بقلم الدكتور: حاتم عبد المنعم
أستاذ علم الاجتماع البيئى بجامعة عين شمس
تمتد العدالة البيئية إلى التوزيع العادل أو الاقتسام المتساوي للتلوث ولكافة الأضرار البيئية، وهنا هناك مبدآن هامان في هذا المجال، وكلاهما ينبع من حقيقة أساسية وهي: “إن الظلم البيئي صناعة بشرية يصنعها الأغنياء ثم يعطونها للفقراء للعيش فيها والموت بداخلها” (Dorcetam, 2005). فالظلم حقيقة صناعة بشرية ناتجة عن أطماع البشر، ولمواجهة ذلك هناك مبدآن وهما:
المبدأ الأول: الملوث هو الذي يدفع ثمن تلوثه
إن تطبيق هذا المبدأ يبدأ بدراسات علمية لكافة أنواع ودرجات ومخاطر التلوث، وتحديد وحدة معترف بها للتلوث، وفي ضوئها يمكن تحديد كمية التلوث الناتجة عن كل آلة أو مركبة أو مصنع. فمثلاً السيارة الصغيرة ينتج عنها 500 وحدة تلوث، مقابل 1000 وحدة للسيارات الكبيرة، و2000 وحدة مثلاً للسيارات النقل. وهكذا يتم تقدير التلوث لكافة الأنشطة الصناعية والخدمية والنقل وغيرها (Perry, 2003).
بعد هذه الخطوة تترجم كمية التلوث الناتج عن أي آلة أو مصنع أو غيره إلى نقود أو ضريبة مالية. فمثلاً السيارة الصغيرة التي ينتج عنها 500 وحدة تلوث تدفع ضريبة سنوية قدرها 500 جنيه، والسيارة التي تنتج ألف وحدة تلوث تدفع ألف جنيه، وهكذا للمصانع والماكينات والسخانات وغيرها. وهذا هو مبدأ “الملوث هو الذي يدفع ثمن تلوثه”.
هناك الآن ضريبة الكربون، وهذا بالتالي يفرض سؤالاً لابد من الإجابة عليه، وهو: ماذا سيترتب على ذلك من آثار؟ أهم هذه الآثار ما يلي:
1. توفير حصيلة مالية ضخمة من ضرائب التلوث يُستفاد بها في مشروعات حماية البيئة نتيجة المتاجرة بالتلوث.
2. انخفاض التلوث تدريجياً نتيجة لارتفاع سعر التلوث؛ فالسيارة الكبيرة التي لها ضرائب كبيرة سيقل استخدامها، وكذلك غيرها من الوسائل الملوثة، مما يؤدي في النهاية إلى الحد من التلوث، وهذا مكسب آخر.
3. تشجيع استخدام التكنولوجيا النظيفة مثل الطاقة الشمسية واستخدامها في تسخين المياه وغيرها، لعدم وجود ضرائب عليها، مما سيؤدي تدريجياً لإحلال الطاقة النظيفة محل الطاقة الملوثة، والإقلال من التلوث، وانتشار التكنولوجيا النظيفة.
4. تحقيق العدالة البيئية لأن الملوث الحقيقي هو الذي سيدفع ثمن تلويثه، وليس المواطن العادي. فمصانع الأسمنت مثلاً ستدفع ضريبة وتركيب فلاتر، ويقل التلوث، ويتحمل المسئول عن المصنع ذلك، وليس المواطن الذي كان يسكن بالقرب من المصنع ويدفع من صحته ثمن هذا التلوث قبل تطبيق هذا القانون (Skinner, 2010).
بدون تطبيق هذا المبدأ، يستفيد الملوث، وهو عادة من الأثرياء مثل أصحاب المصانع أو السيارات الفارهة أو المكيفات الكثيرة، ويتضرر الفقير والمجتمع عموماً، ومن هنا أهمية تطبيق مبدأ “الملوث هو الذي يدفع الثمن”.
المبدأ الثاني: قانون القيمة المضافة للتلوث
هذا المبدأ مرتبط بالتقييم البيئي الشامل لكافة المشروعات قبل السماح لها بالعمل، لدراسة وتقييم الإيجابيات والسلبيات المرتبطة بالمشروع، من منظور بيئي شامل لكافة الأبعاد الصحية والاقتصادية والاجتماعية والفيزيائية.
لا يتوقف عند ذلك فقط، بل يمتد لدراسة أثر ذلك على المكان والزمان. فمثلاً، عند إقامة مصنع للأسمنت في منطقة صحراوية واسعة وقليلة السكان، قد يكون من السلبيات المتوقعة إصابة عدد محدود من السكان بحساسية الصدر. ولكن نفس المصنع لو أقيم في منطقة عشوائية مزدحمة بالسكان وبها مصانع أخرى ملوثة أو أنشطة ملوثة أخرى في نفس التوقيت، فهناك قيمة مضافة من تجمع عدة ملوثات في وقت ومكان واحد مزدحم، مما قد يؤدي لأمراض خطيرة.
من هنا تأتي أهمية تعميم دراسة تقييم الأثر البيئي والاجتماعي لأي مشروع قبل تنفيذه (Perry, 2003). ومناطق الفقراء والمناطق المزدحمة لا تحتمل مزيداً من الملوثات، ومن العدل إنصافها والحد من الملوثات بها، وليس زيادتها.
العدالة البيئية تشمل كل كائن حي في هذا الكون
يقول الرسول ﷺ: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها”، وهذا الحديث يؤكد حرص الإسلام على نشر الخضرة والتشجير حتى عند قيام الساعة، حين يذهل كل إنسان وكل أم حتى عن رضيعها، في تلك الساعة الرهيبة.
كما نهى الإسلام عن قطع الشجر حتى في الحروب ومع الأعداء، وتمتد هذه الرحمة إلى الحيوان، ويقول المولى الكريم:
وفي حديث عن رسول الله ﷺ: “بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها وشرب، ثم خرج فإذا بكلب يلهث، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له”، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجر؟ قال: “نعم، في كل كبد رطبة أجر” (رواه الشيخان).
وقال رسول الله ﷺ: “دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض” (رواه البخاري).
ولقد أصدر عمر بن عبد العزيز، خامس الخلفاء الراشدين، أمراً بأن أقصى وزن للتحميل على البعير 600 رطل فقط، رفقاً بالحيوان، ومن يتجاوز ذلك يعاقب (خالد محمد خالد، 1974، ص774).