العلوم الدينية والعلوم السياسية كلاهما من العلوم الصعبة والمركبة [ سلسلة الدين والسياسة السماء الصافية والبحر العميق]
27 أكتوبر، 2025
أخبار العالم الإسلامى

بقلم الدكتور حاتم عبد المنعم أستاذ علم الاجتماع البيئى بجامعة عين شمس
سلسلة الدين والسياسة السماء الصافية والبحر العميق المقال الثاني :
ترى نظرية المعرفة العلمية للعالم أوجست كونت أن المعرفة العلمية تنقسم إلى نوعين من العلوم، وهما: 1. علوم بسيطة. 2. علوم مركبة.
والعلوم البسيطة هي تلك التي لا تعتمد في دراستها على العلوم الأخرى إلا نادراً؛ فمثلاً معرفة الأرقام والعمليات الحسابية هي أبسط أنواع المعرفة، ويستطيع الانسان حتى الأمي الذي لا يجيد القراءة والكتابة أن يقوم بها وكثير من الباعة والبسطاء يقومون بها أفضل من المتعلمين بخبرتهم العملية.
وبالتالي هؤلاء يقومون بالعمليات الحسابية دون الحاجة لمعرفة اللغة العربية أو غيرها، ويلي ذلك في الترتيب علم الجبر الذي يحتاج لمعرفة الأرقام والكتابة، وبعد ذلك علم الهندسة الذي يحتاج لمعرفة الأرقام ثم الرسم الهندسي كرسم زاوية أو مثلث وخلافه، وبذلك تكون الهندسة علماً أكثر تركيباً من الحساب والجبر، ثم تتدرج المعرفة العلمية في التركيب إلى علوم الطبيعة، حيث تحتاج الفيزياء إلى الإلمام المسبق بالرياضيات، ثم معرفة خواص المواد.
ويزيد علم الكيمياء في المعرفة اتساعاً، بدراسة تحليل العناصر والمواد والخواص المواد المختلفة قبل خلطها أو تحليلها، وهي عملية أكثر تركيباً من الفيزياء، وبعد ذلك تتصاعد المعرفة إلى علوم النبات ثم علوم الحيوان وهنا يستلزم أن الإلمام والمعرفة بالرياضيات والفيزياء والكيمياء، وتتدرج المعرفة بعد ذلك إلى العلوم ، وبعد ذلك الدراسات الانسانية النظرية كعلوم الدين والسياسة والاجتماع والجغرافيا والإيكولوجيا البشرية، وبعد ذلك الفلسفة هذا هو تصنيف العلوم من وجهة نظر أو جست كونت ( ميشيل بوردو ترجمة خالد أبو هريرة موسوعة ست أنفورد للفلسفة 2018 دار بيروت للنشر ص 39)
وتأتي العلوم الدينية والسياسية من أصعب العلوم لأنها مركبة تعتمد على عدة علوم أخرى فمثلاً العلوم الدينية تعتمد على علم اللغة والبلاغة والتاريخ والفلسفة وغيرها من علوم أخرى وأيضاً العلوم السياسية تعتمد على الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد والمجتمع وغيرها من العلوم، ثم تزداد صعوبة العلوم الدينية والسياسية بوجه خاص لوجود مصالح عالمية وإقليمية ومحلية تسعى للتدخل سواء بنشر إشاعات كاذبة أو إخفاء حقائق مما يزيد من صعوبة هذه التخصصات تحديداً لتداخل مصالح دنيوية ومادية وسياسية تزيد من الصعوبة والغموض.
ثالثاً: انتشار الأمية وضعف الثقافة بوجه عام في الوطن العربي :
يعاني الوطن العربي بوجه عام من أنتشار الأمية وضعف الثقافة بوجه عام في كثير من بلدانه فنجد على سبيل المثال مصر منارة العلم في الوطن العربي كانت نسبة الأمية عام 1952 تبلغ 80% من الشعب المصري وفى عام 1970 بلغت نسبة الأمية في مصر 50% وعام 2017 نحو 26% أمية هذه هي نسبة الأمية في مصر التي يقوم أبنائها بتعليم أبناء معظم الدول العربية وللأسف في المقابل نجد نسبة الأمية في إسرائيل عام 2006 هي 4.6% أي اقل من 5%فقط معظمهم من عرب 1948، هذا مؤشر واضح على انتشار الأمية، ثم تأتي بعد ذلك للمتعلمين ونظام التعليم وهل التعليم في الوطن العربي ينتج عنه انسان مثقف فاهم وقادر على استيعاب مشكلات وتحديات العصر.
للأسف هناك مشكلات كبرى سواء في المناهج والامكانيات أو في التنشئة الاجتماعية أو حتى في الانفاق على التعليم والبحث العلمي في وطننا مقارنة بالدول الأخرى، حيث نجد فصل تعسفي في المقررات الدراسية لكل مرحلة بداية من الثانوي العام حيث تنقسم التخصصات في جزر منعزلة بعيده عن بعضها البعض و عن المنظور البيئي الشامل لمشكلات العصر الذي يستلزم تكامل المعرفة والثقافة من أجل العمل الفريقى لمواجهة مشكلات العصر التي تستلزم ذلك ولا يصلح معها تخصص واحد منعزل، فمثلاً مشكلة كورونا ترتبط بالطب والبيولوجي، وعادات وتقاليد المجتمع وترتبط بالاقتصاد والسياسة وتمثل ضغوطاً نفسية واجتماعية واقتصادية متنوعة، ولابد عند مواجهتها أو تناولها من خلال العمل الفريقي المتكامل والمنظور البيئي الشامل، ولكن للأسف دراسة معظم التخصصات منعزلة عن بعضها البعض يكون الناتج انسان ملم أو يجيد التخصص الدقيق ولكنه بمعزل عن باقي التخصصات وعادة لا يفهم كثيرا خارج تخصصه ثم أيضاً أساليب التنشئة الاجتماعية في معظم الأسر تركز على التفوق الدراسي فقط ولا تسعى للثقافة العامة، مما يزيد من تركيز الطالب في تخصصه ويكون عادة محدود الثقافة العامة رغم تفوقه في تخصصه.
فنجد طبيبًا أو مهندسًا أو غيره يجيد تخصصه فقط ويجهل الثقافة العامة أو النظرة المنظومية الشاملة أو العامة، لذلك ليس غريباً أن يكون هؤلاء المتفوقين في كليات القمة أكثر تفوقاً في الدراسة وأقل قبولاً للرأي الآخر والثقافة العامة لذلك نجد كثير من قيادات الجماعات المتطرفة خريجي هذه الكليات أو كليات القمة ومعظمها كليات علمية تخضع لقوانين ثابتة ولا تناقش الرأي والرأي الآخر، والمهم حتى المتعلمون في وطننا العربي ونسبتهم قليلة مقارنة بالعدو أو دول العالم الأخرى ثقافتهم محددة وفي هذا المجال يكفي أن نقارن الإنفاق على التعليم والبحث العلمي مع العدو وهذا ينقلنا لواقع البحث العلمي في مصر ووطننا العربي بوجه عام، حيث نجد أن الواقع مؤلم وخطير جداً، خاصة أن عدونا متقدم جداً في مجال البحث العلمي، وعلى سبيل المثال فإن متوسط ما ينفق على البحث العلمي في الوطن العربي أقل من نصف في المائة من الدخل القومي في كل العقود الأخيرة مقابل نحو 4% في إسرائيل، أي نحو عشرة أضعاف الوطن العربي؛ ولذلك نجد الاختراعات العلمية العالمية لإسرائيل نحو خمسين ضعف الاختراعات لكل الدول العربية مجتمعة، ونجد نسبة الأنفاق على البحث العلمي في اليابان 3% وتقريباً نفس هذه النسبة في فرنسا والسويد وكل دول العالم المتقدمة لا تقل عادة عن 2%، وواقعنا العربي يتطلب المزيد من ال أنفاق لتعويض الفجوة الخطيرة مع العالم بوجه عام، والعدو بوجه خاص.(مركز سيتا للبحث العلمى22 اغسطس2019 ص 5).
وبالتالي يجب أن نرفع هذه النسبة إلى 6% أو 7% فهل نعي خطورة وتداعيات استمرار الموقف الراهن للبحث العلمي والتعليم في وطننا العربي؛ لأن الميزانيات الحالية للبحث العلمي هي في معظمها ميزانية رواتب وصيانة، وفي هذا المجال تشير نتائج دراسة حديثة للبنك الدولي أن كل دولار ينفق على التعليم يكون العائد السنوي نحو 17سبعة عشر ضعف من خلال زيادة إنتاجية وجودة الشخص المتعلم هنا، فضلاً عن توفير صحة أفضل وبيئة أفضل من جميع ال أوجه للجميع، لذلك تتجه كل دول العالم الان لزيادة ال أنفاق على التعليم في كافة مراحله، هذا ملخص دراسة لأكبر مؤسسة رأسمالية في العالم ولذلك يقول غاندي يجب أن ننفق على التعلم كثيراً لأننا فقراء، والكاتب يتفق مع هذه المقولة بل أن مقولة أن مثلث الفقر والجهل والمرض هو سبب التخلف مقولة خاطئة و أن هذا المثلث مفهوم خاطئ حيث أرى أن المشكلة في الجهل فقط لان الانسان المتعلم لن يكون فقيراً حق لو تعلم وأجاد مهنة أو حرفة لن يكون فقيراً والمجتمع المتعلم سيكون أفضل صحياً وأقل في أنتشار الأمراض لان الجهل يزيد المرض وهناك مجتمعات كانت فقيرة وأصبحت غنية بفضل ثروات طبيعية ولكنها أصبحت مجتمعات زادت فيها الأمراض عن مجتمعات الآباء الأقل ثروة ومالاً، وذلك راجع إلى أن الثروة بدون علم زادت من التكاسل وقلة الحركة مع الاعتماد على الأطعمة الجاهزة والضارة صحياً لذلك زاد المرض في هذه المجتمعات، ومن ثم فالإنسان والمجتمع المتعلم لن يكون فقيراً وسيقل فيه المرض.
إذن المشكلة كلها في الجهل والمجتمع المتعلم لن يقبل بالدكتاتورية والنظم المستبدة لان الديمقراطية تعني ببساطة حكم الشعب لصالح الشعب والشعب المتعلم لن يقبل بالدكتاتورية، ولذلك فان الديمقراطية لا ترتبط بالحاكم وشخصيته بل هي ترتبط بالشعب والتعليم فهل مصادفة أن كل البلدان التي ينتشر فيها العلم بها ديمقراطية وكل بلدان العالم الثالث التي ينتشر فيها الجهل ديكتاتورية وحتى لو أعطيت الديمقراطية لشعب جاهل ماذا سوف تكون النتيجة؟
الخلاصة أن التعليم وحده فقط هو الحل لمشكلة الفقر والمرض والديكتاتورية والإرهاب ولكل المشاكل، وهنا يعني التعليم الجيد والثقافة الموسوعية الشاملة التي يفتقدها بشدة عالمنا العربي هي الحل لمعضلة السياسة والدين بمعنى أن المشكلة في التعليم والثقافة والحل أيضاً في التعليم والثقافة من خلال المنظور البيئي الشامل والعمل على أن يكون الانسان العربي مثقف وملم بقضايا واحتياجات عصره في الدين والسياسة والمجتمع والاقتصاد. وفي ضوء جغرافية وتاريخ المكان والزمان ومتغيرات عصره وكل ما سبق نفتقده بشدة في عالمنا العربي للأسف ولذلك أيضاً إذا أردنا تطبيق مبادئ الدين والشريعة فالحل يكون من خلال نشر التعليم وهذه القيم منذ مرحلة النشء والطفولة في كل أنواع التعليم العام والديني وغيره فهذا هو الحل المضمون والمستمر بعيداً عن المصالح والصراعات الكبرى، وهذا ما فعله كل الانبياء والرسل من خلال التعليم اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾. (العلق1).