خلق الإنسان من ماء دافق

المقال الرابع والعشرون من سلسلة (الاعجاز الطبى في القرآن والسنة)
اعداد الاستاذ الدكتور/ عبد الحميد محمد صديق
استشارى الجراحة العامة

قال تعالى: ” فلينظر الإنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّا دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصلب والترايب ” . الطارق: 1٥-١٧

ومن الدلالات العلمية للآيات القرآنية الثلاث:

أولاً : في قوله تعالى:” فلينظر الإنسانُ مِمَّ خُلِقَ “.

جاءت الإشارات إلى خلق الإنسان في أكثر من مائة موضع فى القرآن الكريم وهى مراحل في الخلق من لدن أبينا آدم إلى آخر إنسان، وهى مراحل يتمم بعضها بعضاً وتشهد الله الخالق بطلاقة القدرة وبديع الصنعة وإحكام الخلق ولذلك قال تعالى: “وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبصِرُونَ” . الذاريات : ٢١ .

وهذه المراحل تؤكد في الوقت نفسه حقارة نشأة الإنسان الأولى التي لا تزول عنه إلا بالارتباط الصادق بخالقه وعبادته بما أمر والقيام بواجبات الاستحلاف في الأرض بحسن عماراتها، وإقامة عدل الله فيها.

وتذكير الإنسان بحقارة نشأته الأولى لجام فطرى الغروره واستعلائه ومحاولاته لتجاوز حدوده بحكم أنه مخلوق ذو إرادة حره وفي تذكير الإنسان بحقائق نشأته الأولى بهذا التفصيل الذى فصله الله تعالى لنا في محكم كتابه حد من نزغات الشيطان التي تسول للإنسان أحياناً حب الخروج عن حقيقة الخلق والدينونة الله الخالق بالغرق في أوحال الخلق العشوائي.

كما نادت به فكرة التطور العضوي أو الشرود بالخيال الجامع كتصور أبوين لآدم عليه السلام دون أدنى حجة منطقية.

وقضية الخلق بأبعادها الثلاث :

ـ خلق الكون

ـ وخلق الحياة

ـ وخلق الإنسان.

جميعها من القضايا الغيبية التي إذا دخلها الانسان بغير هداية ربانية من القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة دخل نفقاً مظلماً لا يخرج منه أبدا مهما كان بيديه من الشواهد الحسية ولذلك قال ربنا ” ما أَشْهَدتُهُمْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِينَ عضُدًا “. الكهف: ٥١ .

ولذلك فسر القرآن مراحل خلق الإنسان فى اكثر من مائة آية قرآنية، وأمرنا في هذه السورة المباركة بالنظر في “ممَّ خلق” فسره بالماء الدافق الذى يخرج من بين الصلب والترائب وفسره فى مقام آخر بالماء المهين حتى لا يركب الغرور أحداً من المخلوقين.

ثانياً: في قوله تعالى: ” خُلِقَ مِن مَّاءٍ دافئ” ، فى الوقت الذي ساد الاعتقاد بأن الجنين يتخلق من دم الحيض فقط، أو من ماء الرجل فقط، نزل القرآن بقول الحق ” تبارك وتعالى ” مقرراً إن الإنسان خُلِقَ مِن مَّاءٍ دافئ “

ويتضح من السياق أن الماء الدافق الذي يخرج منه الإنسان يقصد به ماء كل من الرجل والمرأة وسمي دافقاً، لأن كلا منهما يخرج من مصدره .

 فماء الرجل يخرج من غدتيه التناسيلتين “الخصيتين” وهما الغدتان المسئولتين عن تخلق النطف الحيوانات المنوية”. وعن إفراز هرمونات الذكورة وهما في الرجل يوجدان خارج الجسم في كيس الصفن، وذلك متدفقاً.

لأن حرارة الجسم العادية ۳۷ درجة مئوية فى المتوسط لا تسمح بتخلق النطف.

مكونات الخصية :

هى غدة بيضية الشكل مكونة من مجموعة من الفصوص التي يصل عددها إلى الأربعمائة وفى كل واحد منها ثلاثة أنابيب منوية دقيقة وملتفة على ذاتها، ليبلغ طول كل منها حوالي نصف المتر، مما يصل بطولها الإجمالي إلى أكثر من خمسمائة متر ، وهي مكدسة في حيز لا يزيد على ٦٠ مليمتراً مكعباً ، وفى هذه القنوات تتولد النطف وتفرز هرمونات الذكورة، بتقلصات كل من جدار الحويصلة المنوية والقناة القاذفة للمني مع تقلصات عدد من عضلات الجهاز التناسلي بأمر من الجهازين العصبيين :

الودى واللاودى

أو السمبثاوى والبارا سمبثاوى.

ويندفع السائل المنوي عبر الإحليل وهو يحوى في كل دفقة أكثر من مائتي مليون حيوان منوى لا يصل منها إلى البويضة إلا بضع مئات قليلة ويهلك أغلبها في طريقه إليها، ولا يلقحها إلا حيوان منوي واحد وهذا الاختيار لا يتحكم فيه إلا إرادة الخالق سبحانه وتعالى من لحظة اختيار الزوجين إلى لحظة الإخصاب البويضة محددة بحيوان منوى محدد يحمل كل منهما صفات محددة قدرها الخالق سبحانه سلفاً بعلمه وحكمته وقدرته.

حويصلة جراف :

أما ماء المرأة فهو الماء المحيط بالبويضة فى داخل حويصلتها المعروفة باسم حويصلة جراف فاذا انفجرت الحويصلة تدفق هذا الماء ليدفع بالبويضة إلى بوق قناة الرحم التي تعرف أيضا باسم قناة فالوب حيث تلتقى بالحيوان المنوي المقسوم لإخصابها وتكوين النطفة الأمشاج.