بقلم الدكتور: نعيم شرف العميد السابق لكلية الدراسات الاسلامية والعربية جامعة الازهر الشريف
النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- خير البشرية، وأكملها خلقا، وأسماها روحا، ذلكم النبي الذي أسر البشرية جمعاء بخلقه العظيم، وسيرته المحمودة، وأسوته الحسنة، ورحمته المسداة..
ولقد كان رسول الله – صلّى الله عليه وسلم– المثال الأعلى للإنسانية جمعاء، ويتمثل ذلك واضحا في معاملته مع زوجاته أمهات المؤمنين- رضوان الله عليهن أجمعين- حيث كان يتعامل معهن باللين، والرفق، والمحبة، ويلاعبهن، ويلاطفهن، ويمزح معهن، وكن يشتكين له- صلى الله عليه وسلم- أحوالهن في أصعب المواقف، فلم يتوان عن جبر مشاكلهن، وحلها، وجبر خاطرهن، رغم قمة انشغاله بأمور الأمة، يقول نبينا- صلى الله عليه وسلم-: (أَكْمَلُ المؤْمِنين إيماناً أحْسَنُهم خُلُقاً ، وَخِياركم خيارُكم لِنِسائهم) .
وفي آخر خطبه- صلى الله عليه وسلم- قال: ( أيها الناس، اتقوا الله في النساء، اتقوا الله في النساء، أوصيكم بالنساء خيرا ).
لقد كان النبي– صلى الله عليه وسلم – مدركا إدراكا تاما لمكانة المرأة، وقدرها، ومساواتها للرجل في الإنسانية، والمشاعر، والقدرات العقلية، والميراث، والتملك، والزواج، وجميع الحقوق والواجبات، وأيضا في تكليفها مثل الرجال بالنهوض بالمجتمعات، وفي مهمة الاستخلاف في الأرض، وجعلها على درجة واحدة مع الرجل في التكريم، والإكبار، والإجلال.
وللنبي- صلى الله عليه وسلم- مواقف عديدة في طرق التعامل مع زوجاته رضوان الله تعالى عليهن أجمعين؛ فقد كان يستشيرهن، ويأخذ برأيهن؛ ومن ذلك أخذه بمشورة زوجه أم المؤمنين، السيدة أم سلمة- رضي الله عنها- في يوم الحديبية. وكان – صلى الله عليه وسلم – يدلل زوجاته، ويناديهن بأحسن الأسماء إليهن؛ ومن ذلك أنه كان يقول لعائشة- رضي الله عنها- : ( يا عائش، يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام )، ويقول لها أيضا: يا حميراء، تصغير حمراء، يعني يا صاحبة الوجه الأبيض، الذي أشرب بحمرة.
وكان رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- مجيدا في إظهار حبه لزوجاته، وقراءة مشاعرهن؛ ومن ذلك مثلا قوله لعائشة رضي الله عنها في حديث أم زرع: ( كنت لك كأبي زرع لام زرع ) يعني في الحب، والحنان، والرقة، والوفاء، فقالت عائشة رضي الله عنها: ( بأبي وأمي لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع ) .
وقوله للسيدة عائشة رضى الله عنها: ( إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عني غاضبة، أما إذا كنت عني راضية ، فإنك تقولين لا ورب محمد، وإذا كنت عني غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم ).
وكان النبي- صلوات الله تعالى عليه – يساعد أهل بيته في أعمال المنزل؛ فقد سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عما كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يصنع في بيته؟ فقالت: ( كان في مهنة أهله)، وفي رواية الإمام أحمد: (كان بشرا من البشر، يخيط ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه ).
وكان- صلى الله عليه وسلم – يقدر غيرة المرأة على زوجها، ويتفهم مشاعرها، فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم – كان في بيت عائشة، وكان لديه بعض الضيوف دعاهم إلى تناول الطعام، فسمعت زينب بنت جحش بذلك، فأرسلت مع خادمتها صحفة فيها ثريد عليه ضلع شاة، وهو الطعام الذي تعرف أن الرسول صلى الله عليه و سلم كان يفضله على سائر الأطعمة الأخرى، وما كادت عائشة ترى الصحفة في يد الخادمة حتى ضربتها بيدها، فوقعت الصحفة على الأرض وانفلقت الصحفة، ودخلت عائشة تبكي في غرفتها، فتبسم – صلى الله عليه و سلم – وقال للضيوف: ( غارت أمكم، غارت أمكم، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشةـ رضي الله عنها- فبعث بها الى أم سلمة، وأعطى صحفة أم سلمة لعائشة رضي الله عنها ).
ذلكم هو المنهج الذي أرساه خيرُ البرية محمد- صلى الله عليه وسلم- للتعامل مع المرأة، وتلكم بعض مواقف النبي- صلى الله عليه وسلم- التي رفعت مكانة المرأة، وكرمتها حق تكريم.
وهذا وذاك هو المنهج الذي نهديه- في زمننا هذا- لأشباه الرجال، الذين يعتقدون أنهم أرقى من المرأة اجتماعيا، وإنسانية، ويشعرونها بالدونية، وخاصة إذا تأكد من حبها له، واهتمامها الزائد به، فيقوم بتعنيفها، واتباع منهج القسوة معها، ويحرمها مكانتها وحقوقها المشروعة.
ولذلك أهيب بجميع الرجال نبذ العنف ضد المرأة، واتباع خير الأنام في تعامله مع زوجاته، من حيث الرفق، والعطف، والمودة، والعدل، والحلم، والكرامة الإنسانية، فالرفق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.