خطبة بعنوان (وكن رجلًا إن أتوا بعده يقولون: مَـرَّ، وهذا الأثر) للدكتور أيمن الحداد


خطبة بعنوان (وكن رجلًا إن أتوا بعده يقولون: مَـرَّ، وهذا الأثر)

للدكتور : أيمن حمدى  الحداد

نص الخطبة
الحمد لله رب العالمين خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً، وكان ربك قديراً، وأشهدأن لا إله إلا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهوعلي كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره علي الدين كله وكفى بالله شهيداً؛ اللهم صلّ وسلم وبارك عليه حق قدره ومقداره العظيم وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد؛ فيا أيها المسلمون: لقد عُنى الإسلام ببناء الإنسان وتربيته وتكوينه وإعداده، ليكون إنساناً سوياً، عالماً بواجباته، وقادراً على أدائها بإتقان وإحسان.

إن بناء الإنسان في الإسلام هو عملية تكاملية وشاملة ترتكز على جوانب متعددة؛ فهي تهيئة عقدية روحية، وسلوكية، وفكرية، وأخلاقية، تهدف إلى بناء شخصية تجمع بين العلم والخلق، والصلاح الإصلاح.

♦ أولاً: هدى سيدنا رسول الله ﷺ فى بناء الإنسان وصناعة الرجال؛ قال تعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾(الأحزاب: ٢١)،

– لقد استطاع سيدنا رسول الله ﷺ أن يحول خامات الجاهلية إلى عجائب الإنسانية حيث غرس فى قلوبهم الإيمان العميق، وتعهدهم بالتربية الحكيمة الدقيقة، حتى صاروا قدوة فى الرقى والإنسانية فى أسمى معانيها؛ حتى أثنى الله عليهم بقوله تعالى: ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ (الأحزاب: ٢٣)،

– لقد كان سيدنا رسول الله يثني على أصحابه إظهاراً لعلوً قدرهم، فنجده ﷺ يصفهم بصفاتٍ عظيمة تُعَزِّز من الألفة والتقارب بينه وبينهم.

– يقول ﷺ فى الصديق والفاروق رضى الله عنهما: «وَأَمَّا وَزِيرَاي مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ»رواه الترمذي.
– ويقول فى أبى عبيدة رضى الله عنه: «وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بِنُ الجَرَّاحِ» رواه البخاري.
– ويقول فى الزبير بن العوام رضى الله عنه: «الزُّبَيْرُ ابْنُ عَمَّتِي وَحَوَارِيِّي مِنْ أُمَّتِي» رواه أحمد.
– ويقول فى سلمان الفارسي رضى الله عنه :«سلمان منا آل البيت» رواه الحاكم.
– ويثنى على أبى طلحة رضى الله عنه فيقول ﷺ
:«لصوتُ أبي طلحة في الجيش أشدُّ على المشركين من فئة،» رواه أحمد.
وفى رواية: «لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل» رواه الحاكم.
– ويقول فى عبدالله بن عمر رضى الله عنهما: «إنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ، لو كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» قالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذلكَ يُكْثِرُ الصَّلَاةَ» رواه البخارى.
وبين ﷺ فضل أصحابه رضى الله عنهم فيقول: «خيرُ الناس قرْني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» متفق عليه.
– وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ :«لا تسبُّوا أصحابي؛ فلوا أنَّ أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهباً، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه» متفق عليه.
– يدعو لهم ﷺ بالخير؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: «خرج رسول الله ﷺ إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلما رأى ما بهم من النَّصَب، والجوع» قال: «اللَّهُمَ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَة.. فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَة»، فقالوا مجيبين له: «نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً» رواه البخاري.
– وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ضمَّني رسول الله ﷺ وقال: «اللهم علِّمْهُ الكتاب» رواه البخارى.
وفي رواية أحمد قال: «اللهم فقِّهه في الدين، وعلمه التأويل»، ودعا ﷺ لأنس بن مالك فقال: «اللهم أكْثِرْ ماله وولده» رواه مسلم.
وفي رواية البخاري: «اللهم ارزقه مالًا وولدًا، وبارك له» فكان أكثر الأنصار مالًا، وبلغ أولاده وأحفاده المائة، وحلَّتِ البركة في عمره وفي ذريته.
– وكان سيدنا رسول الله يغرس في أصحابه القدرة على تحمل المسؤولية وتعظيم مكانتها في نفوسهم منذ الصغر؛ فيكلف أسامة بن زيد وهو في سن السابعة عشرة بقيادة جيش فيه أبو بكر وعمر رضي الله عنهم، وينتقل النبي ﷺ إلى جوار ربه وينفذ أبو بكر بعث أسامة فيتحمل المسؤولية ويمضي في مهمته ويعود منها محققاً للغاية التي من أجلها أرسل الجيش.
– ويجبر سيدنا رسول الله ﷺ بخواطر أصحابه؛ وخير شاهد على ذلك حديثه إلى الأنصار بعد غزوة حنين حيث خاطبهم قائلاً: «يا معشر الأَنصار: مقالةٌ بلغتني عنكم، وجِدَة وجدتموها عليّ في أَنفُسكم؟ ألم آتكم ضُلّالا فهداكم اللَّهُ، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ، وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ! قَالُوا: بَلَى، اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَار؟ قَالُوا: بِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ للَّه وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ، قَالَ ﷺ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ، فَلَصَدَقْتُمْ وَلَصُدِّقْتُمْ: أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلًا فَآسَيْنَاكَ أَوَجَدْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِكُمْ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إلَى إسْلَامِكُمْ، أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَرْجِعُوا بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى رحالكُمْ؟ فوالّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ، اللَّهمّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ»، فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قَسْمًا وَحَظًّا. ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَتَفَرَّقُوا».
– يواسى ﷺ أصحابه رضي الله عنهم في وقت الشدة والبلاء؛ فعندما رأي ﷺ جابر بن عبد الله مهموماً حزيناً، فقال: «يا جابرُ ما لي أراكَ منكسِراً قال: يا رسولَ اللَّهِ استُشهِدَ أبي وترَك عليهِ دينًا وعيالًا فقال ألا أبشِّرُك بما لقيَ اللَّهُ بهِ أباكَ إنَّ اللَّهَ لم يُكلِّم أحدًا من خلقِه قطُّ إلَّا من وراءِ حجابٍ وإنَّ اللَّهَ أحيا أباكَ فَكلَّمَه كفاحًا وقالَ يا عبدي تمنَّ عليَّ ما شئتَ أعطيكَ قال تردَّني إلى الدُّنيا فأقتلُ فيكَ فقال تبارَك وتعالى لا إنِّي أقسمتُ بيمينٍ أنَّهم إليها لا يُرجَعونَ يعني الدُّنيا» رواه الترمذي.

وعن أبي سعيد الخدري قَالَ: «أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ». فَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مترفقاً بحاله: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ» رواه مسلم..
– يرسخ ﷺ قيمة الإحترام بينهم؛ فينهاهم عن السخرية؛ فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنْ الْأَرَاكِ وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ فَجَعَلَتْ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ« مِمَّ تَضْحَكُونَ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ.» رواه أحمد..

– يمزح ﷺ ولا يقول إلا حقاً؛ فكان مزاحه تأليفاً وتفاعلاً مع أصحابه، وإدخالاً للسرور عليهم فلم يمنعه ﷺ مقام النبوة والرسالة أن يكون منبسطاً معهم، ويضاحكهم فعن صهيب أنه قدم على النبي ﷺ وبين يديه تمر وخبز قال :«أدن فكل» فأخذ يأكل من التمر، فقال له النبي ﷺ: «إن بعينك رمداً»، فقال: يا رسول الله: إنما آكل من الناحية الأخرى. فتبسم رسول الله ﷺ» رواه أحمد.

– يقدر ﷺ صغار السن؛ فعن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ أُتِيَ بِشَرَابٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: «أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ؟”، فَقَالَ الغُلاَمُ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا، قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي يَدِهِ» متفق عليه.

– وعن انس بن مالك انه قال: كانَ النَّبيُّ ﷺ أحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وكانَ لي أخٌ يُقَالُ له: أبو عُمَيْرٍ قالَ: أحْسِبُهُ- فَطِيمًا، وكانَ إذَا جَاءَ قالَ: يا أبَا عُمَيْرٍ، ما فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ نُغَرٌ كانَ يَلْعَبُ به، فَرُبَّما حَضَرَ الصَّلَاةَ وهو في بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بالبِسَاطِ الذي تَحْتَهُ فيُكْنَسُ ويُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ ونَقُومُ خَلْفَهُ، فيُصَلِّي بنَا» رواه البخاري.

وبمثل هذه التربية النبوبية الكريمة بنى سيدنا رسول الله ﷺ فى نفوس أصحابه عليهم رضوان الله تعالى أجل وأسمى معانى الرجولة والإنسانية.

♦ثانياً: تحمل المسؤلية فى التربية؛ إن من أوجب الواجبات أن يقوم الأبوين بمسؤولية تربية الأبناء على الدين لتكون النشأة سوية، ومثالية؛ قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ واصطبر عليها﴾(طـه: ١٣٢)،

– قال ابن القيم رحمه الله: وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، وهو بذلك يزعم أنه يكرمه وقد أهانه، ويرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوت على ولده حظه في الدنيا والآخرة، ثم قال رحمه الله: وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء.

– يجب على الوالدين أن يلزموا أنفسهم أولا بالأخلاق التي يسعون إلى تأديب الأبناء عليها، فلا يليق مثلاً أن ينهى الوالد ولده عن خلق قبيح ثم يأتيه هو؛ لذلك قال عتبة بن أبي سفيان لعبد الصمد مؤدب ابنائه: ليكن أول ما تبدأ به من إصلاحك بَنِيَّ إصلاحك نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت؛ تاريخ دمشق.

– قال عبدالله بن عمر رضى الله: «أدِّب ابنَكَ؛ فإنك مسؤول عن ولدك ماذا أدَّبْتَه، وماذا علَّمْتَه، وإنه مسؤول عن بِرِّكَ، وطواعيته لك» أخرجه البيهقي.

– هذا ولقد أرشد الإسلام إلى قواعد عامة في الفضائل والآداب سبق بها كل ما عرفته أرقى المجتمعات، تتمثَّل في آيات القرآن الكريم، وعمل الرسول ﷺ وعمل أصحابه رضي الله عنهم، ودعا الآباءَ والأمهات إلى أن يأخذوا أطفالهم بها لينشئوهم جيلاً صالحاً، ومثالياً فتسعد بهم الأمة، وتكون كما أرادها الله خيرَ أمة أخرجت للناس؛ قال تعالى على لسان لقمان عليه السلام: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾(لقمان: ١٦-١٩)، وعن عمر بن أبي سلمة أنه كان غلاماً صغيراً في حجر رسول الله ﷺ وكانت يده تطيش في الصحفة إذا أكل، فقال رسول الله ﷺ: «يا غلام سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكل مما يليك»رواه أبو دواد والترمذى.

– ولقد حث الشرع على تعليم الأبناء فى سن مبكرة، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» رواه أحمد وأبوداود.
وعَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: «مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَنَصْنَعُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ فَنَذْهَبُ بِهِ مَعَنَا فَإِذَا سَأَلُونَا الطَّعَامَ أَعْطَيْنَاهُمْ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ» رواه البخارى.
– تعليم الأبناء إذا بلغوا آداب الإستئذان؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾(النور: ٥٨)، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه: «أنه كان إذا بلغ بعض ولده، عزله فلم يدخل عليه إلَّا بإذن» أخرجه البخاري في الأدب المفرد.

– الإهتمام بتقوية أبدانهم؛ ويكون ذلك بممارسة الرياضة كالمسابقة، والمصارعة، والرماية، والسباحة، ولنا فى سيدنا رسول الله ﷺ القدوة العملية، فعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: مر النبي ﷺ على نفر من أسلم ينتضلون، فقال: «ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ، فإنَّ أَبَاكُمْ كانَ رَامِيًا ارْمُوا، وأَنَا مع بَنِي فُلَانٍ قالَ: فأمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بأَيْدِيهِمْ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: ما لَكُمْ لا تَرْمُونَ. فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ نَرْمِي وأَنْتَ معهُمْ، قالَ: ارْمُوا وأَنَا معكُمْ كُلِّكُمْ» رواه البخارى.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينا الحبشة يلعبون عند النبي ﷺ بحرابهم، دخل عمر فأهوى إلى الحصى فحصبهم بها، فقال: «دعْهم يا عمر» رواه البخارى.
وقال عمر رضي الله عنه: علِّموا أولادكم السباحة، والرماية، وركوب الخيل.
– تنمية مهارات الأبناء العقلية والفكرية؛ لقد جاءت التربية العقلية ضمن أولويات الإسلام، فليس ثمة دين يقوم على احترام العقل الإنسانى مثل الإسلام، بل إن القرآن ليكثر من استثارة العقل ليؤدي دوره الذي خلقه الله له لذلك نجد عبارات: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ﴿ولِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، ﴿ولِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾، ونحوها تتكرر عشرات المرات في القرآن الكريم لتؤكد على احترام العقل ووجوب إعماله وتنميته فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «مثلُ المؤمن مثل شجرة لا تطرح ورقَها» فوقع الناس في شجر البدو، ووقع في قلبي أنها النخلة، فاستحييتُ أن أتكلَّم، فقال رسول الله ﷺ: «هي النخلة» فذكرت ذلك لعمر، فقال: يا بني، ما منعك أن تتكلم؟ فوالله لأن تكون قلت ذلك أحَبُّ إليَّ من أن يكون لي كذا وكذا» رواه البخارى.

وتكون تنمية القدرات العقلية والفكرية لدى الأطفال بحفظ القرآن الكريم وتعلم أحكام الشريعة الغراء فهذا رسول الله ﷺ يجعل فداء الأسير أن يعلم عشرة من الصحابة القرأة والكتابة، وأمر ﷺ زيد بن ثابت أن يتعلم اللغة السريانية، فعن زيد بن ثابت قال: «أَمَرَنِي رَسُولُ الله ﷺ أَنْ أَتَعَلّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ وَقالَ إِنّي وَالله مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي، قالَ فَمَا مَرّ بي نِصْفُ شَهْرٍ حَتّى تَعَلّمْتُهُ لَهُ» رواه الترمذي.
فاتقوا الله عباد الله: وأحسنوا فى حمل وتحمل الأمانة والمسؤولية حتى نتمكن من بناء الإنسان الصالح الذى يسعد به المجتمع ويرقى به.

أقول قولى هذا واستغفر الله العظيم لى ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد؛ فيا عباد الله: إن الرجولة ليست مجرد صفة بيولوجية (ذكورة)، بل هي مفهوم أخلاقي وسلوكي يتجسد في الإيمان الصادق، وتحمل المسؤولية، وأداء الأمانات، والتخلق بالعدل،

والمروءة ومكارم الأخلاق وحميد الخصال.

ثالثاً: إِنَّ التَّشَبّه بِالكِرامِ فَلاحُ؛ إن من التشبه المحمود التشبه بالصالحين والسير على دربهم من أمثلة ذلك؛
– رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ؛ قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّاب﴾(غافر: ٢٨)، وقال تعالى عن مؤمن آل ياسين:﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾(ياسين: ٢٠-٢٧)،

– الشجاعة، والرجولة المبكرة؛ أخرج ابن سعد عن الواقديّ من رواية أبي بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه، قال: «رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله ﷺ يوم بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟ قال: إني أخاف أن يراني رسول الله ﷺ فيستصغرني فيردّني، وأنا أحبّ الخروج، لعل الله أن يرزقني الشهادة، قال: فعُرِض على رسول الله ﷺ فاستصغره فردّه، فبكى فأجازه، فكان سعد يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره، فقُتِل وهو ابن ست عشرة سنة»،

– رَجُلٌ من أهل الجنة؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كنَّا يوماً جلوساً عند رسولِ اللهِ ﷺ فقال: «يطلُعُ عليكم الآن من هذا الفجِّ رجلٌ من أهلِ الجنَّةِ قال فطلع رجلٌ من الأنصارِ ينفضُ لحيتَه من وضوئِه، قد علَّق نعلَيْه في يدِه الشِّمالِ، فسلَّم، فلمَّا كان الغدُ قال ﷺ مثلَ ذلك فطلع ذلك الرَّجلُ، وقاله في اليومِ الثَّالثِ، فطلع ذلك الرَّجلُ، فلمَّا قام النَّبيُّ ﷺ، تبِعه عبدُ اللهِ بنُ عمرِو بنِ العاصِ، فقال له: إنِّي لاحيْتُ أبي، فأقسمتُ ألَّا أدخُلَ عليه ثلاثًا، فإن رأيتُ أن تئويَني إليك حتَّى تمضيَ الثَّلاثُ فعلتُ؟ فقال: نعم . فبات عنده ثلاثَ ليالٍ، فلم يرَه يقومُ من اللَّيلِ شيئاً، غيرَ أنَّه إذا انقلب على فراشِه ذكر اللهَ تعالَى، ولم يقُمْ حتَّى يقومَ إلى صلاةِ الفجرِ، قال غيرَ أنِّي ما سمِعتُه يقولُ إلَّا خيراً، فلمَّا مضت الثَّلاثُ، وكِدتُ أن أحتقِرَ عملَه، قلتُ: يا عبدَ اللهِ، لم يكُنْ بيني وبين والدي غضَبٌ ولا هِجرةٌ، ولكنِّى سمِعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: كذا وكذا، فأردتُ أن أعرِفَ عملَك، فلم أرَكَ تعملُ عملًا كثيراً، فما الَّذي بلغ بك ذلك؟! فقال: ما هو إلَّا ما رأيتَ، فلمَّا ولَّيتُ دعاني فقال: ما هو إلَّا ما رأيتَ، غيرَ أنِّي لا أجدُ على أحدٍ من المسلمين في نفسي غِشّاً ولا حسَداً، على خيرٍ أعطاه اللهُ إيَّاه قال عبدُ اللهِ: فقلتُ له هي الَّتي بلغت بك، وهى الَّتي لا نُطيقُ» رواه النسائي وأحمد.

– الوفاء من شيم الرجال؛ إن الوفاء يستلزم القيام بجميع الفروض والواجبات، والوفاء بجميع العقود والالتزامات، والأداء لكافة الحقوق والأمانات؛ قال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾(البقرة: ٤٠)، وقال تعالى: ﴿وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾(الأنعام: ١٥٢)، ولقد أثنى ربنا تبارك وتعالى على الموفين بالعهد قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴾(الرعد: ١٩-٢٠)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ: «أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل، سأل بعض بني إسرائيل أن يُسلِفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أُشهِدهم، فقال: كفى بالله شهيداً، قال: فأتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلاً، قال: صدقتَ، فدفعها إليه إلى أجل مسمًّى، فخرج في البحر، فقضى حاجته ثم التمس مركباً يركبها يَقدَم عليه للأجل الذي أجَّله، فلم يجد مركبًا، فأخذ خشبةً فنقرها فأدخَل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجَّج موضِعها ثم أتى بها إلى البحر، فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تَسلَّفت فلاناً ألف دينار، فسألني كفيلاً، فقلتُ: كفى بالله كفيلاً، فرضي بك، وسألني شهيدًا، فقلت: كفى بالله شهيدًا، فرضي بك، وإني جَهَدت أن أجد مركباً أبعث إليه الذي له، فلم أقدِر، وإني أستودِعُكَها، فرمى بها في البحر، حتى ولَجت فيه ثم انصرف، وهو في ذلك يلتمِس مركباً يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركباً قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطباً، فلما نشرَها وجد المال والصحيفة، ثم قَدِم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار، فقال: والله ما زلتُ جاهداً في طلب مركبٍ لآتيك بمالك، فما وجدتُ مركباً قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثتَ إليَّ بشيء؟ قال: أخبِرك أني لم أجد مركباً قبل الذي جئت فيه! قال: فإن الله قد أدَّى عنك الذي بعثتَ في الخشبة، فانصرفْ بالألف الدينار راشداً» رواه البخارى.

– رَجُلٌ مِن فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ؛ بينما الصحابة الكرام رضى الله عنهم جلوس إذ مَرَّ بهم رجل عظيم فَقالَ النبى ﷺ: «ما تَقُولونَ في هذا؟ قالوا: حَرِيٌّ إنْ خَطَبَ أنْ يُنْكَحَ، وإنْ شَفَعَ أنْ يُشَفَّعَ، وإنْ قالَ أنْ يُسْتَمَعَ؛ ثُمَّ سَكَتَ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِن فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، فَقالَ: «ما تَقُولونَ في هذا؟ قالوا: حَرِيٌّ إنْ خَطَبَ أنْ لا يُنْكَحَ، وإنْ شَفَعَ أنْ لا يُشَفَّعَ، وإنْ قالَ أنْ لا يُسْتَمَعَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: هذا خَيْرٌ مِن مِلْءِ الأرْضِ من مِثْلَ هذا» رواه البخارى.
فالمعول عليه فى الخيرية قوة الإيمان وتقوى الله عز وجل.
وصدق القائل؛
أَلا إِنَّ أَخْلاقَ الرِّجَالِ وَإِنْ نَمَتْ
فَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا تَفُوقُ عَلَى الْكُلِّ
وَقَارٌ بِلا كِبْرٍ وَصَفْحٌ بِلا أَذَىً
وَجُودٌ بِلا مَنٍّ وَحِلْمٌ بِلا ذُلِّ
– الرجولة تعنى الشهامة وعدم استخدام القوة بغير وجه حق فى ظلم الناس والإعتداء عليهم؛ فعن أبى مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال: «كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي، فَسَمِعْتُ مِن خَلْفِي صَوْتًا: اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عليه، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هو رَسولُ اللهِ ﷺ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، هو حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقالَ: أَما لو لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ» رواه مسلم.
– ولقد كتب عمر بن عبدالعزيز إلى بعض عماله: «أمَّا بَعدُ، فإذا دَعَتك قُدرَتُك على النَّاسِ إلى ظُلمِهم، فاذكُر قُدرةَ اللهِ تعالى عليك، ونَفادَ ما تَأتي إليهم، وبَقاءَ ما يأتونَ إليك»
– وقال مُعاويةُ بنُ أبي سُفيانَ رَضِيَ اللهُ عنهما:«إنِّي لأستَحي أن أظلِمَ مَن لا يجِدُ عليَّ ناصِرًا إلَّا اللهَ»
لا تَظلِمَنَّ إِذا ما كُنتَ مُقتَدِراً
فَالظُلمُ مَرتَعُهُ يُفضي إِلى النَدَمِ
تَنامُ عَينُكَ وَالمَظلومُ مُنتَبِهٌ
يَدعو عَلَيكَ وَعَينُ اللَهِ لَم تَنَمِ
– رَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ،؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إمَامٌ عَدْلٌ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ، اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فَقالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» رواه البخارى. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: «ما توطَّنَ رجلٌ مسلمٌ المساجدَ للصلاة والذِّكر، إلا تَبَشْبَشَ اللهُ له، كما يَتَبَشْبَشُ أهلُ الغائب بغائبهم إذا قَدِمَ عليهم» رواه ابن ماجه وأحمد.
وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ﴾(التوبة:١٨)، وقال تعالى: ﴿في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾(النور: ٣٦- ٣٨)،
فاتقوا عباد الله: واعلموا إن بناء الإنسان الصالح مسؤولية الجميع؛ فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنَّهُ سَمِعَ رَسولَ اللَّهِ ﷺ يقولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ؛ فَالإِمَامُ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ في أهْلِهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وهي مَسْؤُولَةٌ عن رَعِيَّتِهَا، والخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ» رواه البخارى.
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وأقم الصلاة