عمل المفتي والقاضي والفقيه


بقلم الدكتور : محمد فهمي رشاد

مدرس التفسير وأصول الفقه بجامعة القصر الدولية بدولة ليبيا

ينبغي التفرقة بين عمل المفتي وبين عمل الفقيه وعمل القاضي، من ناحية آلية العملية الذهنية ومضاء اجتهاده، وذلك فيما يلي:

 الفقه والفقيه:
الفقه يكون بالنظر في الدليل ثم بسط المسألة وبحثهما واستنباط الحكم الشرعي منها، سواء أكان حكما تكليفيا أم كان حكما وضعيا، أم ما تعلق بالحكم من مسائل. أي أن الفقيه يبدأ بالنص والنظر في الدليل، ثم يبحث المسألة وينتهي بالحكم. ولا يشترط في ذلك أن يكون هناك حادثة أو قضية واقعة، كما أن الحكم الذي انتهى إليه ليس ملزما لمن مست حاجته لهذا الحكم من العوام أو المستفتين. فلا طاقة للعامة ولا المستفتي ولكثير من المقلدين أن يفهم الفقيه والأحكام الفقهية وكيفية إنزالها، وإنما هو كلام وعمل مخاطب به الفقهاء والعلماء في الأصل، وعليهم بعد ذلك تبسيطه وتفهيمه العامة، وذوي الحاجات.

القضاء والقاضي:
القضاء نظر في مسألة اختصت بقضية واقعة ونازلة من النوازل، فهي حقيقة متحركة أمام القاضي، ويطلب إليه ان يفصل فيها على وفق الحكم الشرعي المستند للدليل، ومن ثم فالقاضي يبدأ عمله بالنظر في المسألة وبحثها وتوصيفها، ثم النظر في النصوص لإنزال الدليل المنوط بها، ثم استنباط الحكم الخاص بها، وينطق به، وحكم القاضي ملزم وينفذه صاحب المسألة المحكوم عليه فيها اختيارا أو يجبر عليه.
وحكم القاضي لا يتعدى لغير المحكوم عليه ولو للشخص ذاته في مناسبة أخرى، وإنما على القاضي أن يعيد النظر والبحث والدراسة والاجتهاد، ولو أدى به إلى الحكم السابق. إذن القاضي يبدأ بالواقعة ثم البحث في الدليل ثم الحكم.

 الفتوى والمفتي:
الفتوى نظر في مسألة اختصت بقضية واقعة ونازلة من النوازل، فهي حقيقة متحركة أمام المفتي، ويطلب إليه ان يقول فيها بحكم الشرع المستند للدليل، ومن ثم فالمفتي يبدأ عمله بالنظر في المسألة وبحثها وتوصيفها، ثم النظر في النصوص لإنزال الدليل المنوط بها، ثم استنباط الحكم الخاص بها، وينطق به, وفتوى المفتي غير ملزمةرقضاء وجبرا، ولكنها ملزمة ديانة، فينفذها صاحب المسألة -المستفتى- اختيارا لا يجبر، وإنما الأمر متروكا لدينه أمام الله تعالى، فالإلتزام هنا إلتزام معنوي.
وفتوى المفتي لا تتعدى لغير المفتى له ولو للشخص ذاته في مناسبة أخرى، وإنما على القاضي أن يعيد النظر والبحث والدراسة والاجتهاد، ولو أدى به إلى الحكم السابق. إذن القاضي يبدأ بالواقعة ثم البحث في الدليل ثم الحكم.

 الحكم والفتوى ، الثابت والمتغير:
الحكم الشرعي ثابت لا يتغير سواء أكان حكما تكليفيا تعلق به الوجوب أو الندب أو الإباحة أو الكراهة أو التحريم، أم كان حكما وضعيا تعلق به الشرط أو السبب أو المانع، أم كان مما ضبطه الشرع من الركن أو الإجزاء أو الرخصة أو العزيمة. أما الفتوى فقد تتغير لدخول عوامل قد تطرؤ على المكلف والشخص أو ظروف التكليف أو حاله أو هيئته أو زمانه أو مكانه، أو ما يقع من ضرورة.

 آداب المفتي والمستفتي:
مذهب المستفتي من يفتيه، سواء أكانت الفتوى بناء على اجتهاد مذهبي أم كانت بناء على اجتهاد مقارن مترجح بين الأدلة أو بناء على تلفيق بين المذاهب على أساس الدليل المصالح المشروعة التي يقدرها المفتي الذي تكاملت لديه أسباب الاجتهاد وشروطه وأدواته.

ومن سوء الأدب أن يسأل المستفتي أكثر من مفتي، وإن حصل قد يحتاج من يفتيه أيهما يتبع إن وقع بين فتيهما خلاف، فيتحير من يتبع من العلماء، فهل يتبع الأعلم أم الأورع؟

وعنئذن يتعين على المستفتي ترجيح من يطمئن له قلبه أنه الأقرب لصحيح الدين، وإن خالف ظاهر مصلحته، ولو كان الرأي الآخر فيه مصلحته؛ لأنه هو من أوقع نفسه في ريبة، فكان عليه أن يتورع عمّا رابه. وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الخير طمأنينة وإن الشر ريبة”( 1 )

أما إن اقتصر على سؤال مفتي واحد، لما أوقع نفسه في ريبة، وكان أدعى لمراعاة مصلحته التي يقدرها المفتي، التي قد تكون هي مصلحة المستفتي الظاهرة ذاتها.
ويجب على المفتي ألا يشغل عقل المستفتي بالدليل وعمله وثبوته ودلالته، ولا بين الآراء والاختلافات في المسألة المستفتى فيها. ولكن من المندوب مراعاة حال المستفتى من حيث طمأنة قلبه والاعتداد بمستواه الثقافي ويطلعه على ما يطيق فهمه ويمكنه استيعابه دون أن يفسد عليه امر الفتوى.

(1) (حديث صحيح، صححه الحاكم وغيره، منهم: – “الحاكم”: أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع (المتوفى: 405هـ)، المستدرك على الصحيحين، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1411ه،–1990م، كتاب البيوع، وأما حديث إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، ح2169 ج2 ص15. – حديث صحيح، رواه أحمد وغيره: – “ابن حنبل”: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241هـ)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، المحقق: شعيب الأرنؤوط – عادل مرشد، وآخرون، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1421هـ-2001م، مسند أهل البيت رضوان الله عليهم أجمعين، حديث الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، ح1723 ج3 ص249:248. – “البيهقي”: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458هـ)، السنن الكبرى، المحقق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنات، الطبعة: الثالثة، 1424هـ-2003م، جماع أبواب الخراج بالضمان والرد بالعيوب وغير ذلك، باب كراهية مبايعة من أكثر ماله من الربا أو ثمن المحرم، ح10819 ج5 ص546.