محبة آل البيت: أصل الإيمان ومنهج التربية للأبناء


بقلم الشيخ الدكتور : فواز الطباع الحسني

عميد رواق ودار الإمام أحمد الرفاعي رضي الله عنه بالاردن

إن محبة أهل البيت النبوي (عليهم السلام) هي جزء أصيل من عقيدة المسلم وعبادته، وليست مجرد فضيلة أو عاطفة، بل هي واجب شرعي ومحور تربوي ينبغي على الآباء غرسه في نفوس الأبناء. وفيما يلي مقالة توضح كيفية تعليم الأبناء هذه المحبة مع الأدلة الشرعية.

أولاً: الأدلة الشرعية على وجوب محبة أهل البيت

تأتي محبة أهل البيت النبوي منزلة عظيمة في الإسلام، وقد دلت عليها نصوص صريحة من القرآن الكريم والسنة النبوية، مما يجعل تربية الأبناء عليها واجباً لا اختياراً:

1. الدليل من القرآن الكريم (آية المودة)

قال تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [الشورى: 23].

وجه الدلالة: المودة في القربى (أي أهل البيت) هي الأجر الذي طلبه النبي صلى الله عليه وسلم من أمته مقابل تبليغ الرسالة، وهذا يدل على علو منزلتهم ووجوب مودتهم ومحبتهم على الأمة.

2. الدليل من السنة النبوية (حديث الثقلين)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما». (رواه الترمذي وغيره، وهو متواتر عند بعض العلماء).

وجه الدلالة: هذا الحديث يقرن أهل البيت بالقرآن الكريم، ويجعل التمسك بهما (أي بهديهما وسيرتهما) سبباً للنجاة من الضلالة، وهذا يوجب تعظيمهم ومحبتهم واتباعهم.

3. الدليل على وصية النبي ﷺ بتربية الأبناء

ورد في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أدِّبُوا أولادكم على ثلاث خصال: حُبِّ نبيكم، وحُبِّ أهل بيته، وقراءة القرآن».

وجه الدلالة:وضع النبي صلى الله عليه وسلم محبة أهل بيته ضمن أولويات التربية الإسلامية للأبناء، مما يؤكد أنها جزء أساسي من هويتهم الإيمانية.

ثانياً: الطرق العملية لتعليم الأبناء محبة أهل البيت

محبة أهل البيت ليست شعاراً يُرفع، بل منهج حياة يُمارس. ويمكن للوالدين غرس هذه المحبة بالوسائل التالية:

الوسيلة التربوية : التطبيق العملي وطريقة الغرس

1. القدوة الحسنة :
يجب أن يرى الأبناء المحبة والتقدير لأهل البيت تتجسد في سلوك الوالدين؛ كذكر أسمائهم بالصلاة عليهم، والدعاء لهم، وتوقير أذكارهم في المجالس. 

2. القصص والسيرة المشرقة:
التركيز على جوانب الطفولة: سرد قصص الحسن والحسين (رضي الله عنهما) وكيف كان النبي يُلاعبهما ويحملهما، وكيف كان النبي يُعامل ابنته فاطمة الزهراء (رضي الله عنها) بالحب والتكريم. 

3. الربط بالعبادات :
الصلاة: تعليم الأبناء أن الصلاة لا تتم إلا بالصلاة على الآل في التشهد الأخير (“اللهم صل على محمد وعلى آل محمد…”). 

4. إحياء المناسبات الهادفة :
تحويل مناسبات ميلاد أو وفاة بعض الأئمة إلى دروس وعبر، وتوضيح تضحياتهم وصبرهم على البلاء (مثل حادثة كربلاء للإمام الحسين) كدروس في الشجاعة والثبات. 

5. التسمية والاقتداء :
اختيار أسماء الأبناء والبنات من أسماء أهل البيت (علي، حسن، حسين، فاطمة، زينب، إلخ)، وربط الاسم بالشخصية والتأكيد على ضرورة الاقتداء بأخلاقهم. 

6. التوجيه بالقرآن : عند قراءة الآيات التي وردت في شأن أهل البيت (مثل آية التطهير أو آية المودة)، يجب الوقوف عند معناها وشرحها للطفل بطريقة مبسطة تتناسب مع عمره. 

7. تعليم الأدب والاحترام*  غرس أهمية مخاطبة أهل البيت بألقابهم الصحيحة (الإمام، السيدة، السبط، الأمير) وتعويد اللسان على ذكرهم بالترضية عليهم (رضي الله عنهم). |

ثالثاً: ثمرة هذه التربية :

إن تربية الأبناء على محبة أهل البيت تحقق ثمرات عظيمة للفرد والمجتمع:

1. كمال الإيمان: محبة أهل البيت من كمال الإيمان، وهي دليل على محبة النبي صلى الله عليه وسلم.

2. الاتباع العملي: المحبة الصادقة تتحول إلى رغبة في الاقتداء بهم في العلم والأخلاق والصبر، مما ينمي في الطفل شخصية إسلامية سوية وقوية.

3. الوحدة الإسلامية: محبة آل البيت نقطة التقاء بين جميع طوائف المسلمين، فترسخ في الأجيال الناشئة قيمة الاحترام والتوحيد بين المسلمين.

الخلاصة:
إن مهمة الوالدين ليست مقتصرة على توفير احتياجات الأبناء المادية، بل هي رسالة مقدسة لغرس أصول الدين، ومحبة أهل البيت هي من أعظم هذه الأصول، بها يكتمل الأدب، وتزكو النفس، ويسير الأبناء على هدى النبوة.