خطبة الجمعة القادمة «نعمة المياه مقوم أساس الحياة» ج١للشيخ أحمد عزت حسن

خطبة الجمعة القادمة «نعمة المياه مقوم أساس الحياة» ج١
للشيخ أحمد عزت حسن

 ٧ من صفر ١٤٤٧هـ الموافق الأول من أغسطس ٢٠٢٥م

العناصر:
أولًا: الماء مِنْ أجلِّ نِعَمِ اللهِ على الإنسانِ
ثانيًا: حديث القرآن الكريم عن الماء
ثالثًا: النهي عن الإسراف في استعمال الماء

الموضوع
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا”، وبعد،

إنَّ نِعَمَ اللهِ على الإنسانِ لا يَحدُّها حَدٌ، ولا يُحصيها عَدٌّ، ولا يُستثنَى مِنْ عُمومِها أَحَدٌ، فَهِيَ نِعَمٌ عامَّةٌ، سابغةٌ تامّةٌ، يقولُ اللهُ -سبحانه وتعالى-: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النَّحْلِ: ١٨]، ويقولُ جلَّ شأنُه: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لُقْمَانَ: ٢٠]،

ومِنْ أجلِّ نِعَمِ اللهِ على الإنسانِ وأعظمِها وكُلُّها جليلةٌ وعظيمة نِعْمَةُ الماءِ، وكيفَ لا والماءُ مَصدَرُ الحياة؟

فالجميع يعلم أهمية الماء في حياة الإنسان والحيوان والنبات؛ حيث أن الإنسان بدوره يعتمد على النبات والحيوان كمصدر غذاء له ودونهما ستفنى الحياة؛ لذلك لا يمكن التخلي عن أحدهم خلال دورة الحياة التي نعيشها.

فهذا الماء المبارك لا تستغني عنه جميع الكائنات، فلا غذاء إلا بالماء، ولا نظافة إلا بالماء، ولا دواء ولا زراعة ولا صناعة إلا بالماء، هو الثروة الثمينة، فالبلاد التي بلا ماء تُهجر، ولا تُسكن!.

فقد جعله الله سبحانه نعمة تهب الحياة وتديمها وتطهر البشر والأرض، وأن الماء إن كان مهما في حياتنا فإنه بالتأكيد أكثر أهمية في حياة الحيوان والنبات الذي تعتمد عليه جميع النباتات مع اختلاف أنواعها عليه بكميات متفاوتة؛ حيث أن هنالك مجموعة من النباتات التي لا تخرج ثمارها إلا بعد سقيها بكميات كبيرة من المياه كالأرز، وعلى النقيض ستجد أن هنالك نباتات أخرى تحتاج إلى القليل من المياه لترتوي بها كالصبار، ولكن لا يوجد أي نبات لا يحتاج إلى الماء وإن وجدت نباتات تنمو من ذاتها دون ريّها عليك أن تعلم أن تلك النباتات استمدت المياه من الأرض باستخدام جذورها ومن ثم وزعتها إلى باقي الأجزاء.

أما بالنسبة للحيوان فإن الماء لا يقل أهمية له عن باقي الكائنات الحية بل تتفاوت الكميات من حيوان لآخر كالنبات، فتجد أن الحيوانات التي تدر بالألبان أكثر من تحتاج إلى شرب المياه، وحتى تقوم الحيوانات ببلع وهضم الطعام الذي تناوله تحتاج إلى المياه لتقوم بذلك، فهو سر الوجود، وأرخص موجود، وأغلى مفقود، وأساس الحياة. وقديمًا قال العرب: “الماء أهون موجود وأعز مفقود”

ثانيًا: حديث القرآن الكريم عن الماء
إنَّ عَرْضَ القرآن الكريم للماء أبلغ كلام في أهميته وضرورته، فإنَّه جَلَّ وعلا ذكر لنا أنَّ كلَّ المخلوقات من الماء.

ولأهميَّةِ المياهِ وعظيمِ قَدْرِها وجليلِ أمرِها حفلَ القرآنُ الكريمُ بذكرِها والتنويهِ بشأنِها في مَعرِضِ الحديثِ عَنْ نِعَمِ اللهِ -تبارك وتعالى- على الإنسان، وتحدَّثَ عنها نازلةً منَ السماء، أو خارجةً مِنَ الأرضِ أو مُختَزنةً فيها لِوَقْتِ الحاجةِ، وقد ورد ذكر الماء في كتاب الله ثلاثًا وستين مرَّةً، وذكر فيه عدَّة أوصاف للماء النقي الذي تتحقَّق فيه الحياة التي قرَّرها ربُّ العزة له، فذكر صفات: الطهور، المبارك، الغدق، الفرات، الثجاج.
يقولُ اللهُ -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ) [الزُّمَرِ: ٢١]،
ويقول جل شأنه: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ) [الْمُؤْمِنَونَ: ١٨].

٢- يخبرنا الله جلا شأنه بأن الماء أكثر صلة بالحي وأعظم شيء ينتمي إليه وبأنه خلق كل الكائنات منه ويؤيد هذا بقوله سبحانه وتعالى: ﴿والله خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ الله مَا يَشَاءُ إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [النور: ٤٥]

يقول الله تعالى بأنه قد خلق كل ما يدب على الأرض من ماء، والدابة: اسم لكل حيوان ذي روح، فالماء أصل خلقه، ومن هذه الدواب من يمشي زحفًا على بطنه كالحيات ونحوها، ومنهم من يمشي على رجلين كالإنسان والطيور، ومنهم من يمشي على أربع كالبهائم ونحوها، والله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء، وهو قادر على كل شيء.، ويقولُ الرسولُ -ﷺ-: “كلُّ شيءٍ خُلِقَ مِنْ ماء”.

٣* لولا الماءُ ما كان إنسانٌ وما عاش حيوانٌ وما نبت زَرْعٌ أو شَجَر، فمِنَ الماءِ يَشربُ الإنسانُ ومنهُ يَخرجُ المَرعَى، وبهِ تُكْسى الأرضُ بِساطًا أَخضرَ؛ فتبدو للناظرين أَجْملَ وأَنضرَ، يقولُ اللهُ -تعالى-: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ١٠-١١]،
وهذا يدل على أهمية نعمة المياه وعظيم قدرها، فلولا نعمة الماء لما كان في هذه الحياة إنسان، وما عاش حيوانٌ، وما نبت زَرْعٌ أو اخضر شَجَر، فمنه تشرب ومنه يخرج المرعى، وبه تكسى الأرض بساطًا أخضرَ، وتكون للناظر أحلى وأجمل.

٤- الله تعالى شبه الدنيا بالماء فيقول تعالى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَيَاةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا يَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَٰامُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَاهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَاهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَاتِ لِقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ﴾ يونس: ٢٤.
وفي سورة الكهف يقول جلا وعلا: ﴿وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلَ ٱلۡحَياةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ فَأَصۡبَحَ هَشِيمٗا تَذۡرُوهُ ٱلرِّيَاحُۗ وَكَانَ الله عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقۡتَدِرًا﴾ الكهف: ٤٥.

فلماذا شبه الله تعالى الدنيا بالماء؟
إن المتأمل في الآيات يجد شبهًا كبيرًا بين الدنيا والماء

– الماء: لا يستقر في موضع وكذلك الحياة الدنيا لا يستقر حالها لأهلها.
– الماء: يتغير والدنيا كذلك.
– الماء: لا يبقى والدنيا كذلك.
– الماء: لا يقدر أحد أن يدخله ولا يبتل به، والدنيا كذلك لا يسلم أحد من فتنتها بالمال والأولاد.

– الماء: إذا كان بقدرٍ كان نافعًا وإذا جاوز الحد كان ضارًا ومهلكًا، وكذلك الدنيا.

٥* تحدَّث الله سبحانه وتعالى عن نعمته وقدرته في الماء وخَلْقِه وعمله، وكيف أنه حيوي لكل كائن حيٍّ، فقال سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} [الأنعام: ٩٩].

٦* وبالماء كانت حياة الأرض وحياة الكائنات عليها، وبغير الماء تموت الأرض وتموت الكائنات عليها، وتلك آية لكلِّ عاقل. قال سبحانه وتعالى: {… وَمَا أَنْزَلَ الله مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: ١٦٤]،

٧* وبالماء الواحد تخرج الثمرات المتنوِّعة المتكاثرة، تلك الحقيقة التي كرَّرها القرآن كثيرًا، وبعدَّة أساليب فقال سبحانه وتعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: ٤]،
وقال عز وجل:{وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} [طه: ٥٣-٥٤].

٨* لهذا كان الاستنكار الإلهي شديدًا على مَنْ ينسى هذه الحقائق الواضحة والجلية؛ فيَنْسَى اللهَ أو يُشرك معه غيره، قال سبحانه وتعالى:{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النمل: ٦٠].

٩* إنَّ من الناس مَنْ تَعوَّدُوا وجود النعمة وأَلِفُوها؛ فهم تحت تأثير هذا الإِلْفِ وهذهِ العادةِ قد ينسون قدرها؛ لأنها دائمًا حاضرةٌ بين أيديهم، فينسون شكرها، ونعمة الماء لو فقدت -ولو لزمن يسير- حينها يعلم العبد عظيم فضل الله عليه، وأن فقدها جسيم، فذَكَّر الله عز وجل أقوامًا كفروا به بنعمه؛ ليُعِيدَ إليهم تلك الحقيقة التي غابت عنهم، فيقول عز وجل: ماذا لو غاص الماء في أعماق الأرض، من يأتيكم بماء يجري بين أيديكم؛ قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك: ٣٠]،

١٠* كذلك عذوبة الماء نعمة فلو كان مِلحًا أُجاجًا فمن يستسيغه وينتفع به، قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ، لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ﴾ [الواقعة: ٦٩-٧٠]. فهي نعمة تستوجب شكر الله وحمده.

١١* وإنزال الماء أمر بيد الله تعالى، لا بيد غيره، فهو القائل: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ [الحجر: ٢٢]،

١٢* جعل الله تعالى من أدلة وقوع البعث بعد الفناء بإحياء الأرض بعد موتها بالمطر والنبات: قال تعالى: ﴿وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ هَامِدَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡ وَأَنۢبَتَتۡ مِن كُلِّ زَوۡجِۢ بَهِيجٖ ذَٰلِكَ بِأَنَّ الله هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّهُۥ يُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَأَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وأن الساعة آتية لاريب فيها وأن الله يبعث مَن في القبور﴾ الحج: ٥-٧.

-وقال تعالى: ﴿وَمِنۡ آياتِهِۦٓ أَنَّكَ تَرَى ٱلۡأَرۡضَ خَاشِعَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡۚ إِنَّ ٱلَّذِيٓ أَحۡيَاهَا لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰٓۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ﴾ فُصِّلَت: ٣٩.

١٣* وانظر إلى أهل النار وهم يستغيثون بأهل الجنة طلبًا للماء: (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله). الأعراف

١٤* وهو من صور رحمة الله بعباده، وقد يمسك رحـمته لحكمة يعـلمها سبحانه، ﴿مَا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [فاطر: ٢].

١٥* ونعمة الماء من النعيم الذي يسأل عنه العبد يوم القيامة، قال تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ [التكاثر: ٨]، فقد جاء في الأَثَر: “إنَّ أوَّلَ ما يُسألُ عنهُ العَبدُ يومَ القيامةِ مِنَ النَّعِيمِ أنْ يُقالَ له: أَلَمْ نُصَحِّ لَكَ بَدنَكَ ونُرْوِكَ مِنَ الماءِ البارد؟”،

إنَّ شُكْرَ اللهِ -تباركَ وتعالَى- على نِعْمَةِ الماءِ لا يقتصرُ على الشُّكْرِ باللسانِ، بلْ يَتعدَّاهُ إلى الشُّكْرِ بِحُسْنِ التَّصرُّفِ فيهِ وحُسْنِ استِغْلَالِه، والاقتصادِ والتَّرشِيدِ في استِعمالِه، فأَيُّ إِسْرافٍ في استِعْمَالِ الماءِ هوَ تصرُّفٌ سيّءٌ وسلوكٌ غيرُ حَميدٍ، جاءَ النهيُ عنهُ صَرِيحًا في القُرآنِ المجيدِ، يقولُ اللهُ -تعالى-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الْأَعْرَافِ: ٣١]،

وإذا كانَ الإسرافُ في استعمالِ الماءِ لِلشُّربِ مَنْهيًّا عنهُ وممنوعًا مِنْهُ فإِنَّ استعمالَه بإِسْرافٍ في مجالاتٍ أُخْرَى أَكْثَرُ مَنْعًا وأشدُّ خَطَرًا، وقد وردَ عَنْ رَسُولِ اللهِ -ﷺ- أنهُ كانَ إذا اغتسلَ اغتسلَ بالقلِيلِ، وإذا تَوضَّأَ تَوضأ بالنَّزْرِ اليَسيرِ، فعَنْ أنسٍ -رضيَ اللهُ عنه- قالَ: “كانَ النبيُّ -ﷺ- يغتسلُ بالصَّاعِ إلى خمسةِ أمدادٍ، ويتوضَّأُ بالمُدِّ”، والمُدُّ مِلءُ اليدَينِ المُتوسِّطَتَين،
وإذا كانَ الاقتصادُ في استعمالِ الماءِ في العبادةِ مَطْلُوبًا وعَمَلًا مَرغُوبًا فَالاقتصادُ في غيرِ العبادةِ أَولَى وأَحرى، وإنْ كانَ الَّذي يُغرَفُ مِنْهُ نَهْرًا أَوْ بَحْرًا.

أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ. قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط، ومعترك الأمواج حتى وصل بها إلى شاطئ السلامة، ومرفأ الأمان.
فقد قال تعالى ولم يزل قائلا عليما وآمرا حكيما; تشريفا لقدر المصطفى صلى الله عليه وسلم وتعظيما;
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا …
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين … وبعد:

أيها الإخوة المؤمنين
لقد حث الإسلام على القصد والاعتدال في جميع الأمور وظهر ذلك في نصوص قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة،
كما نهى عن الإسراف بجميع أشكاله. قال تعالى: يقولُ اللهُ -تعالى-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الْأَعْرَافِ: ٣١]،
ويكفي من ذم المسرفين أن الله تعالى لا يحبهم.
وكان الرسول ﷺ أول من دعا الناس إلى عدم الإسراف في الماء حيث قال: “كلوا واشربوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة” رواه النسائي وابن ماجة

وإذا كانَ الإسرافُ في استعمالِ الماءِ لِلشُّربِ مَنْهيًّا عنهُ وممنوعًا مِنْهُ فإِنَّ استعمالَه بإِسْرافٍ في مجالاتٍ أُخْرَى أَكْثَرُ مَنْعًا وأشدُّ خَطَرًا،
وقلة الماء مع إحكام الغسل سنة؛ فقد كان النبي ﷺ الأسوة الحسنى والقدوة المثلى في مجال المحافظة على الماء من الضياع هدرًا.
وقد طبق الرسول ﷺ ما نهى عنه على نفسه وعلى أهل بيته.. فعن عبد اللّه بن زيد أن النبي ﷺ توضأ بثلثي مد» فقد أخرج مسلم من حديث أنس رضي اللّه عنه: «كانَ النبيُّ -ﷺ- يغتسلُ بالصَّاعِ إلى خمسةِ أمدادٍ، ويتوضَّأُ بالمُدِّ”، والمُدُّ مِلءُ اليدَينِ المُتوسِّطَتَين،».

وقد روى عن عائشة أنها كانت تغتسل هي والنبي ﷺ من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد، أو قريبا من ذلك.
فقد وردَ عَنْ رَسُولِ اللهِ -ﷺ- أنهُ كانَ إذا اغتسلَ اغتسلَ بالقلِيلِ، وإذا تَوضَّأَ تَوضأ بالنَّزْرِ اليَسيرِ،

وإذا كانَ الاقتصادُ في استعمالِ الماءِ في العبادةِ مَطْلُوبًا وعَمَلًا مَرغُوبًا فَالاقتصادُ في غيرِ العبادةِ أَولَى وأَحرى، وإنْ كانَ الَّذي يُغرَفُ مِنْهُ نَهْرًا أَوْ بَحْرًا.

ولقدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -ﷺ- حَفِيًّا بنِعْمَةِ اللهِ يُعَظِّمُها ويَشكرُها، وما أَكْثَرَ الدَّعَواتِ التي كانَ يَدعُو بِها رَسُولُ اللهِ -ﷺ- حِينَ يَفرُغُ مِنْ طَعامِهِ إِذَا طَعِمَ وشَرابِهِ إِذَا شَرِبَ، فكانَ إذا فَرَغَ مِنْ طعامهِ وشرابهِ قال: “الحَمدُ للهِ الذي أَطعمنا وسَقَانا وجعلَنا مُسلِمِين”، وجاءَ في رِوايةٍ: كانَ رَسُولُ اللهِ -ﷺ- إذا أَكَلَ أو شَرِبَ قالَ: “الحمدُ للهِ الذي منَّ علينا وهدانا، وأشبعنا وأروانا، وكلَّ الإحسانِ آتَانا”، وكانَ إِذَا شَرِبَ الماءَ قالَ: “الحمدُ للهِ الذي سقَانا عَذْبًا فُرَاتًا بِرَحْمَتِه، ولم يَجعلْهُ مِلْحًا أُجاجًا بِذُنُوبِنا”.

إِنَّ هذهِ البَشَاشةَ التي يَستَقْبِلُ بِها رَسُولُ اللهِ -ﷺ- نِعْمَةَ الماءِ وشُكرَ مُسدِيها الأعلى جلَّ شأنُه لها أَعْظَمُ دَلَالةٍ على أَهَمِّيَّةِ هذهِ النِّعْمَةِ العَظِيمَة.

إنَّ شُكْرَ اللهِ -تباركَ وتعالَى- على نِعْمَةِ الماءِ لا يقتصرُ على الشُّكْرِ باللسانِ، بلْ يَتعدَّاهُ إلى الشُّكْرِ بِحُسْنِ التَّصرُّفِ فيهِ وحُسْنِ استِغْلَالِه، والاقتصادِ والتَّرشِيدِ في استِعمالِه، فأَيُّ إِسْرافٍ في استِعْمَالِ الماءِ هوَ تصرُّفٌ سيّءٌ وسلوكٌ غيرُ حَميدٍ، جاءَ النهيُ عنهُ صَرِيحًا في القُرآنِ المجيدِ.
الدعاء