يهود المدينة ويهود فلسطين: مؤامرات تاريخية بين الماضي والحاضر


بقلم فضيلة الشيخ : حسين السمنودي

إمام وخطيب ومدرس على درجة مدير عام بمديرية أوقاف القاهرة

منذ أن ظهر اليهود كجماعة متغلغلة في المجتمعات، كان لهم منهج لا يتغير مهما اختلف الزمان والمكان: المؤامرة، وإشعال الفتن، والخروج على الاتفاقات والمواثيق. ذلك النهج الذي سطّره التاريخ قديمًا في المدينة المنورة، ويتكرر اليوم في فلسطين المحتلة بكل وضوح.

عندما هاجر النبي محمد ﷺ إلى المدينة، استقبلته القبائل بالترحاب، وعقد النبي مع اليهود وثيقة المدينة التي تضمن للجميع الأمن وحرية الدين والتعايش المشترك. لكن ما الذي حدث؟
خيانة وراء أخرى…
فبدلاً من احترام العهود، بدأوا في نشر الفتن بين المسلمين، وتحريض المشركين عليهم، ومحاولة ضرب وحدة مجتمع المدينة، رغم علمهم بصدق النبي ﷺ ونقاء دعوته.

قبائل بني قينقاع، ثم بني النضير، ثم بني قريظة…
ثلاثة جروح متعاقبة زرعتها يد واحدة في جسد المدينة، يد لم تتخلّ يومًا عن الخيانة. كانوا يظهرون الود ويخفون العداء، حتى قال الله تعالى عنهم:

> يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ
فكانت نهايتهم الطرد والهزيمة والتشتت بعد أن تمادوا في الغدر.

واليوم… الصورة ذاتها تتكرر ولكن على أرض فلسطين.
اليهود الذين احتلّوا الوطن وسرقوا الأرض وشردوا أهلها، لا يزالون يمارسون أقذر أنواع المؤامرات:

تشويه الحقائق وقلب الموازين إعلامياً وسياسياً

بناء المستوطنات وابتلاع ما تبقى من الأرض

حصار وقتل وتهجير واستهداف الأطفال والنساء

اللعب على وتيرة الانقسام بين الفلسطينيين والعرب

تسويق أنفسهم كضحايا رغم أنهم الجلادون

ومن المؤامرة الكبرى ما يسمى بالمشروع الصهيوني الذي قام على فكرة واحدة:

> “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”
وهو أكذب شعار شهدته البشرية، فالأرض لها أصحابها، والتاريخ لا يمحوه طغيان ولا تزوير.

اليهود منذ القديم اتخذوا من النقض والخيانة مذهبًا ثابتًا. لا عهد عندهم يُحترم، ولا سلام لديهم يُصان. يدٌ تمتد للمعاهدات، ويدٌ أخرى تخطط للقتل والاستيلاء، وبين اليدين دماء الأبرياء.

ومع كل هذا، يظل الفلسطينيون رمزًا للصمود.
شعبٌ كتب بدمه ملحمة لا تنتهي، شعب آمن أن الأرض تُحمى بالرجال قبل السلاح، وأن القدس لا تُعطى هدية ولا تُترك صدفة.

وقد يظن اليهود أن التاريخ يكتب بقوة السلاح، وأن الأرض تُمتلك بالدم المسفوك، لكن الحقيقة أثبتت أن من يغتصب الحق لا يدوم له مُلك، وأن الشعوب لا تموت ما دام في قلوبها وطن. من خذلوا العهود قديمًا في المدينة، هم أنفسهم من يخدعون العالم اليوم في فلسطين، غير أن مشهد النهاية محفوظ في صفحات القدر:
أمّة لا تركع إلا لربها، وشعبٌ كلما سقط شهيدًا ولد ألف بطل مكانه. سيأتي يوم ينكسر فيه الغاصب أمام ثبات أصحاب الأرض، يوم يُفتح فيه باب المغتصَب ويعود الحق لأهله. وحينها لن يتذكر أحد أسماء المحتلين، بل سيُروى عنهم أنهم كانوا هنا… ثم زالوا.