للسادة الخطباء : بحث بعنوان ( سماحة النبي ورحمته بالعصاة والمذنبين ) للشيخ : رضا الصعيدى
لتحميل الملف pdf اضغط أدناه
samaha alnabe warahmatoh
المقدمة :
samaha alnabe warahmatoh
عن أبي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَثَلِى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِى فِى النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا قَالَ فَذَلِكُمْ مَثَلِى وَمَثَلُكُمْ أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ هَلُمَّ عَنِ النَّارِ هَلُمَّ عَنِ النَّارِ فَتَغْلِبُونِى تَقَحَّمُونَ فِيهَا » – صحيح مسلم .
معنى السماحة ( من خطبة الأوقاف ):
إن السماحة في الإسلام خُلق جامع يقوم على اللين، واليسر، وحُسن المعاملة، والتجاوز عن الزلَّات، وترك التعسير على الناس في الأقوال والأفعال والمعاملات، وهي شاملة لكل جوانب الحياة.
قال الإمام الطاهر بن عاشور: “السماحة: هي سهولة المعاملة فيما اعتاد الناس فيه المشادة، وقد اعتبروا السماحة أكملَ وصفٍ لاطمئنان النفس، وأعونَ على قبول الهدى والإرشاد، وجعلوها من أكبر صفات الإسلام؛ لوقوعها طرفًا بين الإفراط والتفريط، ونَعَتوها بالتيسير المعتدل الذي شهد له قوله سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]، ويؤكد هذا المعنى ما ترجم به البخاري لأحد أبوابه في “الصحيح” من قوله: “باب الدين يسر”، وما ذكره غير مرة الإمام مالك في “موطئه” عند تنويهه بهذا الوصف الكريم: “ودين الله يسر”، وذلك بعد استخلاصه لهذه الحقيقة من استقراء الشريعة”. [مقاصد الشريعة الإسلامية].
أهمية السماحة :
تميل النفس البشرية دائمًا إلى السماحة والسعة في كل شيء، وتضيق ذرعًا بالمشقة والعنت في كل شيء أيضًا، كما تميل هذه النفس إلى أولئك الناس الذين ينتهجون السماحة في حياتهم وتتعلق بهم أكثر من الذين ينتهجون خلاف ذلك.
رفع الحرج وأهميته في الرفق بالناس :
قال تعالى ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ الحج 78.، وقولـه أيضًا ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ البقرة:185، وقوله ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ النساء.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ ﴿إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ﴾ ﴿[1]﴾.
مهمة الداعية:
ومعلوم أن من أهم عوامل نجاح الدعوة إلى الله – تعالى – أن يألف الناس الداعية ويحبوه ، وذلك من خلال فهمه لدين الله – تعالى – وطريقته لنقل هذا الدين بالصورة التي أرادها الله – تعالى – ورسوله عليه الصلاة والسلام ، وهو أمر ضروري في الدعوة ، فإن كان الداعية ممن ينتهجون السماحة والسعة في تبليغ الإسلام ومبادئه ، ولا يحمل الناس فوق طاقاتهم كما كان يفعل الرسول عليه الصلاة والسلام ، فإنه على خير ودعوته تسير نحو النجاح والتوفيق ، وأما إذا شدد على الناس وكلفهم بما لا يطيقون ، كأن ينكر عليهم كل شيء ولو كان مباحًا ، ويحرم عليهم ما لم يحرمه الله ورسوله r ، فإن هذا الداعية إنما ينفخ في الهواء ويسير نحو الفشل المؤكد ، لأنه بذلك خالف الشرع وطبائع البشر ، وتجاهل فطرهم ورغباتهم وحاجاتهم.
نبي السماحة صلى الله عليه وسلم :
إننا نعيش أيامًا مباركة نستحضر فيها ذكرى مولد سيد الخلق، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أرسله الله رحمة للعالمين، ومَن تدبَّر سيرته العطرة، وجد أن من أهم ما يميز شخصية النبي صلى الله عليه وسلم السماحة، تلك السماحة التي كانت منهجًا ثابتًا في معاملاته، في بيته، مع أصحابه، مع أعدائه، ومع من أساء إليه. وكان سمحًا في الدعوة إلى الله، فلم يُكره أحدًا على الإسلام، بل دعا بالحكمة والموعظة الحسنة؛ إنه نبي السماحة؛ في القول والعمل، في العبادة والمعاملة، في السلم والحرب.
لقد كان سيدنا محمد صلى الله عليه “ليس بفظٍّ ولا غليظٍ، ولا صَخّابٍ في الأسواق، ولا يدفعُ بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، بعثه الله مبشرا ونذيرا، وجعل السكينة لباسه، والبرَّ شعاره، والتقوى ضميرَهُ، والحكمةَ مَقُولَه، والصدقَ والوفاءَ طبيعته، والعفوَ والمعروف خلقه، والعدل سيرته، والحق شريعته، والهدى إمامه، والإسلام ملته”. [الشفا بتعريف حقوق المصطفى].
قال الله (جل وعلا) في حقه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الانبياء107) وقال: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة 128) ويقول صلى الله عليه وسلم: “إنَّما أنا رَحْمةٌ مُهْداةٌ”، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ أنَّ النبي ﷺ قال: (إِنَّ اللَّهَ لم يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، ولا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا) أخرجه مسلم. ويقول: “إِنَّكُمْ أُمَّةٌ أُرِيدَ بِكُمُ الْيُسْرُ” (رواه أحمد) ويقول: “إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ ” (رواه أحمد)، وعَنْ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ السُّلَمِيِّ، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “إِنَّ اللهَ (تَعَالَى) رَضِيَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْيُسْرَ، وَكَرِهَ لَهَا الْعُسْرَ” قَالَهَا ثَلَاثًا (رواه الطبراني، في الكبير) .
كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقاً وأدباً وأكرمهم و أتقاهم وأنقاهم معاملة . قال عنه ربه عز وجل مادحاً وواصفاً خُلقه الكريم صلى الله عليه وسلم “وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ “(القلم/4).
وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت:”ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم “(الطبراني في الأوسط بإسناد حسن).
وعن عائشة لما سئلت رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام ، قالت : “كان خلقه القرآن”( مسلم).
قال جلَّ وعلا: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34]، وفي الحديث: “يا عائشة، ارفقِي؛ فإن الله إذا أرادَ بأهلِ بيتٍ خيرًا دَلَّهُم على باب الرِّفق”… وجاءَ في صحيح مُسلم قال صلى الله عليه وسلم: «يدخُلُ الجنةَ أقوامٌ أفئدتهم مثل أفئدة الطير».
فاق النبيين في خَلقٍ وفي خُلـُقٍ *** ولم يدانوه في علمٍ ولا كـــــــــــرمِ
وكلهم من رسول الله ملتمــــسٌ *** غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
كيف كانت سماحة النبي ورحمته بالعصاة والمذنبين ؟
مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا:
روي البخاري عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ »
عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ r وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، فَقَالَ: اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ فَجَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ: ارْمِ وَلاَ حَرَجَ فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ r عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ﴾ ﴿[2]﴾.
وفي حديث الرجل الذي باشر زوجته في نهار رمضان قال له : “تصدق بهذا” قال: على أحوج منا يا رسول الله؟! فوالذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا؟ فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، قال: “فأنتم إذاً” [رواه البخاري].
عَنِ ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنه-، أن رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ((إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ)).
القول اللين مع من حجر واسعاً :
قال تعالى ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ النحل 125.
وقال تعالى: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أوْ يَخْشَى﴾ ﴿طه 44﴾.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ r جَالِسٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ r: ﴿ لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا ﴾.
الموعظة الحسنة مع المتشددين :
إن أي تشدد زائد في تطبيق أحكام هذا الدين وتكاليفه، وأي تجاوز للخط الذي رسمه الله – تعالى – لعباده، سيعرض صاحبه للوقوع في الحرج والمعصية، وقد بيّن ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام لأولئك النفر الذين حاولوا أن يكلفوا أنفسهم ما لا تطيق، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t، قَالَ:﴿ جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ r يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ r، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ r، قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؛ قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا؛ وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ؛ وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ r، فَقَالَ: أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؛ أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ للهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي﴾ ﴿[3]﴾.
كان الصحابة صفوفاً خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة، فعطس أحدهم، فقال له رجل: يرحمك الله، وهم في الصلاة! فضرب الصحابة على أفخاذهم، أي اسكت، قال: واثكل أمي؟ ماذا فعلت؟ قالوا: اسكت! وهم في الصلاة، حتى انتهوا من صلاتهم، فدعاه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أجلسه بجواره، وابتسم في وجه فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن” [رواه مسلم.
تطييب الخاطر ومنع الجدال :
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَلَغَ صَفِيَّةَ أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ: بِنْتُ يَهُودِيٍّ فَبَكَتْ فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ؟» فَقَالَتْ: قَالَتْ لِي حَفْصَةُ: إِنِّي ابْنَةُ يَهُودِيٍّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: «إِنَّك ابْنة نَبِيٍّ وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟» ثُمَّ قَالَ: «اتَّقِي اللَّهَ يَا حَفْصَة» ([4]).
فلو سأل حفصة كيف وصفتها بأنها ابنة يهدودي لقالت : ما كذبت فأبوها يهودي ، فمنع الجدال وأشار الى أبوة حفصة ترجع الى موسى عليه السلام ، وأن عمها هارون عليه السلام فهذا لا جدال فيه .
مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ ولو كانت زوجته :
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ([5]) (نيل منه) أي أصيب بأذى من قول أو فعل (إلا أن ينتهك) استثناء منقطع معناه لكن إذا انتهكت حرمة الله انتصر لله تعالى وانتقم ممن ارتكب ذلك وانتهاك حرمته تعالى هو ارتكاب ما حرمه.
فمثلا في قصة خروجه للبقيع ليلا: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ أُمِّي قَالَ: فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ أُمَّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: قَالَتْ: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا عِنْدِي، انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ، وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَاضْطَجَعَ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا، وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ، ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا، فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي، وَاخْتَمَرْتُ، وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي، ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ، حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ، فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ، فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ، فَلَيْسَ إِلَّا أَنِ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ، فَقَالَ: «مَا لَكِ؟ يَا عَائِشُ، حَشْيَا رَابِيَةً» قَالَتْ: قُلْتُ: لَا شَيْءَ، قَالَ: «لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: «فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي؟» قُلْتُ: نَعَمْ، فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي، ثُمَّ قَالَ: «أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟» قَالَتْ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ، نَعَمْ، قَالَ: ” فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ، فَنَادَانِي، فَأَخْفَاهُ مِنْكِ، فَأَجَبْتُهُ، فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ، وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي، فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ “، قَالَتْ: قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ ” قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ ” ([6]).
وما ضرب أحد ظلما ولو كان في قتال :
ومن سماحة الإسلام حتى بالكافرين الذين يحاربون أهل الإسلام، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه أن لا يحاربوهم حتى يُعلنوهم، ويدعونهم إلى دين الله عزَّ وجلَّ، وإذا حاربوهم يقول لهم:”اغزوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغْلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة ولا تقربوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً” (رواه ابو داوود) .
ربّاك ربك جل من رباكا ورعاك في كنف الهدى وحماكا
سبحانه أعطاك فيض فضائل لم يعطها في العالمين سواكا
حذر من الدعاء على العاصي وان أقيم عليه الحد :
ففي الحديث :{ أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، قَالَ: اضْرِبُوهُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ. قَالَ: لا تَقُولُوا هَكَذَا، لا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ } (البخاري وأبو داود والإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه).
أي يطلب منهم أن يقولوا له بدلاً من ذلك: هداك الله، أصلح شأنك الله، تاب عليك الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان رحمة مهداة لكل خلق الله، ومَن معه من جنود هذه الرحمة الإلهية من الصحابة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين.
وروي أيضاً:
{أَنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لا تَلْعَنُوهُ، إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (البخاري والبيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه).
أخذ عقل العاصي الى آفاق جديدة :
عن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – كان يقبض للناس في ثوب بلال يوم حنين يعطيهم، فقال إنسان من الناس: اعدل يا محمد، فقال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ويلك، إذا لم أعدل فمَن يعدل؟! لقد خبت وخسرت إن لم أعدل))، قال: فقال عمر – رضوان الله عليه -: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فقال – صلَّى الله عليه وسلَّم – معاذَ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابًا له يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإن له أصحابًا يحقِر أحدكم صلاته عند صلاتهم، وقراءته عند قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يخرجون على حين فرقة من الناس، يقتلهم أَوْلَى الطائفتين بالحق، آيتهم المخدج – يعني: ذا الثديَّة))، فكان الأمر كما أخبر؛ فإن الرجل المذكور وأصحابه خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – بعد حرب صفين.
وهكذا مع الشاب الذي قال له : ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، قالوا: مه مه، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ادْنُه ، فدنا منه قريبا، فجلس، قال : أتحبه لأمك ؟، قال: لا والله ، جعلني الله فداءك، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال : أفتحبه لابنتك ؟، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال : ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال : أفتحبه لأختك ؟، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال : أفتحبه لخالتك ؟، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، ثم وضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء ) رواه أحمد ) .
أمر بستر العاصي :
كثرت النصوص النبوية التي تحثُّ على ستر المسلم، وتحذر من تتبُّع عوراته وزلاَّته، ومن ذلك قوله – صلَّى الله عليْه وسلم -: ( مَن ستر مسلمًا ستَرَه الله يوم القيامة ) رواه البخاري ).
قال ابن حجر عند شرح قوله – صلى الله عليه وسلم -: ( مَن ستر مسلمًا ) : ” أي: رآه على قبيحٍ فلم يُظهِره، أي للناس، وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه فيما بينه وبينه ” .
وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي – صلَّى الله عليْه وسلم -: ( مَن ستَر عورةَ أخيه المسلم، ستر الله عورته يومَ القيامة، ومَن كشفَ عورة أخيه المسلم، كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته ) رواه ابن ماجه . وعن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من علم من أخيه سيئة فسترها عليه ستر الله عليه يوم القيامة ) رواه أحمد ) .
الأصل فيمن رأى المنكر أن يقوم بالإنكار على فاعله مع الستر عليه وعدم التشهير به، لما ورد في قصة ماعز ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لرجل من أسلم يقال له هزال: يا هزال لو سترته بردائك لكان خيراً لك ) رواه الطبراني ) .
فهذا فيمن لم يكن مجاهراً بالمعصية، فإذا كان مجاهراً ومفتخرا بالمعصية فإنه يجوز الكلام عنه لردعه وردع غيره حتى لا تنتشر الذنوب ولا يُتهاون بشأن المعصية ..
قال الحافظ في الفتح: ” وقد ذكر النووي أن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به، دون ما لم يجاهر به ” …
ايا عبد كم يراك الله عاصيا حريصا على الدنيا وللموت ناسيا
انسيت لقاء الله واللحد والثرى ويوما عبوسا تشيب منه النواصيا
لو ان المرء لم يلبس ثيابا من التقى تجرد عريانا ولو كان كاسيا
ولو ان الدنيا تدوم لاهلها لكان رسول الله حيا وباقيا
ولكنها تفنى ويفنى نعيمها وتبقى الذنوب والمعاصى كما هى
عدم تعجله في إقامة الحدود:
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِى. فَقَالَ « وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ ». قَالَ فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ ». قَالَ فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِى. فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَتِ الرَّابِعَةُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فِيمَ أُطَهِّرُكَ ». فَقَالَ مِنَ الزِّنَى. فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَبِهِ جُنُونٌ ». فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ. فَقَالَ « أَشَرِبَ خَمْرًا ». فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَزَنَيْتَ ». فَقَالَ نَعَمْ. فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فِرْقَتَيْنِ قَائِلٌ يَقُولُ لَقَدْ هَلَكَ لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ وَقَائِلٌ يَقُولُ مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَوَضَعَ يَدَهُ فِى يَدِهِ ثُمَّ قَالَ اقْتُلْنِى بِالْحِجَارَةِ – قَالَ – فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُمْ جُلُوسٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ « اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ ». قَالَ فَقَالُوا غَفَرَ اللَّهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ.
– قَالَ – فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ ». قَالَ ثُمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنَ الأَزْدِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِى. فَقَالَ « وَيْحَكِ ارْجِعِى فَاسْتَغْفِرِى اللَّهَ وَتُوبِى إِلَيْهِ ». فَقَالَتْ أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِى كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ. قَالَ « وَمَا ذَاكِ ». قَالَتْ إِنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَا. فَقَالَ « آنْتِ ». قَالَتْ نَعَمْ. فَقَالَ لَهَا « حَتَّى تَضَعِى مَا فِى بَطْنِكِ ». قَالَ فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ قَالَ فَأَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ قَدْ وَضَعَتِ الْغَامِدِيَّةُ. فَقَالَ « إِذًا لاَ نَرْجُمَهَا وَنَدَعَ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ ». فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ إِلَىَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ. قَالَ فَرَجَمَهَا﴾ صحيح مسلم
وعن أَبى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ r: ” دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ ” – صحيح البخاري .
التلطف والنصح في صورة مزاح لطيف :
عن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – كان يقبض للناس في ثوب بلال يوم حنين يعطيهم، فقال إنسان من الناس: اعدل يا محمد، فقال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ويلك، إذا لم أعدل فمَن يعدل؟! لقد خبت وخسرت إن لم أعدل))، قال: فقال عمر – رضوان الله عليه -: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فقال – صلَّى الله عليه وسلَّم – معاذَ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابًا له يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإن له أصحابًا يحقِر أحدكم صلاته عند صلاتهم، وقراءته عند قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يخرجون على حين فرقة من الناس، يقتلهم أَوْلَى الطائفتين بالحق، آيتهم المخدج – يعني: ذا الثديَّة))، فكان الأمر كما أخبر؛ فإن الرجل المذكور وأصحابه خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – بعد حرب صفين.
كان النبي صلى الله عليه وسلم نموذجا في الرحمة ليس مع أصحابه فقط، ولكن في التعامل مع أعدائه والعصاة أيضا، فمن هديه صلى الله عليه وسلم مع العصاة، الأخذ بيد العاصي، يستر عورته، ويقيل عثرته، ويعينه على شيطان نفسه.. لا يعنف، لا يعير، لا يجرح، ولا يثرب .
فعن خوات بن جبير قال: “نزلْنا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مرَّ الظَّهرانِ، قالَ: فخرجتُ من خِبائي، فإذا نسوةٌ يتحدَّثْنَ فأعجبَنني، فرجعتُ فاستخرجتُ عَيبتي فاستخرَجْتُ مِنها حُلَّةً فلبستُها، وجئتُ فجلستُ معهنَّ. فخرجَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: «أبا عبدِ اللَّهِ» ! فلمَّا رأيتُ رسولَ اللَّهِ هبتُهُ واختلطتُ، قلتُ: يارسولَ اللَّهِ جملٌ لي شرَدَ وأنا أبتغي لهُ قيدًا، فمضى واتَّبعتُهُ، فألقى إليَّ رداءَهُ ودخلَ الأراكَ ـ كأنِّي أنظرُ إلى بياضِ متنِهِ في خُضرةِ الأراكِ ـ فقضى حاجتَهُ وتوضَّأَ، وأقبلَ والماءُ يسيلُ من لحيتِهِ، فقالَ: «أبا عبدِ اللَّهِ ما فعلَ شِرادُ ذلكَ الجمَلِ» ؟! ثمَّ ارتحَلنا فجعلَ لا يلحقُني في المسيرِ إلَّا قالَ: «السَّلامُ عليكَ أبا عبدِ اللَّهِ»! ما فعلَ شرادُ ذلكَ الجملِ؟! فلمَّا رأيتُ ذلكَ تعجَّلتُ إلى المدينةِ واجتنبتُ المسجِدَ ومجالسةَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فلمَّا طالَ ذلكَ تحيَّنتُ ساعةَ خَلوةِ المسجدِ، فخرجتُ إلى المسجدِ وقمتُ أصلِّي، وخرجَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مِن بعضِ حُجَرهِ فجاءَ فصلَّى ركعتينِ خفيفتينِ، وطوَّلتُ رجاءَ أن يذهبَ ويدعَني. فقالَ: «طوِّلْ أبا عبدِ اللَّهِ ما شئتَ أن تطوِّلَ فلستُ قائمًا حتَّى تنصَرِفَ». فقلتُ في نفسي واللَّهِ لأعتذرنَّ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فلمَّا انصرفتُ قالَ: «السَّلامُ عليكَ أبا عبدِ اللَّهِ! ما فعلَ شرادُ ذلِكَ الجملِ» ؟! فقلتُ: والَّذي بعثَكَ بالحقِّ ما شردَ ذلكَ الجملُ منذُ أسلَمتُ. فقالَ: «رحِمَكَ اللَّهُ»ثلاثًا.. ثَمَّ لم يعُدْ لشيءٍ ممَّا كانَ”..
التسامح مع أهل الكتاب :
وتسامح الرسول مع أهل العهد والذمة أمر بالغ العظمة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». [رواه أبو داود].
الواجب علينا :
القصد القصد :
فلقد أخبرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- بالرفق واليسر في أمور ديننا في أحاديث كثيرة وأرشدنا القصد في الأخذ بها وترك الغلو والتفريط، فقال-صلى الله عليه وسلم-: ((القَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا))
الحث على التوبه :
إن العصاة والمذنبين بحاجة خاصة أن نأخذ بيدهم ولا أن نتركهم واقعا، أو نهيل عليهم التراب فنكون عونا للشيطان عليهم. وسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأحاديثه عامرة برحمته مع هؤلاء. ومن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم – مع العصاة والمذنبين مهما ارتكبوا من ذنوب أن نفتح لهم أبواب الأمل والرجاء والطمع في رحمة الله وعفوه. فعن أنس قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدا فأقمه علي، قال : ولم يسأله عنه، وحضرت الصلاة فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم فيَّ كتاب الله. قال: أليس قد صليت معنا؟ قال: نعم، قال: فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال: حدك “[ متفق عليه. اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (3/ 244)] فانظر لم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن طبيعة الذنب وتفاصيله ، بل انتقل من الذنب إلى العلاج، دون أن يقف مع طبيعة الذنب منعا لإحراجه، وسترا عليه.
الدعاء :
قصدتُ بابَ الرجا والناسُ قد رقدُوا *** وقمتُ أشكُو إلى مولايَ مـا أجـدُ
وقلتُ يـا أملِـى في كـلِّ نائبـةٍ يا *** مَن عليهِ لكشـفِ الضـرِّ أعتمـدُ
أشكُو إليـك أمـورًا أنـت تعلمُهَـا *** ما لِي على حملهَا صبـرٌ ولا جلـدُ
مــددتُ يدي بـالـذلِّ مفـتـقـرًا *** يـا خيرَ مَـن مُـددتْ إليـه يــدُ
فـلا تردنَّـهَـا يـا ربـِّى خائـبـةً *** فبحرُ جودٍك يروِى كلَّ مَـن يـردُ
تم البحث بحمد الله
اخر شهر 8 عام 2025 .. الشيخ رضا