المرأة والقيم.. قراءة في أفق إنساني جامع
26 أغسطس، 2025
بناء الأسرة والمجتمع
بقلم أ.د/ مها محمد عبد القادر أستاذ أصول التربية كلية
التربية للبنات بالقاهرة – جامعة الأزهر
المرأة كانت وما تزال فاعلًا قيميًا محوريًا في صياغة ضمير المجتمعات، وحارسة للقيم الإنسانية التي تأسست عليها العلاقات البشرية عبر العصور، فهي التي تغرس القيم في الأسرة، وتعيد إنتاجها في المجتمع، لتمنح الأخلاق بعدها الإنساني، وتربط بين القيم الروحية ومقتضيات النهضة والتنمية، فدور المرأة يتجاوز التربية أو الرعاية، ليجعل منها ركيزة إنسانية جامعة تحفظ التوازن بين الأصالة والمعاصرة، وبين الهوية الوطنية والانفتاح على العالم، وأي قراءة موضوعية لدور المرأة تكشف عن كونها شريك في الحياة الاجتماعية، وقوة حضارية صانعة للنهضة، قادرة على وصل الماضي بالحاضر، وإضفاء روح إنسانية على مسيرة التنمية.
ويولد الإنسان مزوّدًا بإمكانات كامنة، غير أنها لا تتفتح ولا تنضج إلا من خلال التربية القيمية التي تبدأ في حضن الأم وتمتد إلى مؤسسات التنشئة المختلفة، والمرأة بحكم موقعها في الأسرة والمجتمع، تمثل أول مدرسة للقيم؛ فهي التي تغرس في الأبناء معاني الرحمة والصدق والمسؤولية والاحترام، وتشكل بذلك ملامح شخصية متوازنة قادرة على مواجهة التحديات وصناعة التغيير، ويتجاوز دور المرأة في بناء الإنسان حدود الرعاية أو التربية التقليدية، ليغدو دورًا إنسانيًا – قيميًا، يجعل منها شريكًا أصيلًا في صناعة المستقبل، وحارسة للهوية الثقافية والأخلاقية للمجتمع.
ويعد تمكين المرأة في ميادين التعليم والثقافة والعمل مطلب تنموي واستثمار جوهري في بناء الإنسان وترسيخ قيمه، وهو الشرط الأول لتحقيق نهضة حضارية شاملة ومستدامة، فالرؤية التربوية لدور المرأة تنطلق من كونها مُعلمة للحياة، تنقل القيم بالممارسة وتغرسها بالقدوة مع التوجيه، كما أن حضورها الفاعل في ميادين التعليم، والإعلام، والعمل، والقيادة المجتمعية يجعل منها فاعلًا مباشرًا في نشر ثقافة السلام والعدل والتسامح، وإعادة الاعتبار للقيم الإنسانية الكبرى.
كما أن المرأة، بوعيها ودورها الاجتماعي، قادرة على إعادة صياغة أنماط التفكير التقليدية التي تنتقص من إنسانيتها، وتحويلها إلى فرص لترسيخ قيم المساواة والكرامة والحرية في أفق إنساني جامع، يربط بين حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، وفي المجتمعات التي تدرك هذا الدور وتحتضنه، تتحول المرأة إلى قوة دافعة للتنمية الشاملة، لأنها تغذي البعد القيمي الذي يمنح التنمية معناها الإنساني، ويجعلها أكثر تجذرًا واستدامة، حيث يصبح تمكين المرأة وسيلة حضارية لإطلاق طاقات المجتمع، وحماية إنسانيته، وتعزيز مكانته في عالم تتسارع فيه التحديات وتتعاظم فيه الحاجة إلى القيم.
والحديث عن المرأة لا ينفصل بحال عن الحديث عن الإنسانية ذاتها؛ فكرامتها هي كرامة الإنسان، وحريتها انعكاس لحرية المجتمع، وإبداعها رافد أصيل من روافد نهضته وتقدمه، وحين ننظر إلى المرأة في أفق إنساني شامل، ندرك أنها منتِجة للقيم ومجددة لمضامينها، تحمل القدرة على وصل ما هو قيمي بما هو تنموي، وما هو إنساني بما هو حضاري، فهي التي تمنح مشاريع التنمية معناها الإنساني، وتمنعها من الانزلاق إلى مجرد حسابات مادية أو مؤشرات اقتصادية جافة.
فالمرأة هي نصف المجتمع ومسؤولة عن تشكيل النصف الآخر، فهي التي تنجب وتربي وتغرس القيم، لتصبح بذلك الروح النابضة وعنوان إنسانية المجتمع، فهي تضفي على الوجود بعده الأخلاقي، وتمنحه طاقته الروحية، وتربط نهضته بالقيم التي تصون كرامة الإنسان وتحمي إنسانيته، فالمرأة ركيزة في البناء الاجتماعي، وحين تعطى المرأة المكانة التي تستحقها في التربية والتعليم، وفي العمل والقيادة، وفي الثقافة والإبداع، يتحقق التوازن الدقيق بين الفرد والمجتمع، وبين الحاضر والمستقبل، فهي الجسر الذي يصل الحضارة بالقيم، والتنمية بالكرامة، والهوية بالانفتاح على العالم، وتمثل أن المرأة المعادلة القيمية والإنسانية الأخطر في بناء المجتمعات؛ فهي الجسر الذي يحفظ التوازن بين الأصالة والمعاصرة، وتربط بين القيم الراسخة وروح النهضة المتجددة، كما أن الهوية الحقيقية لا تكتمل إلا بانفتاحها على إنسانية شاملة، فالمرأة هي الفاعلة المركزية التي تنقل القيم من مجرد شعارات نظرية إلى ممارسة حيّة تترجم في التربية، والسلوك، والعمل، والإبداع.
وحين تدرك الأمم أن تمكين المرأة في جوهره شرط قيمي وحضاري لضمان نهضة أصيلة ومستدامة، فإنها تكون قد وضعت الأساس الصلب لمشروعها الحضاري، فتمكين المرأة يعني في الحقيقة تمكين الضمير الجمعي، وإطلاق طاقات المجتمع الروحية والفكرية والإبداعية، وتحويل القيم من مجرد مبادئ إلى قوة محركة للحياة والتنمية، ويمكن القول إن المرأة في هذا السياق حارسة للقيم التي تحفظ هوية الأمة، وهي أيضًا الترجمة الحية للإنسانية في أسمى صورها، حيث تمنح القيم بعدها الإنساني، وتمنح النهضة روحها الأخلاقية، وتمنح الإنسانية قدرتها على الاستمرار والتجدد.
ويتجلى هذا المعنى بأبهى صورة في الرؤية الإسلامية التي كرمت المرأة وارتقت بمكانتها، وجعلت كرامتها أساسًا لكرامة الإنسان، فقد رفع الإسلام من شأنها حين جعل بر الأم سبيلًا إلى الجنة، وأكد أن مشاركتها في ميادين الحياة عبادةٌ وعملٌ صالحٌ، وربط بين صلاح الأسرة وصلاح الأمة بقدر حضورها وفاعليتها، فالقرآن الكريم نظر إلى المرأة كشريك أصيل في صناعة القيمة الإنسانية؛ فوصف العلاقة بين الرجل والمرأة بأنها قائمة على المودة والرحمة، وجعل معيار التفاضل هو التقوى لا الجنس ولا النسب، وبهذا التأسيس وضع الإسلام قواعد حضارية كبرى تؤكد أن المرأة محور الأسرة، وفاعل قيمي وروحي يمد المجتمع بضميره الأخلاقي وهي الميزان الذي تقاس به إنسانية المجتمع، والشرط الذي تقوم عليه استقامة الحضارة وعدالتها، وهذا يوضح أن تمكين المرأة واجب قيمي وحضاري رسخته رسالة الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا، ليبقى ضمانةً لنهضة الأمة واستمرار إنسانيتها.