
بقلم د.إيمان إبراهيم عبد العظيم
مدرس بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر – واعظة بوزارة الأوقاف
من أعظم أخلاق الرسول ﷺ الرحمة واللين وحسن المعشر، فقد قال الله تعالى:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧].
وكان ﷺ رفيقًا رحيمًا بأهله وأصحابه وحتى بأعدائه، لين الجانب، طيب العشرة، يدخل البهجة في القلوب، ويعامل الناس بما يحب أن يُعامل به.
قال عز وجل في محكم آيات التنزيل:﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾.(سورة آل عمران: ١٥٩)، تم وصف النبي- صلى الله عليه وسلم -بالرحمة واللين، ونفى الله تعالى عنه ما هو خلافهما من الأخلاق السيئة.
و أما عن سبب نزول الآية: حال المؤمنين قبيل المعركة في غزوة أحد، وبعدها، وفي أثنائها وما أصابهم من غم، ثم بين سبحانه دواء أسقامهم، ودعاهم إلى استئناف الجهاد، وإن يكونوا قد مسهم قرح، فقد مس القوم قرح مثله، وقد بين سبحانه أسباب الهزيمة ليتوقوها، فإن الغلط الذي يعلم الصواب خير، وليس بشر، ولقد بين بعد ذلك سبحانه حال النبي – صلى الله عليه وسلم – في القيادة الحكيمة، وما اتبعه وما تحلى به، وأمره سبحانه وتعالى بالاستمرار عليها، فبين سبحانه أن القيادة الحكيمة تكون مع العزيمة رحيمة، ومع استقبال الأحداث بقوة تكون خالية من الفظاظة والقسوة، وتلتزم الصفح عن الخطأ ليعزموا على الصواب، والاستغفار من الذنب لتجديد التوبة، ولذا قال تعالى في حال النبي – صلى الله عليه وسلم -، و موقفه يوم أحد، في كتابه الكريم :”فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ” صدق الله العظيم
ف” الباء ” هنا باء السببية،
و ” ما ” زائدة في الإعراب، ولكنها في المعنى لتقوية معنى الرحمة،
والمعنى: بسبب رحمة عظيمة فياضة أفاضها الله تعالى كنت لينا معهم يا محمد في كل أحوالك، وكنت لينا لهم حتى بعد الأخطاء التي وقعوا فيها، والكارثة التي نتجت عن مخالفتهم لك، فما وجهت لهم اللوم، ولا عنفتهم، بل سكت عندما رأيت ما أصابهم من غم استغرقهم، وحزن استولى عليهم، ولقد شكر الله سبحانه وتعالى لنبيه ذلك اللين؛ إذ لم يؤاخذهم، ولم يفرط في القول معهم؛ لأن اللوم على الماضي ييئس النفس من غير جدوى، وهو رجعة إلى الوراء، والقائد الحكيم يتجه إلى الأمام، ولا يلتفت إلى ورائه إلا بمقدار ما ينير له السبيل أمامه، وبمقدار ما يجنبه الخطأ الذي وقع فيه، وبمقدار ما يحفز همة من معه، ويشحذ عزيمتهم، وإن المبالغة في اللوم على ما وقع في الماضي يلقي باليأس، وفي اليأس الهزيمة، واليأس والقنوط إسراف على النفس بالهموم، ولا نجاح لمن في هم دائم، وحزن واصب، فكان لين النبي – صلى الله عليه وسلم – معهم في هذه الآلام التي أصابتهم كالبلسم الشافي لأسقامهم، فهو القائد الحكيم الذي يجب أن يجمع إلى العزيمة القوية الموجهة إلى العمل البشر ولين العريكة، وتسهيل الخروج من آثار الخطأ، حتى لا يعنتهم ، وحسبهم ما أصابهم، وإن الشدة في مثل هذه الأحوال والغلظة في القول والعمل تنفر ولا تجمع.
وهذا النص الكريم يثبت أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ليس فظا ولا غليظا ولا قاسيا؛ لأن (لو) تدل على نفي الجواب لنفي الشرط، والمعنى أنك لست فظا ولا غليظ القلب، وهذا هو الذي يتفق مع صفات النبوة والقيادة الحكيمة الرشيدة الهادية الموجهة إلى أمثل الطرق الجامعة للقلوب، لأنك لو كنت فظا غليظ القلب يا محمد لانفضوا من حولك،
والفظاظة: خشونة المظهر، والعشرة السيئة، وسوء القول، وتجهم الوجه، وغلظ القلب تعني قسوته، وقد نفى الله سبحانه وتعالى عن نبيه الغلظة في المظهر والباطن، فالغلظة في المظهر هي الفظاظة، والغلظة في الباطن قسوة القلب وكلا الوضعين من شأنه أن ينفر، ولقد قال الله تعالى في وصف نبيه:” لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ” التوبة(١٢٨)،
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – لطيف المعشر متسامحا رحيما لا يقسو ولا يعنت أحدا ولا يغضب ولا يسب، وما ضرب أحدا بيده قط، وكان سهل المعاملة متسامح، وكان طلق الوجه دائما، رآه أعرابي، فاسترعاه بشاشته وطلق محياه فقال له: أأنت الذي تقول عنه قريش إنه كذاب؟ والله، ما هذا الوجه بوجه كذاب!. وأسلم إذ دعاه النبي – صلى الله عليه وسلم – صلوات ربي و سلامه عليه.