أيامًا معدودات
18 مارس، 2025
منبر الدعاة

بقلم المستشار الدكتور : محمد فهمي رشاد منصور
مدرس التفسير وأصول الفقه بجامعة القصر الدولية بدولة ليبيا
حين نتأمل التعبير القرآني في قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ] نلحظ الإشارات القرآنية في التعبير بالأيام دون التعبير بالشهر؛ فلم يقل سبحانه شهرًا واحدًا، بل قال: أيامًا معدودات.
ومن هذه اللطائف والإشارات:
(١) التدرج من فرض صيام ثلاثة أيام لإيجاب صيام شهر رمضان. وهذا رأي مرجوح؛ لأن الله لم يفرض صيامًا إلا رمضان، ومن قال بوجوب صيام الثلاثة أيام قال كان وجوبًا على التخيير (مَن شاء صام ومَن شاء أطعم) أما وجوب صيام رمضان فعلى التعيين.
(٢) كثرة المتابعين لعدد أيام الصيام والفطر، والذين يهتمون بالإحصاء والعدد خلق كثير، منهم المرأة الحائض والحامل والمرضع اللتان أفطرتا للرخصة، والمسافر المفطر، والذين يطيقون الصيام فيفطرون، فكانت السمة الغالبة على هؤلاء العدّ والإحصاء لأجل الفدية أو القضاء فناسب التعبير القرآني حالهم؛ ولذا أتبع الله ذكرهم في الآية نفسها بعد قوله (أيامًا معدودات).
(٣) أن الأيام أصل في حساب الشهر، فالمرجع في عدّة الشهر وحسابه إلى ٢٩ يومًا أو ثلاثين يومًا، فعبّر الله بالأصل وهو الأيام.
(٤) للفت الأنظار إلى قلة الأيام مقارنة بأيام السنة أو العام، ولذا فالمعدود قليل مقارنة بغير المعدود، وكانوا يقولون: كفى بالمرء نُبلًا أن تُعَدَّ معايبُه، أي: أيام معدودة قليلة، فانتبهوا لها جيدًا واجتهدوا في اغتنامها.
(٥) أن التحري في رؤية الهلال يبدأ وينتهي بالأيام، فنقول: أول يوم من رمضان، واليوم الثاني واليوم الثالث من رمضان وآخر يوم من رمضان، فكان مرور الأيام مقياسًا للشهر.
(٦) اليوم يتم تحديده بالتمام والكمال، فلم يقل: أسابيع معدودة، ولا ساعات معدودة ولا شهرًا واحدًا، لاحتمالية أن يكون هناك أسبوع غير مكتمل، والأوقات والساعات تزيد وتنقص في عدد ساعات الصيام، فكان الأنسب التعبير بالأيام.
ختامًا
يا مَن أسرف فيما مضى ثم اعترف
أحسن فيما بقي تُعطَ الشرف
وأبشر بقول الله في تنزيله
إن ينتهوا يُغفَر لهم ما قد سلف
﴿أوشك رمضان على الانتهاء ، فتأمل وتنبَّه لذلك﴾