خطبة الجمعة القادمة “لله درك يا ابن عباس”  للشيخ عادل عبدالكريم توني إبراهيم

 خطبة الجمعة القادمة “لله درك يا ابن عباس”  
إعداد الشيخ:عادل عبدالكريم توني إبراهيم
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف

الجمعة 16 من محـــرم 1447هـ- الموافق 11 من يــوليــو 2025م

عناصر الخطبة :

١- من فضائل سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما.

٢- ملازمته النبي -ﷺ- وحرصه علي طلب العلم .

٣- رسوخ علمه وحكمته في مناظرته للخوارج،

والدروس المستفادة .

***

الخطبة الأولي :

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا مزيدًا. ، وبعد:

(١)- يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29] ،

وروى مسلم في صحيحه ، قال رسول الله -ﷺ- : « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».

إخوة الاسلام :

إن أصحاب رسول الله -ﷺ – هم أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ،وأحسنهم خلقاً،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ،لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى .

واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل إنه الصحابي: (عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-) ، هو حَبْر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم رسول الله-ﷺ- ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان ابن ثلاث عشرة سنة إذ تُوفِّي رسول الله -ﷺ – كان أبيضا طويلاً مشربًا صفرة، جسيمًا وسيمًا، صبيح الوجه، فصيحًا.

من مناقب الصحابي الجليل عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أن أثنى عليه النبي-ﷺ-قائلاً: «وإن حبر هذه الأمة لعبد الله بن عباس» , وَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ -ﷺ – كما في مسند أحمد فَقَالَ: “اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ”.

قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: ” كان ابن عباس -رضي الله عنه – قد فات الناس بخصال: بعلم ما سبقه، وفقه فيما احتيج إليه من رأيه، وحلم ونسب ونائل، وما رأيت أحدًا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله -ﷺ – منه، ولا بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه، ولا أفقه في رأي منه، ولا أعلم بشعر ولا عربية ولا بتفسير القرآن ولا بحساب ولا بفريضة منه، ولا أثقب رأيًا فيما احتيج إليه منه، ولقد كان يجلس يومًا ولا يذكر فيه إلا الفقه، ويومًا التأويل، ويومًا المغازي، ويومًا الشعر، ويومًا أيام العرب، ولا رأيت عالمًا قَطُّ جلس إليه إلا خضع له، وما رأيت سائلاً قط سأله إلا وجد عنده علمًا”

وروى البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان عمر يُدخِلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لمَ تُدخِل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟! فقال: إنه ممَّن قد علمتم، قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم، قال: وما رُئيتُه دعاني يومئذٍ إلَّا ليريهم مني، فقال: ما تقولون في ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ﴾ [النصر: 1، 2] حتى ختم السورة، فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري، أو لم يقل بعضهم شيئًا، فقال لي: يا بن عباس، أكذاك تقول؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجَلُ رسول الله -ﷺ – أعلمه الله له ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ فتح مكة فذاك علامة أجلك ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 3]، قال عمر: ما أعلم منها إلَّا ما تعلم؛ (البخاري، حديث:4294).

قال أبو صالح: لقد رأيت من ابن عباس مجلسًا لو أن جميع قريش فخرت به، لكان لها فخرًا، لقد رأيت الناس اجتمعوا حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحد يقدر على أن يجيء، ولا أن يذهب، قال: فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم على بابه، فقال لي: ضع لي وضوءًا، فتوضَّأ وجلس، وقال: اخرج وقل لهم من كان يريد أن يسأل عن القرآن وحروفه وما أراد منه فليدخل، فخرجت فآذنتهم، فدخلوا حتى ملأوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به، وزادهم مثل ما سألوا عنه أو أكثره، ثم قال إخوانكم فخرجوا، ثم قال اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن تفسير القرآن وتأويله، فليدخل، قال فخرجت فآذنتهم، فدخلوا حتى ملأوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به، وزادهم مثل ما سألوه عنه أو أكثر، ثم قال: إخوانكم، فخرجوا، ثم قال: اخرج، فقل: من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل، فخرجت فقلت لهم، قال: فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله، ثم قال: إخوانكم، فخرجوا، ثم قال اخرج، فقل: من أراد أن يسأل عن الفرائض وما أشبهها فليدخل، قال: فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله، ثم قال: إخوانكم، فخرجوا ثم قال: اخرج، فقل: من أراد أن يسأل عن العربية والشعر والغريب من الكلام فليدخل، قال: فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله، قال أبو صالح: فلو أن قريشًا كلها فخرت بذلك، لكان فخرًا، فما رأيت مثل هذا لأحد من الناس” .

(حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 321:320).

* ومن أقوال سلفنا الصالح في الثناء علي عبدالله بن عباس- رضي الله عنهما- :

قال عمر بن الخطاب لعبدالله بن عباس: والله، إنك لأصبح فتياننا وجهًا، وأحسنهم عقلًا، وأفقههم في كتاب الله عز وجل؛ (صفة الصفوة؛ لابن الجوزي، جـ1، صـ 748).

وروى ابن سعد عن عائشة أنها نظرت إلى ابن عباس وحوله الناس ليالي الحج، وهو يسأل عن المناسك، فقالت: هو أعلم من بقي بالمناسك؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 282).

وقال سعد بن أبي وقاص: ما رأيت أحدًا أحضر فهمًا، ولا ألبَّ لبًّا، ولا أكثر علمًا، ولا أوسع حلمًا من ابن عباس، ولقد رأيت عمر بن الخطاب يدعوه للمعضلات، ثم يقول: عندك قد جاءتك معضلة، ثم لا نجاوز قوله (نسير تبعًا لرأيه) وإن حوله لأهل بدر من المهاجرين والأنصار؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 282:281).

قال عبدالله بن مسعود: نعم ترجمان القرآن ابن عباس؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 279).

قال طلحة بن عبيدالله: لقد أعطي ابن عباس فهمًا، وعلمًا، ما كنت أرى عمر بن الخطاب يُقدِّم عليه أحدًا؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 283).

قال أبي بن كعب وكان عنده ابن عباس، فقام، فقال: هذا يكون حَبْر هذه الأمة، أرى عقلًا وفهمًا، وقد دعا له رسول الله -ﷺ – أن يُفقِّهه في الدين؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ3، صـ348).

وقال طاوس أيضًا: ما رأيتُ رجلًا أعلم من ابن عباس، (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 280).

وقال محمد ابن الحنفية، لما دفن ابن عباس: اليوم مات رباني هذه الأمة؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 280).

وقال مسروق: كنت إذا رأيت ابن عباس، قلت: أجمل الناس، فإذا نطق، قلت: أفصح الناس، فإذا تحدَّث، قلت: أعلم الناس؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ3، صـ351).

قال عكرمة (مولى ابن عباس): كان ابن عباس في العلم بحرًا ينشق له الأمر من الأمور؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ3، صـ354).

وقال مجاهد بن جبر: ما رأيت أحدًا قطُّ مثل ابن عباس؛ لقد مات يوم مات، وإنه لحَبْر هذه الأُمَّة؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ3، صـ350).

(٢)ـ كان- رضي الله عنه – حريصاً علي ملازمته النبي -ﷺ-

لازم النبي -ﷺ- وحرص علي مجالسته والقرب منه فتعلم منه وتأدب علي يديه، ودعا له فنال بدعوته البركة في العلم .

روى البخاري عن ابن عباس، قال: ضمَّني النبي -ﷺ- إلى صدره، وقال: ((اللهم علِّمْه الحكمة))؛ (البخاري، حديث:3756).

وروى البخاري عن ابن عباس أن النبي -ﷺ- دخل الخلاء، فوضعت له وضوءًا، قال: ((من وضع هذا؟)) فأخبر، فقال: ((اللهُمَّ فقِّهْه في الدين))؛ (البخاري حديث:143).

وفي الصحيحين : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَّبِيُّ -ﷺ – مِنَ اللَّيْلِ فَأَتَى حَاجَتَهُ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ فَأَتَى الْقِرْبَةَ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا بَيْنَ الْوُضُوءَيْنِ وَلَمْ يُكْثِرْ وَقَدْ أَبْلَغَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى فَقُمْتُ فَتَمَطَّيْتُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَنِّى كُنْتُ أَنْتَبِهُ لَهُ فَتَوَضَّأْتُ فَقَامَ فَصَلَّى فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَتَتَامَّتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ – -ﷺ – مِنَ اللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ فَأَتَاهُ بِلاَلٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ فَقَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَكَانَ فِي دُعَائِهِ « اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِى بَصَرِى نُورًا وَفِى سَمْعِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ يَسَارِي نُورًا وَفَوْقِي نُورًا وَتَحْتِي نُورًا وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا وَعَظِّمْ لِي نُورًا ».

ومن تربية النبي -ﷺ- لابن عباس رضي الله عنهما ما رواه الترمذي بسند حسن صحيح (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -ﷺ – يَوْمًا فَقَالَ « يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ».

روى أحمد عن عبدالله بن عباس قال: أتيت رسول الله -ﷺ – من آخر الليل، فصلَّيتُ خلفه، فأخذ بيدي، فجرني فجعلني حذاءه، فلما أقبل رسول الله -ﷺ – على صلاته خنست، فصلى رسول الله -ﷺ -فلما انصرف قال لي: ((ما شأني أجعلك حذائي فتخنس؟))، فقلت: يا رسول الله، أو ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله الذي أعطاك الله؟ قال: فأعجبته، فدعا الله لي أن يزيدني علمًا وفهمًا؛ (حديث صحيح) (مسند أحمد، جـ 5، صـ 178 حديث:3060).

ولقد حرص ابن عباس رضي الله عنه على اتباع سنة رسول الله -ﷺ – فقد روى الامام أحمد (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ طَافَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بِالْبَيْتِ فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الأَرْكَانَ كُلَّهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاس ٍ لِمَ تَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ – يَسْتَلِمُهُمَا فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لَيْسَ شيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُوراً. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فَقَالَ مُعَاوِيَةُ صَدَقْتَ. )

* وكان حريصاً علي طلب العلم :

سئل ابن عباس يوما:” أنّى أصبت هذا العلم”.. فأجاب:” بلسان سؤول ، وقلب عقول” .

وروى البخاري في صحيحه مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ -رضي اللهُ عنهما – قَالَ: “كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ، فَدَعَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ، فَمَا رُئِيتُ أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ، قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح ﴾ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقُلْتُ: لَا، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللهِ -ﷺ- أَعْلَمَهُ لَهُ، قَالَ: ﴿ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح ﴾، وَذَلِكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ، ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ”

.وَقَالَ المُهَاجِرُوْنَ لِعُمَرَ: أَلَا تَدْعُو أَبْنَاءنَا كَمَا تَدْعُو ابْنَ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: ذَاكُم فَتَى الكُهُولِ؛ إِنَّ لَهُ لِسَانًا سَؤُولًا، وَقَلْبًا عَقُوْلًا).

و روى الحاكم عن عبدالله بن عباس، قال: “لما قبض رسول الله -ﷺ – قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله -ﷺ – فإنهم اليوم كثير”، فقال: واعجبًا لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك، وفي الناس من أصحاب رسول الله -ﷺ – من فيهم، قال: “فتركت ذاك، وأقبلتُ أسأل أصحاب رسول الله -ﷺ – وإن كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه، وهو قائل فأتوسَّد ردائي على بابه يسفي الريح عليَّ من التراب فيخرج فيراني”، فيقول: يا ابن عم رسول الله -ﷺ – ما جاء بك؟ هلا أرسلت إليَّ فآتيك؟ فأقول: “لا، أنا أحق أن آتيك”، فأسأله عن الحديث، فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألوني، فيقول: “هذا الفتى كان أعقل مني”؛ (إسناده صحيح) (مستدرك الحاكم، جـ 1، صـ 188).

روى ابن سعد عن أبي سلمة الحضرمي قال: سمِعت ابن عباس يقول: كنت ألزم الأكابر من أصحاب رسول الله -ﷺ -من المهاجرين والأنصار، فأسألهم عن مغازي رسول الله -ﷺ – وما نزل من القرآن في ذلك، وكنت لا آتي أحدًا منهم إلا سُرَّ بإتياني؛ لقُربي من رسول الله -ﷺ – فجعلت أسأل أُبيَّ بن كعب يومًا، وكان من الراسخين في العلم عما نزل من القرآن بالمدينة، فقال: نزل بها سبع وعشرون سورة، وسائرها بمكة؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 284 – 283).

وقال -رضي الله عنهما- : كنت أسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي -ﷺ- (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 344)

” فلله درك يا ابن عباس “

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ، جَلَّ شَأْنُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْماؤُهُ وَلَا إلَهَ غَيْرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -ﷺ-

أَمَّا بَعْدُ: أيها الأحبة الكرام:

(٣)- من مواقف سيدنا عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما – والتي تبين رسوخ علمه وحكمته مناظرته للخوارج .

قال عبدالله بن عباس : لما خرجت الحرورية(١) اعتزلوا في دارهم وكانوا ستة آلاف .

فقلت لعلي ـ عليه السلام ـ : يا أمير المؤمنين أبرد بالظهر ، لعَليّ آتي هؤلاء القوم فأكلمهم .

قال : إني أخاف عليك .

قلت : كلا .

قال : فقمت وخرجت ودخلت عليهم في نصف النهار وهم قائلون ، فسلمت عليهم .

فقالوا : مرحبا بك يابن عباس ، فما جاء بك ؟

قلت لهم : أتيتكم من عند أصحاب النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وصهره ، وعليهم نزل القرآن ، وهم أعلم بتأويله منكم ، وليس فيكم منهم أحد ، لابلّغكم ما يقولون ، وأخبرهم بما تقولون .

قلت : أخبروني ماذا نقمتم على أصحاب رسول الله -ﷺ – وابن عمه ؟

فقالوا: نَنْقِمُ عَلَيْهِ ثَلاثًا، قُلْتُ: ومَا هُنَّ؟ قَالُوا:

أَوَّلُهُنَّ أَنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ)[الأنعام: 57]،

قَالَ: قُلْتُ: وَمَاذَا؟

قَالُوا: وَقَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ، لَئِنْ كَانُوا كُفَّارًا لَقَدْ حَلَّتْ لَهُ أَمْوَالُهُمْ، وَلَئِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ لَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ.

قَالَ: قُلْتُ: وَمَاذَا؟ قَالُوا: وَمَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ أَمِيرُ الْكَافِرِينَ.

قَالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَرَأْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الْمُحْكَمِ، وَحَدَّثْتُكُمْ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا لا تُنْكِرُونَ، أَتَرْجِعُونَ؟ قَالُوا: نَعَمْ.

قَالَ: قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) [المائدة آية 95] إِلَى قَوْلِهِ: (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) [المائدة آية 95] ، وَقَالَ فِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنَهُمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) [النساء آية 35].

أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَحُكْمُ الرِّجَالِ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَصَلاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ أَحَقُّ أَمْ فِي أَرْنَبٍ ثَمَنُهَا رُبْعُ دِرْهَمٍ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَصَلاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ. قَالَ: خَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.

وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ، أَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ، أَمْ تَسْتَحِلُّونَ مِنْهَا مَا تَسْتَحِلُّونَ مِنْ غَيْرِهَا؟ فَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأُمِّكُمْ فَقَدْ كَفَرْتُمْ وَخَرَجْتُمْ مِنَ الإِسْلامِ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) [الأحزاب آية 6] ، فَأَنْتُمْ تَتَرَدَّدُونَ بَيْنَ ضَلالَتَيْنِ، فَاخْتَارُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ؟

قلت : فخرجتُ من هذه ؟

قالوا : نعم .

وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: “إِنَّهُ مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ –ﷺ- دَعَا قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا، فَقَالَ: اكْتُبْ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ، وَلا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لِرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ يَا عَلِيُّ: مُحَمَّدَ بن عَبْدِ اللَّهِ، فَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ، أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفًان، وَبَقِيَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلافٍ ، فَقُتِلوا على ضلالتهم ، فقتلهم المهاجرون والانصار “

(أخرجه الحاكم في المستدرك ج2 ص150، وأخرج بعضه الإمام أحمد في المسند).

(١) الحرورية : جماعة من الخوارج النواصب ، والنسبة لبلد قرب الكوفة على ميلين منها تسمى حرُوراء ، نزل بها هؤلاء بعد خروجهم على أمير المؤمنين علي ـ رضي الله عنه ـ حينما قبل بالتحكيم بينه وبين معاوية ، وقالوا يومها : لا حكم إلا لله ، فقال علي ـ رضي الله عنه ـ: كلمة حق أريد بها باطل .

وسُموا ايضاً بالخوارج لخروجهم على أمير المؤمنين ـ علي رضي الله عنه .

والمحكمة : لإنكارهم الحكمين ، وقولهم لا حكم الا لله .

*وفي هذا الأثر دروس مستفادة منها :

– سوء الفهم لكتاب الله ولسنة رسوله -ﷺ- كان سببًا رئيسًا لظهور الفرق والطوائف والمذاهب المنحرفة، وكان سببًا رئيسًا لانحراف المفاهيم ، روى ابن حبان، والبخاري في “التاريخ الكبير” ، والبزار، عن حذيفة رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-ﷺ- : ” إِنَّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ ، وَكَانَ رِدْئًا لِلْإِسْلَامِ ، غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ ” ، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ، الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِي؟ قَالَ: ( بَلِ الرَّامِي )” . قال ابن كثير رحمه الله :” إِسْنَادٌ جَيِّدٌ “

 

والمعني : أي من أكثر الأشياء التي يتخوفها النبي-ﷺ- على أمته رجل قرأ القرآن ورأى الناسُ عليه نور القرآن وحسنه وأثره الطيب، وكان عونًا للإسلام وأهله ومدافعًا عنهم، ثم إذا به يغير ذلك ويفارق الإسلام ويترك القرآن ويقتل جاره ويتهمه بالشرك، فسألوا النبي -ﷺ- : من أحق بالشرك، هذا الرجل الذي قتل جاره واتهمه بالشرك أم الجار؟ فأخبر النبي-ﷺ-

أن الرجل الذي اتهم جاره بالشرك وقتله هو أحق بالشرك وأولى به.

فيجب الحذر الشديد من تكفير المسلم ، فإن من الذنوب العظيمة أن يكفر المسلم أخاه المسلم وهو بريء من ذلك ، ويشهد لهذا المعنى ما رواه البخاري ، ومسلم – واللفظ له – عن ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ : يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ ” .

– طائفة الخوارج أول فرقة استباحت دماء المسلمين وكفرتهم لمجرد الوقوع في المعاصي التي لا تخرج الإنسان من دين الله -عز وجل-

وكان سبب انحرافهم سوء فهمهم لكتاب الله -عز وجل-، وأخذهم ببعض الأدلة دون بعض، فيأخذون بالنص الواحد، ويحكمون على أساس فهمهم له دون أن يتعرفوا على باقي النصوص الشرعية في المسألة نفسها، فضربوا بعض النصوص ببعض (وبهذا أسكتهم ابن عباس -رضي الله عنه-، فقد كان يأتيهم بباقي الأدلة في الموضوع نفسه، فلا يجدون لذلك جواباً).

وقد أخبر عنهم النبي -ﷺ- في الحديث ، عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه ، أن النبي-

-ﷺ- قال : “يخرُجُ في آخرِ الزَّمانِ قومٌ أحداثُ الأسنانِ سُفَهاءُ الأحلامِ يقولونَ مِن خيرِ قَولِ النَّاسِ يقرءونَ القرآنَ لا يجاوزُ تراقيَهُم يمرُقونَ منَ الإسلامِ كما يَمرُقُ السَّهمُ منَ الرَّميَّةِ فمَن لقيَهُم فليقتُلهم فإنَّ قتلَهُم أجرٌ عندَ اللَّهِ لمن قتلَهُم “أخرجه الترمذي (2188)، وابن ماجه (168) واللفظ له، وأحمد (3831)

– وسبب ضلال الخوارج هو سبب ضلال طوائف عديدة من المسلمين. يقول الشاطبي رحمه الله: أن أصل الضلال راجع إلى (الجهل بمقاصد الشريعة، والتخرص على معانيها بالظن من غير تثبت، أو الأخذ فيها بالنظر الأول، ولا يكون ذلك من راسخ في العلم)

(الاعتصام للشاطبي ،2/181).

فانظروا هذه الفئة هؤلاء الخوارج استدلوا بأدلة من القرآن، لكن ما فهموها حق الفهم ولم يفقهوها حق الفقه، حتى جاءهم ابن عباس فبيَّن لهم معناها، وبيَّن لهم المراد منها، وبيَّن لهم الأدلة الأخرى التي أغفلوها، ولم ينظروا إليها، ولم يلتفتوا إليها، وأعطاهم الطريقة الصحيحة في فهم كلام الله -عز وجل-

وصدق ابن القيم -رحمه الله- حين قال: “سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام قديمًا وحديثًا”.

فالمفاهيم الصحيحة لا تُؤخَذ إلا من كتاب الله ومن سنة رسوله –ﷺ -، والمفاهيم الصحيحة لا تُؤخَذ إلا بفهم صحيح لكتاب الله ولسنة رسول الله –ﷺ – وهو الذي كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- ومن صار على طريقتهم، وقد أحسن من قال:

فَكُنْ كَمَا كَانَ خِيَارُ الخَلْقِ ***

حَلِيفَ عِلْمٍ تَابِعاً لِلْحَقِّ

وَكُلُ خَيْرٍ فِي إِتِّبَاعِ مَنْ سَلَفْ ***

وَكُلُّ شَرٍّ فِي ابْتِدَاعِ مَنْ خَلَفْ

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يفقهنا في الدين..

اللَّهُمَّ انْصُرِ الإِسْلامَ وأَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ، وَأَعْلِ بِفَضْلِكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ والدِّينِ، وَمَكِّنْ لِعِبَادِكَ الْمُوَحِّدِينَ، واغْفِرْ لَنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ والْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والأَمْوَاتِ.

اللهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا فِي مَشَارِقِ الأَرضِ ومَغَارِبِهَا، اللهُمَّ انْصُرْهُمْ علَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وبالإِجَابَةِ جَدِيرٌ، وأَنْتَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، اللهم احفظ بلدنا مصر من كل مكروه وسوء ، واجعلها امنا أماناً سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين ،

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَجْزِيَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ.. اللَّهُمَّ اجْزِهِمْ عَنَّا رِضَاكَ وَالْجَنَّةَ.. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ وَعَافِهِمْ واعْفُ عَنْهُم.

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .