د. إسلام عوض يكتب: أغثنا يا رسول الله

بقلم الدكتور: إسلام عوض مدير تحرير بجريدة الأهرام

لقد كان مولد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فجرًا جديدًا أضاءَ ظلماتِ الجهل والضلال التي كانت تغمر البشرية.

لم تكن لحظة ميلاد نبي الرحمة مجرد حدثٍ عابر، بل كانت نقطة تحوّل فارقة، ميلادًا لمنهجٍ كاملٍ للحياة، يخرج الإنسان من قيودِ العبودية والجمود إلى آفاقِ الحرية والفكر والبحث عن الحقيقة.

في زمنٍ كان يسوده التشتت والظلم، جاءت رسالته لتكون منارةً للعلم والمعرفة والمساواة بين البشر في الحقوق والواجبات.

إن أيّ قراءةٍ للتاريخ تؤكد أن نهضة البشرية في مختلف العلوم لم تكن لتحدث لولا تلك الرسالة الخالدة التي أيقظت العقول وأشعلت شعلة الفكر الإنساني.

لقد دفعت رسالة النبي الهادي أتباعها للتأمل في الكون واستكشاف أسراره، فكانت علومهم حجرَ الأساس الذي بُنيت عليه الحضارة الإنسانية.

عندما تتراجع الإنسانية.. نُنادي: أغثنا يا رسول الله

واليوم، ونحن نحتفل بذكرى مولده “صلى الله عليه وسلم” نجد أنفسنا في حاجةٍ ماسّةٍ إلى هَدْيِه النبويّ؛ فلقد تراجعت الإنسانية آلاف الخطوات، وعاد العالم إلى زمنٍ يسوده الظلم والتجويع والتهجير، وهو زمنٌ كان من المفترض أن تكون الإنسانية قد تجاوزته.

وما نشاهده اليوم في غزة ليس إلا مثالًا صارخًا على هذا التراجع؛ فبينما نتحدث عن حقوق الإنسان والعدالة، يتعرض أهلنا في فلسطين لأبشع أنواع الظلم والقتل والتدمير والتجويع على يد الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، الذي يتجاهل كل قيم الإنسانية.

هذا العدوان الذي لا يرحم طفلًا ولا امرأة ولا شيخًا، هو دليل قاطع على أن العالم قد أدار ظهره للمبادئ التي جاء بها النبي الكريم، والتي تؤكد تكريم كل بني آدم، وتحرم الظلم والعدوان.

لقد كان النبي يوصي بالرحمة حتى مع الأعداء، بينما نرى اليوم إبادة جماعية وتجويعًا قاتلًا، حصد الأرواح، وما زال، أمام أعين العالم جهارًا نهارًا.

صمتٌ مخزٍ.. وغيابٌ لمنهج الرحمة

الجانب الأكثر إيلامًا في هذه المأساة هو صمت العالم المطبق؛ فبينما كان من المفترض أن تهب الدول لإنقاذ الأبرياء، نجدها، حتى هذه اللحظة، تقف متخاذلة، مكتفيةً ببيانات الإدانة الشكلية التي لا تغني ولا تسمن من جوع.

هذا الصمت هو تواطؤٌ صريحٌ مع الظالمين، وغيابٌ واضحٌ للمبادئ الإنسانية التي دعا إليها كل الرسل والأنبياء، وآخرهم سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم”.

لقد جاء النبي الكريم بمناهج الرحمة والعدل التي لو طبقت اليوم، لما شهد العالم مثل هذه المآسي؛ ففي رسالته تكريم للإنسان، بغض النظر عن لونه أو عرقه، وأصبح العدل أساس الحكم والرحمة أساس التعامل.

إن ذكرى المولد النبوي الشريف ليست مجرد احتفال بالماضي، بل هي تذكيرٌ حيٌّ بأنَّ البشرية اليوم في أمسِّ الحاجة إلى العودة إلى هذا المنهج الربانيّ الخالد، الذي يضع حدًا للظلم، وينير دروب الإنسانية نحو العدل والسلام.

وإذا استمر العالم في غيّه بعيدًا عن هدي النبي الكريم الذي بعثه الله رحمة للعالمين، فسيظل يغرق في بحور الفرقة والضلال والظلم، وسنشهد مآسي أكثر فظاعة ووحشية مما تشهده غزة اليوم.

وفي الختام، لم أجد كلمة، للتحذير مما نحن مقبلون عليه، أبلغ من مقولة: “أُكلتُ يومَ أُكل الثورُ الأبيض”.