعرية ومعها المذاهب الأربعة، فهي علوم وضوابط، وطرائق استنباط، تدرّب العقل على الفهم وتفتح له سبيل الاجتهاد، فلا يبقى أسيرا لسطحية أو تقليد أعمى.

والتدين الوهابي تدينٌ ماديٌّ جاف، لا يعرف من الغيب إلا ما يمرره الحس، ولا من الإيمان إلا ما يصدقه التجريب.

وهذا بعينه هو منطق العلمانية في الشرق والغرب، حيث يلغى الذوق والشهود والروح، ولا يبقى إلا المحسوس المجرد. وهنا يلتقي الطريق مع طريق الدجال: إذ إن أتباعه هم أصحاب الإيمان التجريبي المادي، لا أهل الذوق والشهود.

ثم هو تدينٌ صدامي، يثير العداوة، ويمزق الأمة، ولا يعرف للحوار ولا للمنهج العلمي وزنا.

وذلك ما يحتاجه قادة العالم: أن يكون للمسلمين “حاخامات” وهابية، يسوقون الجماهير كالقطعان، ويستثيرون العصبية باسم الدين، حتى تبقى الأمة في تمزق لا يجمعها جامع.

ومن جهة الأخلاق، فإن الوهابية لا تعرف إلا لسان الشتم لكل مخالف، ولا تملك سلوكاً يزين عقيدتها.

فلا عجب أن يُستدعى هذا التدين ليكون واجهة للإسلام عند الغرب، حتى يظهر الإسلام في صورته الأكثر خشونة وجفاء.

وهو فوق ذلك يقطع صلة المسلم بنبيه صلى الله عليه وسلم، ويقطع ما بينه وبين السلف الصالح، فلا يبقى المسلم إلا تابعا لشيخه المعاصر، منفصلا عن تراث أمته، مقطوعا عن سلاسله، غريبا بين أسلافه وأجداده.

وما أخطر ما يترتب على هذا التدين: أنه يجعل الإسلام عاجزا عن مواجهة المستجدات، لأنه محصورٌ في ظاهر النص بلا روح، مقيّد بسطحية لا تعرف الغوص.

وعندها يتحول الإسلام في أعين المسلمين والناس جميعا إلى طقوس وكهنوت، لا إلى حضارة وعلم وقيادة.

هذه – بإيجاز – ملامح المشروع، وهذا هو السبب في ذلك الدعم اللامتناهي إعلاميا وماليا ولوجستيا للوهابية: إنهم يريدون أن يطفئوا نور السيرة المحمدية، ويغلقوا باب الحرية الروحية، ويحوّلوا الأمة إلى قطيعٍ يساق حيث يشاء العالم، لا حيث يشاء الله ورسوله.

ولكن… هيهات! فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا عن طائفة من المؤمنين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، حتى يأتي أمر الله.