للسادة الخطباء مبحث بعنوان ( بداية جديده وأمل جديد وبيان الوقت بين الاخلال والاستغلال ) للشيخ رضا الصعيدى


للسادة الخطباء مبحث بعنوان ( بداية جديده وأمل جديد وبيان الوقت بين الاخلال والاستغلال )

للشيخ : رضا الصعيدى

العناصر:
1-قيمة الوقت .
2- عاقبة الاخلال بحق الوقت .
3-ضرورة وكيفية اغتنام الوقت واستثماره .
4-عقبات في طريق استغلال الأوقات.
5- الواجب علينا .

عباد الله مع كل يوم جديد ، أمل جديد وبداية جديدة …
قال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) الحديد.

كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك) 
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك”

يقولُ الحسنُ البصريُّ: “يا ابنَ آدمَ، إنّما أنت أيامٌ، إذا ذهبَ يومٌ ذهبَ بعضُكَ”.
وقال: “يا ابنَ آدمَ، نهارُكَ ضيفُكَ فأحسِنْ إليهِ، فإنّك إنْ أحسنتَ إليهِ ارتحلَ بحمدِكَ، وإنْ أسأتْ إليه ارتحلَ بذمِّكَ، وكذلكَ ليلتُكَ”.
وقال رحمَهُ اللهُ: ما مِن يومٍ ينشقُّ فجرُهُ إلا وهو ينادى بلسانِ الحالِ يا بنَ أدمَ أنا خلقٌ جديدٌ وعلى عملِكَ شهيدٌ فاغتنمنِي، فإنِّي لا أعودُ إلى يومِ القيامةِ.
واليك التفصيل ……

وصف الوقت :
1-قصير مهما طال العمر :
(قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) (المؤمنون:113)، قال الله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} اخر ايه في سورة النازعات .. وقال أهلُ السيرِ: حضرتْ الوفاةُ نوحًا عليه السلامُ، فقِيل له يا نوحُ كيف وجدتَ الحياةَ؟ قال والذي نفسي بيدِه ما وجدتُ الحياةَ إلا كبيتٍ له بابان دخلتُ من هذا وخرجتُ من الآخرِ.

أربعة لايعرف قدرها إلا اربعة :
قال حاتم الأصم رحمه الله تعالى : أربعة لايعرفُ قدرها إلا أربعة : قـدر الشباب لا يعرفه إلا الشيوخ وقـدر العافية لا يعرفه إلا أهل البلاء وقـدر الصحة لا يعرفه إلا المرضى وقــدر الحياة لا يعرفه إلا الموتى. تنبيه الغافلين ص (٣٩).

2- الوقت لا يعود:
(لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (المؤمنون:100)… فالوقت يمرُّ مرَّ السحابِ ويجرِى جرىَ الرياحِ، فالأيامُ تمرُّ، والأشهرُ تجرِى وراءَهَا تسحبُ معها السنينَ وتمرُّ خلفَهَا الأعمارُ وتُطْوَى حياةُ جيلٍ بعدَ جيلٍ، ثم بعدَهَا يقفُ الجميعُ بين يدي الكبيرِ.

3- أن الوقت لا يباع ولا يشترى وهوأغلى مِن الذهب:
(تأمل قيمة اللحظات التي دخل بها قاتل المائة نفس إلى أرض التوبة). وقال الحسن -رحمه الله-: “أدركتُ أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصًا على دنانيركم ودراهمكم”.

-قال جمال الدين القاسمي رضي الله عنه ” مر على أناس يجلسون على مقهى يلعبون ويمرحون ويضيعون أوقاتهم في المعاصي، فبكى فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: لو أعلم أن هؤلاء يبيعون أوقاتهم لاشتريتها منهم . ( ثمرات الفاكهين للخطباء والواعظين )..

4-وهو نعمة كبرى ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنه:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم -: ((نِعْمَتَانِ مَغبونٌ فيهما كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالفَرَاغُ))

5-اعلم ان الزمانَ لا يثبتُ على حالٍ ، كمَا قال عزَّ وجلَّ :
{ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } ( آل عمران: 140) …فتارةً فقرٌ ، وتارةً غنى ، وتارةً عزٌّ ، وتارةً ذلٌّ ، وتارةً يفرحُ الموالي، وتارةً يشمتُ الأعادي .

6-قسم الله بالاوقات لشرفها :
هناك أكثر من موضع ومن سورة أقسم الله تعالى فيها بالزمن نذكر منها وقت السحر والضحى ، والعصر ، والفجر ..

الاخلال والتفريط في الوقت وعاقبته :
1-الإهمال عقوق :
يقولُ علىٌّ بنُ أبي طالبٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ:” مَنْ أَمْضَى يَوْمَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ قَضَاهُ، أَوْ فَرْضٍ أَدَّاهُ، أَوْ مَجْدٍ أَثَّلَهُ أَوْ حَمْدٍ حَصَّلَهُ، أَوْ خَيْرٍ أَسَّسَهُ أَوْ عِلْمٍ اقْتَبَسَهُ، فَقَدْ عَقَّ يَوْمَهُ وَظَلَمَ نَفْسَهُ” قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى }- أي: نبعثهم بعد موتهم لنجازيهم على الأعمال، { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا } من الخير والشر، وهو أعمالهم التي عملوها وباشروها في حال حياتهم، { وَآثَارَهُمْ } وهي آثار الخير وآثار الشر، التي كانوا هم السبب في إيجادها في حال حياتهم وبعد وفاتهم، وتلك الأعمال التي نشأت من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم.

2-الإهمال ندم :
قال ابنُ مسعودٍ: “ما نَدمتُ على شيءٍ نَدمِي على يومٍ غَربتْ شمسُهُ، نقصَ فيه أجلِي، ولم يزددْ فيه عملِي”…قال تعالى : يا بن ادم خلقتك للعبادة فلا تلعب ، وقسمت لك الرزق فلا تتعب.

قيل لعامرُ بنُ قيسٍ لما نامَ على فراشِ الموتِ وهو يبكي قالوا: ما يُبكيكَ؟ قال ثلاثةَ أشياءٍ ليلةً نمتُها، وساعةً غفلتُ عنها، ويومًا أفطرتًه.
قالوا لحسانِ بنِ سنانٍ لما نامَ على فراشِ الموتِ: كيف تَجِدُكَ؟ قال: بخيرٍ أنْ نجوتُ من النارِ، فقال ماذا تشتهِي؟ قال: ليلةً أُحيي ما بين طرفَيهَا بذكرِ اللهِ تباركَ وتعالى.

روى الإمام البيهقي في شعب الإيمان بسند جيد عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ يتحسر أهل الْجنَّة إِلَّا على سَاعَة مرت بهم لم يذكرُوا الله تَعَالَى فِيهَا .

ندم لا ينفع :

-عند اقبال الموت :
هم الذين انشغلوا حتى فاجئهم الموت فعن عليّ  لمّا تلا:﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾ التكاثر.

حين يرى مقعده من النار وهو في القبر:
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إن الميت يصير إلى القبر ………..ويجلس الرجل السوء في قبره فزعا مشعوفا فيقال له فيم كنت فيقول لا أدري فيقال له ما هذا الرجل فيقول سمعت الناس يقولون قولا فقلته فيفرج له قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له انظر إلى ما صرف الله عنك ثم يفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له هذا مقعدك على الشك كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله تعالى”

-عند رؤية النار :
اعتبر قبل فوات الأوان: قال تعالى ﴿كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ﴿21﴾ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴿22﴾ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ﴿23﴾ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴿24﴾ فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ﴿25﴾ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴿26﴾﴾الفجر وقال تعالى: (أن تقول نفس يا حسرتي ما قطرت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين) سورة الزمر.

وقال تعالى﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴿99﴾ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿100﴾﴾المؤمنون

ضرورة اغتنام الوقت واستثماره :
1-ضياع بعض الوقت ضياع بعض العمر :
من بديع ما ذكره شاعرنا الحكيم أمير الشعراء :
دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلة ٌ له***إنَّ الحياة َ دقائقٌ وثواني
فارفعْ لنفسِكَ بعدَ موتكَ ذكرَهَا ***فالذكرُ للإنسانِ عُمرٌ ثاني
يقول عمر بن عبد العزيز:” إِنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَعْمَلَانِ فِيكَ( يؤثران )، فَاعْمَلْ فِيهِمَا”. أي إن الليل والنهار يعملان فيك ضعفا في بدنك، وانحناء في ظهرك، وشيبا في رأسك، وضعفا في قوتك، وعشى في بصرك، وثقلا في سمعك، إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما…

2-ولأن خير الناس من طال عمره وحسن عمله :
فعن أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ، قَالَ: “مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ”، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: “مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ”..

3-ولأن ذكر الصالحين باق:
وهذا البقاء هو ما أشار اليه سيدنا على رضى الله عنه بقوله :
اعملْ لدنياكَ كأنَّك تعيشُ أبدًا واعملْ لأخرتِكَ كأنَّكَ تموتُ غدًا….وقد يبقى ذكرك بصدقة جارية كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سبعٌ يَجري للعبد أجرُهنَّ وهو في قبره بعد موته: مَن علَّم علمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته»

4-بقاء الذكر بالعمل الصالح:
ان العمر الحقيقي لا يقاس بالسنوات ، إنّما يُقاسُ بالأعمالِ والطاعاتِ لا يقاسُ بالسنواتِ انظرْ إلى نبيّ اللهِ نوحٍ عليه السلامُ كم عاشَ؟ وما مدةُ دعوتِهِ؟ قضى ألفَ سنةٍ إلا خمسينَ عامًا في الدعوةِ إلى اللهِ ومع ذلك وما آمنَ معه إلا قليلٌ.
وانظرُوا إلى عُمْرِ المصطفى محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم كم عاشَ؟ وكم عددِ سنواتِ دعوتِهِ؟ تزيدُ عن العشرينَ قليلاً جدًا، ومع ذلك قدرَ اللهُ له في هذا العمرِ القليلِ أنْ يقيمَ للإسلامِ دولةً من فتاتٍ متناثرٍ.

بل هذا هو صديقُ الأمةِ الأكبرِ في مدةِ ولايتِهِ التي لا تزيدُ على سنتينِ ونصفٍ حَوَّلَ المحنَ التي أصابتْ الأمةَ إلى منحٍ… فقضى على فتنةِ الردةِ !! وجمعَ القرآنَ الكريمَ وَرَدَّ الأمةَ إلى منهجِ النبيِّ الكريمِ !!

وهذا فاروقُ الأمةِ عمرُ رضى اللهُ عنه في عشرِ سنواتٍ وستةِ أشهرٍ هذه الفترةُ القليلةُ التي لا تساوى في حسابِ الزمنِ شيءً ومع ذلك رُفعتْ رايةُ الإسلامِ والمسلمين في كلِّ مكانٍ في عهدِهِ.

5-الكون لا يعرف السكون :
يقولُ الحقُّ سبحانَهُ : { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ، لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} .

والمراد بمنازل القمر أماكن سيره في كل ليلة، وهي ثمان وعشرون منزلا، تبدأ من أول ليلة في الشهر، إلى الليلة الثامنة والعشرين منه.ثم يستتر القمر ليلتين إن كان الشهر تاما.

ويستتر ليلة واحدة إن كان الشهر تسعا وعشرين ليلة…. أى: وقدرنا سير القمر في منازل، بأن ينزل في كل ليلة في منزل لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه، إذ كل شيء عندنا بمقدار . … والمنازل: جمع منزل، وهي المسافة التي يقطعها القمر في يوم وليلة .

وقوله- سبحانه -: حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ تصوير بديع لحالة القمر وهو في آخر منازله.

والعرجون: هو قنو النخلة ما بين الشماريخ إلى منبته منها، وهو الذي يحمل ثمار النخلة سواء أكانت تلك الثمار مستوية أم غير مستوية… وسمى عرجونا من الانعراج، وهو الانعطاف والتقوس، والتعرج ، شبه به القمر في دقته وتقوسه واصفراره .. قال بعض العلماء: والذي يلاحظ القمر ليلة بعد ليلة.
يدرك ظل التعبير القرآنى العجيب حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ وبخاصة ظل ذلك اللفظ «القديم» … فالقمر في لياليه الأولى هلال ، وفي لياليه الأخيرة هلال…ولكنه في لياليه الأولى يبدو وكأن فيه نضارة وقوة… وفي لياليه الأخيرة يطلع وكأنما يغشاه سهوم وغيوم ، ويكون فيه شحوب وذبول .

6-الخير أمنية كل ميت :
وقف الحسن البصري على جنازة رجلٍ فقال لصاحب له يعظه: تُرى هذا الميت لو رجع إلى الدنيا ماذا يصنع؟! قال: يكثر من الطاعات؛ قال له الحسن: قد فاتته فلا تفتك أنت!!

7-الاعتبار بمصائر الأمم :
قال تعالى:﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ يوسف.
هي الأيام كما شاهدتها دولٌ ** من سرَّهُ زمنٌ ساءته أزمانُ
وهذه الدار لا تبقي على أحد ** ولا يدوم على حال لها شانُ
ومن اجمل ما قيل في ذلك من شعر :
أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم وذكرهم في الورى ظلمٌ وطغيان
فهل أبقى الموت ذا عزٍ لعزته أو هل نجى منه بالسلطان إنسان
لا والذي خلق الأكوان من عدمٍ الكل يفنى فلا إنس ولا جان
قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:٢٦ – ٢٧]
8-ولأن كل إنسان مسئول عن عمله يوم القيامة:
قال تعالى ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾ الصافات24..
وقال تعالى ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ ﴿المدثر 38﴾
وقال تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ الكهف..وعن أبي برزة الأسلمي قال قال رسول الله : لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه وعن علمه فيم فعل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه﴾ ﴿صحيح الترغيب ﴾ .

9-ولان عمرك طريق الى قبرك :
– قيل أن الفضيل بن عياض (رحمه الله) قال لرجل: “كم عمرك؟ فقال الرجل: ستون سنة، قال الفضيل: إذًا أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله تُوشِك أن تَصِل، فقال الرجل: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، فقال الفضيل: يا أخي، هل عرفتَ معناه، قال الرجل: نعم، عرفت أني لله عبد، وأني إليه راجع، فقال الفضيل: يا أخي، مَن عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع، عرف أنه موقوف بين يديه، ومَن عرف أنه موقوف عرف أنه مسؤول، ومَن عرف أنه مسؤول فليُعدَّ للسؤال جوابًا، فبكى الرجل، فقال: يا فضيل، وما الحيلة؟ قال الفضيل: يسيرة، قال الرجل: وما هي يرحمك الله؟ قال الفضيل: أن تتقيَ الله فيما بقي، يَغفِر الله لك ما قد مضى وما قد بقي.

10-ولان كل امرئ بما كسب رهين :
يقول تعالى يوم القيامة : ” يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا؛ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ؛ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ “( مسلم ).

قال تعالى : {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) } الطور ..فلن يغير الله صحيفتك من الشر الى الخير الا بعمل منك مثل توبة صادقة ، وعمل مخلص ، وقلب محب ، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ ﴿الرعد: 11﴾. وقوله: ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال:53].. واعلموا ان العقلاء ثلاثة : من ترك الدنيا قبل ان تتركه ، وبنى قبره قبل ان يدخله ، واستعد للقاء الله قبل ان يلقاه ..

لا دارَ لِلمَرءِ بَعدَ المَوت يَسكُنُها * إِلّا الَّتي كانَ قَبل المَوتِ يَبنيها
فَإِن بَناها بِخَير فازَ ساكِنُها ** وَإِن بَناها بشرّ خاب بانيها

كيفية استغلال الوقت :

1-استغلال وجودك فى المسجد :
دعاءُ التوجُّهِ إلى المسجد : «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا، (وَعَظِّمْ لِي نُورًا) »
وإن ركبت وسيلة نقل تقول: «بِسْمِ اللهِ، الْحَمْدُ للهِ، سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، الْحَمْدُ للهِ، الْحَمْدُ للهِ، الْحَمْدُ للهِ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، سُبْحَانَكَ إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْلِي؛ فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ» …

دعاءُ دخولِ المسجد: «بِسْمِ اللهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ» رواه مسلم ..

2-صلاة نافلة تحية المسجد:
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ – صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ، قَالَ: فَجَلَسْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ؟» قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْتُكَ جَالِسًا وَالنَّاسُ جُلُوسٌ، قَالَ: «فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ»اخرجه البخاري ومسلم ..
ترديد الآذان: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ» …اخرجه مسلم ..

وإذا فَرَغَ المؤذِّنُ من التأذين: «أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه، (اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ) ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، وَبِالإسْلامِ دِينًا» …. «اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ» ..اخرجه البخاري باقى الحديث من قالها حلت له شفاعتى ..

3-استغلال السنن في اكثر من نيه :
فمثلا سنة الوضوء وتحية المسجد من السنن غير المقصودة لذاتها ومن ثم فإنها تندرج في غيرها بحيث يصح التشريك في النية بينها وبين غيرها من الصلوات، فمن صلى ركعتين بنية تحية المسجد وسنة الوضوء وصلاة الضحى أجزأه ذلك ، كذلك يصح إشراك النيتين مع صلاة الإستخارة وسنة الإحرام…
من صلى هذه الصلوات بنية واحدة حصل له أصل الأجر لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات. متفق عليه، وكان ذلك أعظم في أجره من أن يصلي ركعتين بنية صلاة واحدة من هذه الصلوات،الا اذا كانت صلاة مقصودة لذاتها ، فلا يصح أن يصلى بنيتين صلاة الضحى وصلاة الفجر..

4-استغلال عملك في الذكر :
فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ شَكَتْ ما تَلْقَى مِن أثَرِ الرَّحَى، فأتَى النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فأخْبَرَتْهَا، فَلَمَّا جَاءَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بمَجِيءِ فَاطِمَةَ، فَجَاءَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلَيْنَا وقدْ أخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ لِأقُومَ، فَقَالَ: علَى مَكَانِكُمَا. فَقَعَدَ بيْنَنَا حتَّى وجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ علَى صَدْرِي، وقَالَ: ألَا أُعَلِّمُكُما خَيْرًا ممَّا سَأَلْتُمَانِي؟ إذَا أخَذْتُما مَضَاجِعَكُما تُكَبِّرَا أرْبَعًا وثَلَاثِينَ، وتُسَبِّحَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، وتَحْمَدَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ؛ فَهو خَيْرٌ لَكُما مِن خَادِمٍ… صحيح البخاري.

5-استغلال الحياة قبل الموت :
ففي الحياة شباب وفراغ وغنى وفراغ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: ” اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ” …
قال (صلى الله عليه وسلم) (بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا مَا تَنْتظُرُونَ إِلاَّ فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ)(قصر الأمل لابن أبي الدنيا).

6-استغلال زيارة المريض ومجالسة الصالحين :
يروي الفقيه أبو الحسن الولوالجي، أنه دخل على أبي الريحان البيروني، وقدْ حَشْرَجَ نَفَسُه، وضاق به صدره، فقال لي في تلك الحال: كيف قلت لي يوماً حساب الجدّات الفاسدات؟ فقلت لـه إشفاقاً عليه: أفي هذه الحالة؟ قال لي: يا هذا أُودِّع الدنيا وأنا عالمٌ بهذه المسألة، ألا يكون خيراً من أن أخلّيها وأنا جاهلٌ بها؟ فأعدتُ ذلك عليه، فحفظ، وعلّمني ما وعد، وخرجتُ من عنده، وبينما أنا في الطريق سمعتُ الصراخ عليه.
وفى مجالسة الصالحين بحث خاص فليرجع اليه …

7- توبة جديدة :
قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)) التحريم
وقال تعالى: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) ) الأنعام

8- أمل جديد :
يقول الدكتور إبراهيم الفقي: أحياناً يَغلق الله سبحانه وتعالى أمامنا باباً لكي يفتح لنا باباً آخر أفضل منه، ولكن مُعظم الناس يضيع تركيزه ووقته وطاقته في النظر إلى الباب الذي أغلق، بدلاً من باب الأمل الذي انفتح أمامه على مصراعيه.
لذا نحن مأمورون من الله بالعمل والحركة والأخذ بالأسباب، فقد أمر الله تعالى السيدة مريم وهي في شهرها الأخير من الحمل أن تأخذ بالأسباب، فقال تعالى: ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾ [مريم: 25].
وهنا أمر الله تعالى مريم عليها السلام بأن تهز النخلة ليتساقط لها الرطب، مع قدرته سبحانه على إنزال الرطب إليها من غير هز أو تحريك، ورحم الله القائل:
ألم تر أنَّ اللهَ قال لمـــــــريمَ ** وهُزِّي إليك الجذْع يَسَّاقطِ الرُّطَبْ
ولو شاء أن تَجنيه من غير هزِّه** جَنَتْه ولكن كل شيء له سَببْ

الأمل للأمة كالروح للجسد:
فلولا الأمل ما بني بان، ولا غرس غارس، ولولا الأمل لما تحققت كل الإنجازات التي وصلت إليها البشرية. وذلك لأن المخترع لم يتمكن غالبا من تحقيق انجازه من أول مرة. أديسون بعدما أخطأ 999 مرة نجح في صنع أول مصباح كهربائي.
وإلا فما يدفع الزارع الي الكد والعرق ويرمي بحبات البذور في الطين؟ إنه أمله في الحصاد وجني الثمار.
وما الذي يغري التاجر بالأسفار والمخاطر ومفارقة الأهل والأوطان؟ إنه الأمل في الربح.
وما الذي يدفع الطالب إلي الجد والمثابرة والسهر والمذاكرة؟ إنه أمله في النجاح.
وما الذي يحفز الجندي إلي الاستبسال في القتال والصبر على قسوة الحرب؟ إنه أمله في إحدى الحسنيين إما نصر وإما شهادة.
سيدنا نوح عليه السلام يظل الف سنة إلا خمسين عاما يدعو قومه إلى الإيمان وما أصابه اليأس..
سيدنا إبراهيم عليه السلام: بلغ من الكبر عتيا ولم يرزق الولد ولكنه لم ييأس جاءته البشرى بالولد..
سيدنا يعقوب عليه السلام : لم يستسلم نبي الله يعقوب عليه السلام لألم الفراق بل ظل يحدوه الأمل قرابة أربعين سنة و هو كله ثقة وامل في أن يجمع الله تعالى بين الاحبة حتى في أحلك الظروف يقول لأبنائه قال تعالى: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].
سيدنا يونس عليه السلام : قال تعالى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ..)
سيدنا موسى عليه السلام: قال تعالى: (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)) القصص
وقال تعالى: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)) الشعراء.
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ظل في مكة ثلاثة عشر عاماً يدعو قومه إلى الإسلام، فيلقون دعوته بالاستهزاء، فما وهن ولا يأس ، وانظر إلى أمله صلى الله عليه وسلم وثقته في الله في الهجرة وعند الغار والغزوات وغيرها الكثير والكثير….

9- نصر جديد :
قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}(النور:55)، إن المؤمنين يحدوهم الأمل في أن الله ناصرٌ دينَه ومعزٌ أولياءه، وأنَّ من تمسك بهذا الدين لابد له من النصر والتمكين.
وقال تعالى: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ (المجادلة: 21).

أحوال السلف مع الأوقات :
جاء في كتاب المسك والعنبر :-قال الشافعيُّ رحمَهُ اللهُ:” صحبتُ الصوفيةَ انتفعتُ منهم بكلمتينِ. يقولونَ: الوقتُ سيفٌ، فإنْ قطعتَهُ وإلا قطعَكَ، ونفسُكَ إنْ لم تشغلْهَا بالحقِّ شغلتْكَ بالباطلِ”.انظر مدارج السالكين .
-قيل لسفيانَ الثوريِ: اجلسْ معنا نتحدثُ. قال: كيف نتحدثُ والنهارُ يعملُ عملَهُ، ما طلعتْ الشمسُ إلا كانتْ شاهدةً على العبادِ فيما فعلُوا ؟!!
-سألُوا الخليلَ بنَ أحمدَ الفراهيدِي -رحمَهُ اللهُ -: ما هي أثقلُ الساعاتِ عليكَ؟
قال: ساعةٌ آكلُ فيها.
-كَانَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ يَشْرَبُ الْفَتِيتَ وَلَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: بَيْنَ مَضْغِ الْخُبْزِ وَشُرْبِ الْفَتِيتِ قِرَاءَةُ خَمْسِينَ آيَةً ..
-يقولُ عبدُ الرحمنِ ابنُ الإمامِ أبي حاتمٍ الرازيِ ” ربَّمَا كان أبي يأكلُ وأقرأُ عليه، ويمشي وأقرأُ عليه، ويدخلُ الخلاءَ وأقرأُ عليه، ويدخلُ البيتَ في طلبِ شيءٍ وأقرأُ عليه “.
-يقولُ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ رحمَهُ اللهُ:” إنّ الليلَ والنهارَ يعملانِ فيكَ فاعملْ فيهمَا “..
-كان لقمانُ يقولُ لولدِهِ: أي بُنَىّ إنّك مِن يومِ أنْ نزلتَ إلى الدنيا استدبرتَ الدنيا واستقبلتْ الآخرةَ فأنتَ إلى دارٍ تُقبِلُ عليها أَقربُ من دارٍ تَبتعدُ عنها.
-قال سيدُنِا عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه: إنّي لأمقتُ الرجلَ أنْ أراهُ فارغًا ليس في شيءٍ من عملِ الدنيا ولا عملِ الآخرةِ”.
-قال ابنُ القيمِ -رحمَهُ اللهُ-: إضاعةُ الوقتِ أشدُّ من الموتِ؛ لأنّ الموتَ يقطعُكَ عن الدنيا ، و إضاعةَ الوقتِ تقطعُكَ عن اللهِ.
روي أن أبا الدرداء رضي الله عنه, وقف ذات يوم أمام الكعبة ثم قال لأصحابه ” أليس إذا أراد أحدكم سفرا يستعد له بزاد ؟ قالوا: نعم, قال: فسفر الآخرة أبعد مما تسافرون !
عباد الله:كان السلف رحمهم الله أوقاتهم موزعة بين العبادة، والتعلم، والحفظ، والتدريس، والتصنيف والإفتاء، وربما كان يُقرأ عليهم في الطريق، ويقرؤون هم في الطريق، وكان الخطيب البغدادي رحمه الله يمشي وفي يده جزء يطالعه، وكان جد شيخ الإسلام إذا دخل المغتسل أمر قارئاً يقرأ ويرفع صوته؛ ليستفيد من العلم وهو يغتسل، وكانوا يأكلون الطعام النيئ أحياناً؛ لضيق الوقت، ويختارون سف الكعك؛ لأنه أسهل وأشد يسراً في البلع، ولا يأخذ وقتاً في المضغ، وربما تعلم واحد منهم المسألة وهو على فراش الموت يحتضر، وقد قالوا: وقال عمر: تفقهوا قبل أن تسودوا؛ لأن السيادة لها ضريبة في الشغل والانشغال، فإذا لم يدخل فيها المرء بعلم وفقه، فأي شيء يفعل، وكيف يقود؟
وكان الواحد منهم يحفظ كل لحظة من زمنه حتى في حال النـزاع فقد نُقل في ذلك عن ثابت البُناني أنه قال: ذهبتُ أُلقِّن أبي، فقال: يابني دعني؛ فإني في وِرديَ السادس.

عقبات وأسباب في طريق استغلال الأوقات :
1-التسويف والجهل بقيمة الوقت :
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: “كم من إنسان خرج يقود سيارته ورجع به محمولاً على الأكتاف، وكم من إنسان خرج من أهله يقول هيئوا لي طعام الغداء أو العشاء ولكن لم يأكله ، وكم من إنسان لبس قيمصه وزر أزرته ولم يفكها إلا الغاسل يغسله، هذا أمر مشاهد بحوادث بغتة، فانظر الآن وفكِّر على أي حال تموت”.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: “التسويف سيف يقطع المرء عن استغلال أنفاسه في طاعة ربه، فاحذر أن تكون من قتلاه وضحاياه”.، وكنْ كما قالَ الشاعرُ:
تزوَّدْ مِن التقوى فإنّك لا تدري * إذا جنَّ ليلٌ هـل تعـيشُ إلى الفجــرِ
فكم مِن سليمٍ ماتَ من غير عِلَّةٍ * وكم مِن سقيمٍ عاش حِينًا مِن الدهرِ
وكم مِن فتىً يُمسي ويُصبحُ آمنًا * وقـد نُسجتْ أكفانُه وهـو لا يـدري

جـﻠﺲ رجل ﻋﻠﻰ شاطئ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻟﻴﻼً قبل ﺍﻟﻔﺠﺮ ﻓﻮﺟﺪ كيساً قد ﻣُﻠِﺊَ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎﺭة، ﻓﻤﺪ ﻳﺪﻩ ﻭأﺧﺬ ﺣﺠراً ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻴﺲ ﻭأﻟﻘﺎه في اﻟﺒﺤﺮ فأعجبه ﺻﻮﺕ ﺍﻟﺤﺠﺎﺭة ﻭهي ﺗُﻘﺬَﻑ في ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻓﻌﺎﺩ ﺍﻟﻜﺮة ﻣﺮةً أﺧﺮﻯ، وظل يقذف الحجارة ﻓـي ﺍﻟﺒﺤﺮ ؛ ﻷنَّ ﺻﻮﺕ ﺍﻟﺤﺠﺎﺭة ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﻘﻂ في ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻛﺎﻥ ﻳُﺴﻌِﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟرجل، ﻭﻛﺎن ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻗﺪ ٱﻗﺘﺮﺏ ﻭﺑﺪأ ﻳﺘﻀﺢ ﺍﻟﻜﻴﺲ ﺍﻟﺬي ﺑﺠﻮﺍﺭه ﺣﺘﻰ ﻣﺎ بقِيَ في ﺍﻟﻜﻴﺲ إلّا ﺣﺠراً ﻭﺍﺣﺪاً ﻭﻗﺪ أﺷﺮﻗﺖ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻓﻨﻈﺮ ﺍﻟﺼﻴﺎﺩ إﻟﻰ ﻫﺬا ﺍﻟﺤﺠر ، ﻓﻮﺟﺪه “ﺟﻮﻫﺮة” ﻭٱﻛﺘﺸﻒ أن ﻛﻞ ﻣﺎ أﻟﻘﺎﻩ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻛﺎﻧﺖ “ﺟﻮﺍﻫﺮ” ﻭﻟﻴﺲ ﺣﺠﺎﺭة ..

ﻭﻇﻞَّ ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻨﺒﺮة ﻧﺪﻡ : ﻳﺎ ﻟﻐﺒﺎئي ﻛﻨﺖ أﻗﺬﻑ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﺣﺠﺎﺭة ﻷﺳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺼﻮﺗﻬﺎ ﻓﻘﻂ!!
ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ أﻋﻠﻢ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﻣﺎ ﻓﺮﻃﺖ ﻓﻴﻬﺎ هكذا.
( كيس ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ) ﻫﻮ العمر الذي نلقي به ساعه وراء ساعة دون فائدة، (ﺻﻮﺕ ﺍﻟﻤﺎﺀ ) هو متاع الدنيا الزائل وشهواتها ( ظلام الليل ) هو الغفلة، (ظهور الفجر ) ظهور الحقيقة وذلك عند الموت حيث لا رجعة.
من الآﻥ ﻛﻦ ﻳﻘِـظاً ، ولا تضيع أوقاتك وجواهرك بلا فائدة، فتندم حيث لا ينفع الندم.
2-والكبر والغرور:
قال تعالى ﴿أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِى الأرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ الأرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ الروم
قال ابن كثير: ﴿كانت الأمم الماضية والقرون السالفة أشد منكم. وأكثر أموالاً وأولاداً، وما أوتيتم
معشار ما أوتوا، ومكنوا في الدنيا تمكيناً لم تبلغوا إليه، وعمروا فيها أعماراً طوالاً، فعمروها أكثر منكم، واستغلوها أكثر من استغلالكم﴾
3-الفرح بالدنيا والتنافس فيها والشح بما فيها:
اما الفرح بالدنيا فهو وحده مشكله ، قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8) } يونس ..
عن عبد الله بن عمرو قال خطب رسول الله :
فقال إياكم والشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا ﴾﴿ ﴾ ، وهو ما حذر النبي أمته منه حين حذرها من فتنة الدنيا والتسابق فيها فقال: ﴿فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم﴾
وقال تعالى حكاية عن صاحب الجنتين :
{ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) }
تاللهِ لو عاشَ الفتى من دهرهِ ***ألفًا من الأعوامِ مالِكَ أمرِه
متلذذًا فيها بكلِّ نفيسةٍ * متنعمًا فيها بنُعمى عصرِه
لا يعتريه السقمُ فيها مرةً * كلا ولا تردِ الهمومُ ببالِه
ما كان ذلكَ كلّه في * أنْ يفِي بمبيتِ أول ليلةٍ في قبرِه
4-الغفله ونسيان الموت :
قال ربُّنَا: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُون َلَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) (الأنبياء :1 ،2)كلماتٌ تهزُّ الغافلينَ هزًا، كلماتٌ تهزُّ الساقطينَ هزًا ،كلماتٌ تهزُّ اللاعبينَ هزًا، كلماتٌ تهزُّ العاقلينَ ، الحسابُ يقتربُ والساعةُ تقتربُ، والقيامةُ تقتربُ والناسُ في غفلةٍ، والناسُ معرضون لماذَا ؟ لأنّهم في اللهوِ والباطلِ والشهواتِ والمادياتِ غارقون ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ .
من شعر قس بن ساعده :
في الذاهِبينَ الأَوَّلينَ مِنَ القُرونِ لَنا بَصائِر
لَمّا رَأَيتُ مَوارِداًلِلمَوتِ لَيسَ لَها مَصادِر
وَرَأَيتُ قَومي نَحوَها تَمضي الأَصاغِرُ وَالأَكابِر
لا يَرجِعُ الماضي وَلايَبقى مِنَ الباقينَ غابِر
أَيقَنتُ أَنّي لا مَحالَةَ حَيثُ صارَ القَومُ صائِر
5-طولَ الأملِ :
جميلٌ أنْ تحملَ أملًا في قلبِكَ لتعمرَ الكونَ .. فالإنسانُ مفطورٌ على حبِّ الحياةِ ، ولا ينكرُ ذلك إلا جاهلٌ بالقرآنِ والسنةِ . جميلٌ أنْ أعيشَ في الدنيا وأنْ أحملَ الأملَ في قلبِي، لأنْ أُعَمِّرَ بيتًا لأولادِي، وأنْ أصلَ إلى أعلى المناصبِ وأرقى الدرجاتِ . وأنْ أُحَصِّلَ الملايين من الأموالِ من الحلالِ الطيبِ.لكنْ إياكَ أنْ يحولَ طولُ الأملِ بينك وبين طاعةِ مولاكَ حينئذٍ ( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) لذا حذرَ النبيُّ ﷺ مِن طولِ الأملِ، وهذا حديثُ النبيِّ لابنِ عمرَـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـكما في صحيحِ البخاريِ: ( كنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ )وَكَانَ ابْنُ عُمَرَـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ) رواه البخاري وروى عن علىٍّ بنِ أبى طالبٍـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ أنّه قال : اعملْ لدنياكَ كأنَّك تعيشُ أبدًا واعملْ لأخرتِكَ كأنَّكَ تموتُ غدًا .يفكرُ الإنسانُ أنْ سيخلدَ أنّه لا يزالُ صغيرًا لا يزالُ صحيحًا وهو لا يدري كم مِن صحيحٍ ماتَ لا مِن علةٍ وكم من مريضٍ عاشَ حينًا من الدهرِ وصدقَ النبيُّ ﷺ إذ يقولُ كما في حديثِ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ ((يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَبْقَى مِنْهُ اثْنَتَانِ الْحِرْصُ وَالْأَمَلُ)) رواه أحمد
يا مَن بدنياهُ اشتغلْ * وغره طولُ الأمل
ولم يزلْ في غفلةٍ * حتى دنَا منه الأجل
الموتُ يأتي بغتةً ***والقبرُ صندوقُ العمل