حين يسقط العجوز بجوار الاتوبيس


سلسلة بيوت على نور (8)
بقلم . د : ابتسام عمر عبد الرازق

حين سقط العجوز بجوار الأتوبيس…

سقط العجوز بجوار الأتوبيس بعدما دفعه الكمسري بغلظة، فسقطت معه هيبة الرحمة من بعض القلوب ,مشهد بسيط، لكنه يهزّ الضمير الحيّ إن وُجد ,كم من كبيرٍ في العمر يشعر اليوم بأنه عبءٌ على المجتمع! بينما في ديننا هو بركةٌ تمشي على الأرض قال تعالى.{وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} (الاسراء 23 )

وهذه الآية لم تُوجَّه فقط للوالدين، بل تربيةٌ لنا جميعًا أن يكون كلامنا كريمًا مع كل كبير وضعيف .

قال رسول الله ﷺ ” ليس منا من لم يوقّر كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حق””
(رواه أحمد)

إن احترام الكبير خلقٌ نبويّ قبل أن يكون سلوكًا اجتماعيًا, وإكرام ذي الشيبة عبادةٌ تُرضي الله قبل أن تُرضي الناس, ليست الرجولة أن ترفع صوتك على كبير، ولا الشجاعة أن تستهين بضعف الآخرين الرجولة الحقيقية أن تحمل بيدك من عجز، وتخفض صوتك أمام من شاب رأسه في طاعة الله.

تذكّر أن الكبير هو ماضيك الذي ستصير إليه يومًا ,من يرحم اليوم يُرحم غدًا، فالدنيا تدور، والعمر لا يتوقف عند الشباب اخفض صوتك أمام الكبار، فإن في خفض الصوت احترامًا وفي الاحترام بركة قال تعال(وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) ( سورة لقمان الأية 19), قدّمهم في المجالس والمواصلات، فقيامك لهم لا يُنقص من قدرك، بل يرفعك عند الله فقد قال ﷺ ” إن من إجلال الله إكرام ذى الشيبه المسلم ” رواه أبو داود ,كن عوناً لا عبئا, ًساعد من عجز، وخفف عن من تعب،

فرب كلمة طيبة أو يدٍ ممدودة تفتح لك بابًا من أبواب الجنة اجعل الرجولة خُلقًا قبل أن تكون هيئة ليست الرجولة في القوة ولا الصوت العالي، بل في اللين، والستر، والرحمة، وحُسن الخلق لا تسخر من ضعف الكبير أو بطء خطواته، فكل تجعيدة في وجهه حكاية تعبٍ وصبرٍ وعمرٍ أفناه لأجل من بعده.

اجعل احترام الكبير عادة فيك، سواء كان والدك أو غريبًا لا تعرفه، لأنك إن فعلت ذلك لله، رفعك الله في أعين الناس وفي ميزانك.

يا شباب الأمة…
من أراد أن يكون محبوبًا في الأرض، فليكن رحيمًا بالناس، ومن أراد أن يعلو قدرة عند
الله، فليتواضع لمن هم دونه في القوة، وأكبر منه في العمر فالله يرفع من تواضع، ويُهين من تكبّر.{وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا}( سورة الفرقان الأية 63)

هكذا وصفهم ربّ العالمين… يمشون برحمة، ويتحدثون بأدب , ويعاملون الناس يخلق كريم.

ومن هنا تبدأ بيوت على نور حين تُربّى القلوب على الرحمة، ويتعلم الأبناء الرحمة

أن احترام الكبير عبادة، وأن الكلمة الطيبة صدقة , وأن الرجولة لا تكتمل إلا بخلقِ وإيمان , فالبيوت التى يسكنها خُلق الرحمة هى بيوتٌ يسكنها النور , نور الإيمان، ونور الأدب، ونور التعامل الجميل.