خطبة بعنوان ( صحح مفاهيمك ) للدكتور مسعد الشايب
4 أكتوبر، 2025
خطب منبرية

خطبة بعنوان ( صحح مفاهيمك )
للدكتور : مسعد أحمد سعد الشايب
عضو الأمانة العلمية بالمجلس الأعلى للشئون الاسلامية بوزارة الأوقاف
الجمعة الموافقة 18 من ربيع الآخر 1447هـ الموافقة 10/10/2025م
لتحميل الخطبة pdf اضغط على الراط أدناه
أولا: العناصر:
-
نماذج من تصحيح المفاهيم في القرآن الكريم.
-
نماذج من تصحيح المفاهيم في السنة النبوية.
-
الخطبة الثانية: (الحكمة من تصحيح المفاهيم المغلوطة).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، هدانا إلى الحق وإلى طريق مستقيم، سبحانه، سبحانه أمرنا بالطيبات، وأبان لنا طرقها، ونهانا عن الخبائث، وحذرنا سوء عاقبتها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، النبي الأميّ الكريم، اللهم صلْ وسلمْ وباركْ عليه، وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأزواجه، وأتباعه أجمعين إلى يوم الدين، وبعد:
أيها الأحبة الكرام: فإن تصحيح المصطلحات والمفاهيم أمرٌ قديمٌ قدم الدعوة الإسلامية، قام به القرآن الكريم، وقام به نبينا صلى الله عليه وسلم فتعالوا بنا أحبتي في الله بإذن من الحق تبارك وتعالى في لقاء الجمعة الطيب المبارك، لنعيش مع طائفة من تصحيح المفاهيم، ونماذجه في الكتاب والسنة، مبينًا الحكمة من هذا التصحيح، فأقول، وبالله التوفيق: من هذه النماذج في القرآن الكريم:
-
((نماذج من تصحيح المفاهيم في القرآن الكريم))
1ـ البر (الخير)، وأعماله لا ينحصر في التوجه في الصلاة ناحية المشرق أو المغرب، ولكنه الطاعة المطلقة لله، قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[البقرة:177]، هذه الآية المباركة نزلت ردًّا على اليهود الذين أدعوا أن التوجه إلى المشرق هو الصحيح، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته بتوجههم إلى الكعبة، وتركهم التوجه إلى بيت المقدس فقد توجهوا إلى القبلة الخطأ، فنزلت تلك الآية تردُّ عليهم، وتعلمنا أن البر لا ينحصر في التوجه إلى جهة المشرق أو المغرب، وإنما هو مجموعة من العقائد، والشرائع والأخلاق كما توضح الآية الكريمة.
2ـ البر هو التقوى والطاعة لله، وليس مجرد شعارات أو أفعال لا أساس لها من الشرع، فقد كان العرب إذا أحرموا وانتهوا من أداء الشعائر في الجاهلية، وعادوا إلى بيوتهم، أتوا البيت من ظهره، وهذا عمل لا أساس له في الشرع، فردّ الله سبحانه وتعالى عليهم، قائلًا: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[البقرة:189]، فالتقوى ليس مجرد شعارات أو أفعال لا أساس لها من الشرع.
3ـ كلمة (راعنا) من السباب عند اليهود، فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا يقولون: راعنا. يورون بالرعونة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[البقرة:104]، وهذا نهي عن التشبه بهم في نطقها.
-
((نماذج من تصحيح المفاهيم في السنة النبوية))
1ـ المفلس من يضيع ثواب طاعاته، وعبادته، بسوء أخلاقه، وصنيعه، وليس الفقير من المال والمتاع، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟). قالوا: المفلس فينا من لا درهم له، ولا متاع. فقال: (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)(رواه مسلم).
2ـ الشهيد ليس من مات في المعركة فقط، ولكنه أصناف متعددة، فعن أبى هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟). قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال: (إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ). قالوا: فمن هم يا رسول الله؟. قال: (مَنْ قُتِلَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ في الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ في الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ)(رواه مسلم).
3ـ الرقوب من لا يقدم من ولده أحدًا، للجهاد في سبيل الله، وليس من لم يولد له، والصرعة هو الذي يتحكم في نفسه عند الغضب، وليس من يصرع الرجال، فعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُمْ؟). قلنا: الذي لا يولد له، قال: (لَيْسَ ذَاكَ بِالرَّقُوبِ وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئًا). قال: (فَمَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟). قلنا: الذي لا يصرعه الرجال. قال: (لَيْسَ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ)(رواه مسلم)، (الرقوب) في كلام العرب الذي لا يعيش له ولد، (الصرعة) أصله في كلام العرب الذي يصرع الناس كثيرًا.
ومعنى الحديث: إنكم تعتقدون أن الرقوب المحزون هو المصاب بموت أولاده، وليس هو كذلك شرعًا، بل هو من لم يمت أحد من أولاده في حياته فيحتسبه ويكتب له ثواب مصيبته به وثواب صبره عليه ويكون له فرطا وسلفا، وكذلك تعتقدون أن الصرعة الممدوح القوي الفاضل هو القوي الذي لا يصرعه الرجال بل يصرعهم، وليس هو كذلك شرعًا، بل هو من يملك نفسه عند الغضب، فهذا هو الفاضل الممدوح الذي قل مَنْ يقدر على التخلق بخلقه، ومشاركته في فضيلته بخلاف الأول.
4ـ الهجرة ليست انتقالًا من مكان إلى مكان وحسب، وهذا ـ مع كونه فهمًا قاصرًا لمفهوم الهجرة ـ لا يتأتى ولا يتسنى لنا اليوم؛ لأن هذه الهجرة انتهت بفتح مكة، وعزة الإسلام وأهله، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ…)(متفق عليه).
فالهجرة كما تكون مادية حسية بالانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام، فهي أيضا هجرة معنوية إلى الله (عزّ وجلّ) بمجاهدة الشيطان، والنفس وشهواتها، وأهوائها كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ).
نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى هجرة معنوية روحية من أعماق النفس والروح بدون أن نترك أوطاننا وبلداننا، نحتاج إلى هجرة للذنوب والمعاصي، والفواحش والمنكرات بوجه عام، خوفا من الله (عزّ وجلّ)، وحياء من جلاله وكماله، حينئذ يكون الواحد منا مهاجرًا عظيمًا، وإن لم يتحرك خطوة واحدة، وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فعن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما)، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ)(رواه النسائي)، وعن عبد الله بن حبشي الخثعمي (رضي الله عنه)، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟. قال: (طُولُ الْقِيَامِ). قيل: فأي الصدقة أفضل؟. قال: (جَهْدُ الْمُقِلِّ). قيل: فأي الهجرة أفضل؟. قال: (مَنْ هَجَرَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ…)(رواه أبو داود).
5ـ الصدقة لا تنقص المال، ومنشأ هذا الفهم المغلوط هو الاتصاف بالبخل والشح، فالصدقة الحسية بصورها (طعام، شراب، كسوة…الخ)، وسواء أ كانت واجبة كالزكاة المفروضة بأنواعها، أو الصدقة المنذورة، أم كانت تطوعية عن طيب نفس وخاطر بدون إلزام شرعي؛ لا تنقص من المال شيئًا، والمال لا يشترط أن يكون نقودًا وأوراقًا مالية فقط، فقد يكون عقارات، أو أطيان، أو سيارات، أو حساب مالي مدخر…الخ.
بل على العكس التصدق يحفظ المال من الآفات، ويدفع عنه الأضرار والأخطار، ويبارك فيه؛ فينجبر نقصه المشاهد بالبركة الخفية فيه، وهذا مشاهد بالحس والواقع.
كما أن الصدقة؛ وإن أنقصت المال في الصورة؛ إلا أنها تزيد في أجر وثواب المتصدق يوم القيامة، فتجبر نقص المال صورة في الدنيا بزيادة الأجر والثواب إلى أضعاف كثيرة.
6ـ العفو: وهو الصفح عن الإساءة لا يعني الضعف والمذلة، وخصوصًا حينما يتأتى من القوي، فاعتقاد أن العفو ضعفٌ ومذلة من أظلم جوانب النفس الإنسانية، ومنشأه هو حب السيطرة، وفرض القوة، وكذلك الجهل بطبيعة الإنسان، وكونه خطاء، وكذلك الجهل بالحكم التي من أجلها خلق الله البشر، وجعلهم مجتمعين.
إن هذا الخلق (العفو) قليل من يتحلى به، وقليل من يدرك حقيقته؛ ولذا كان من أظهر أخلاق نبينا صلى الله عليه وسلم، وغيره من الأنبياء والمرسلين.
انظروا لسيدنا يوسف (عليه السلام): وعفوه عن إخوته، كما يحكي القرآن الكريم: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[يوسف:92] أي: لا تأنيب عليكم، ولا مؤاخذة، ولا عتب لكم عندي، ولا أعدد عليكم ذنبكم، ولا أعيركم به، فحلم (عليه السلام) عليهم، ومن عظيم حلمه أنه دعا الله (عزّ وجلّ) لهم بالمغفرة فقال: {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
وانظروا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يخاطب صناديد الكفر يوم فتح مكة، فيقول: (مَا تَرَوْنَ أَنِّي صَانِعٌ بِكُمْ؟). قالوا: خيرًا, أخ كريم، وابن أخ كريم. قال: (اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ)(السنن الكبرى للبيهقي).
فمن عرف بالعفو والصفح؛ ساد وعظم في القلوب وزاد عزه وإكرامه كهؤلاء الأنبياء والمرسلين في الدنيا. وقيل: إن عزه، وعظمته، وتسيده يكون في الآخرة.
ومما يجدر الإشارة إليه أن العفو إذا ترتب عليه ضياع الحقوق، وتولد عنه الاستهزاء والاستهتار فهو في هذا الموضع مذموم، ولا يجوز الأخذ به، فــ (لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ) (متفق عليه)، وسبب الحديث معروف وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر أبا عزة الشاعر يوم بدر، فمنّ عليه وعاهده أن لا يحرض عليه، ولا يهجوه، وأطلقه؛ فلحق بقومه، ثم رجع إلى التحريض والهجاء، ثم أسره يوم أحد فسأله المن فضرب النبي صلى الله عليه وسلم هذا المثل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغضب إذا انتهكت حرمات الله، فقطع يد السارق، ورجم الزاني…الخ.
7ـ التواضع: وهو خفض الجناح لا ينقص من المنزلة والقدر، ومنشأ هذا الفهم المغلوط هو الإعجاب بالنفس، والزهو بها، وحب التكبر على العباد، وحقيقته ألا يتكبر المرء على إخوانه بما حابه الله من نعم، كالمنصب، أو الجاه، أو السلطان، والغنى، أو العزوة…الخ، وقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما حابه ربنا من نعم سيد المتواضعين، ولا عجب، فقد خاطبه ربنا قائلًا: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الشعراء:215].
والمراد بالرفعة هنا: إما الرفعة في الدنيا فالتواضع يثبت لصاحبه في القلوب منزلة، ويرفعه الله عند الناس، ويجلّ مكانه. وقيل: إن المراد به رفعة الثواب في الآخرة، بتواضعه في الدنيا.
فعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ) (رواه مسلم، والترمذي، وأحمد).
((العلاقة بين الأمور الثلاثة في الحديث))
من تأمل في هذا الحديث أدرك أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وأن كلامه وحي يوحى إليه، ودلالة ذلك وجه الربط بين هذه الأمور الثلاثة في الحديث، والعلاقة بينها، كالآتي:
1ـ الأمور الثلاثة من قبيل الصدقة، فالعفو، والتواضع من الصدقة المعنوية على الناس، فعن قتادة بن دعامة، السدوسي، ت (60 هـ، أو 61 هـ): (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ أَبِي ضَيْغَمٍ أَوْ ضَمْضَمٍ، كَانَ إِذَا أَصْبَحَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِعِرْضِي عَلَى عِبَادِكَ)(رواه أبو داود).
2ـ المفاهيم الثلاثة المغلوطة التي صححها نبينا صلى الله عليه وسلم من أدران النفس البشرية، واستفحاشها يسبب التقاطع والتباغض بين أفراد المجتمع وجماعاته.
فإذا كان علماء التفسير وعلوم القرآن يتلمسون الروابط والعلاقات بين الآيات، والموضوعات، والسور؛ فإني أدعو العلماء والفقهاء المعنيين بالسنة النبوية تلمس العلاقات بين ألفاظ حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث هنا.
عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب كمَنْ لا ذنب له
(الخطبة الثانية)
((الحكمة من تصحيح المفاهيم المغلوطة))
الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أيها الأحبة الكرام: ما زال الحديث بنا موصولًا مع تصحيح المفاهيم والمصطلحات المغلوطة في الكتاب والسنة، وبقي لنا في تلك الجمعة المباركة أن أبين وجه الحكمة في ذلك، فأقول:
((الحكمة من تصحيح المصطلحات والمفاهيم))
إن الحكمة العامة من تصحيح المصطلحات والمفاهيم المغلوطة:
1ـ هي البيانُ الحقُ، والنقل الصحيح لمراد المولى تبارك وتعالى في تلك الأمور والقضايا، كقضية الرقوب، فلا شك أن الآخرة خير من الأولى، وأن ما أعده الله للشهداء ومنه شفاعتهم لسبعين من أقاربهم خير من الدنيا وما فيها.
2ـ تجنب الوقوع في الخلاف والشقاق المتوهم من الخطأ في المصطلح والمفهوم، كقضية العفو والصفح، والتواضع.
3ـ الحث على أشياء قد يتراخى المؤمنون في فعلها، والتحذير من ارتكاب أشياء لا تليق بإيمانهم وتوحيدهم، كقضية الخوف من نقص المال بسبب التصدق.
4ـ التيسير على المؤمنين، وبيان عظم رحمة المولى تبارك وتعالى، وفضله وأجره، كقضية الشهداء.
فاللهم ارزقنا اليقين الصادق، واجعلنا من المؤمنين الصادقين، وثبتنا على الحق يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك أن ترزقنا اليقين الذي يورثنا الطمأنينة والسكينة، وأن ترزقنا الصبر والرضا بقضائك، وأن تجعلنا من المؤمنين الصادقين الذين يثبتون على الحق.
اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب