الورد والسبحه عند الصوفيه
31 أغسطس، 2025
منوعات

من ديوان أهل الذكر لسيدي برهان الدين أبو الإخلاص رضي الله عنه
يقدمها لكم : الشيخ السيد محمد البلبوشي
خويدم الطريقة الإخلاصية – خطيب بوزارة الأوقاف
الورد والسبحه عند الصوفيه
وَقْت الْوِرْدِ الأسْبُوعِىِّ :
وَأَمَّا أَنَّ بَعْضَ الشَّاذِليَّةِ والتِّيجَانِيَّةِ يُلَازِمُونَ الْوِرْدَ الأسْبُوعِىَّ بَعْدَ عَصْـرِ الْجُمُعَةِ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ ، فَدَليلُهُمْ مَا نَقَلَهُ المُنْذِرِىُّ . قَالَ : (أَكْثَرُ الْحَدِيثِ فى السَّاعَةِ التى تُرْجَى فِيهَا إجَابَةُ الدَّعْوَةِ أَنَّهَا بَعْدَ صَلاةِ الْعَصْـرِ وَثَمَّةَ آثارٌ ثَابِتَةٌ تَدُلُّ أيضاً عَلَى أَنَّهَا بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ . وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الذِّكْرُ ، أَخْرَجَ التِّرْمِذِىُّ وَغَيْرُهُ : يَقُولُ الرَّبُّ : ( مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِى عَنْ مَسألَتِى أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِى السّائِلِينَ). وَهَكَذَا يَخْتِمُ هَؤُلَاءِ الْمُتَعَبِّدُونَ أُسْبُوعَهُمْ السَّابِقَ بِعِبَادَةٍ ، وَفِى الْوَقْتِ نَفْسِه يَسْتَقْبِلُونَ الأسبوعَ الْجَدِيدَ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ رَجَاءَ غُفْرَانِ مَا مَضـَى ، وإصلَاحِ مَا بَقِىَ ، وَمَعْرُوفٌ أَنَّ أَوْثَقَ الأحاديثِ فى الصَّلاةِ الْوُسْطَى، أَنَّهَا صَلاةُ الْعَصْرِ، فَهَذَا الْوَقْتُ مِنَ الأوقاتِ الْمَشْهُودَةِ فى أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ بِعَامَّةٍ وَفِى يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِخَاصَّةٍ . ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْوَقْتَ وَقْتُ الأصيلِ ، الذى كَلَّفَنَا اللهُ تَعَالَى بِذِكْرِهِ فِيهِ حَيْثُ يَقُولُ عَزَّ شأنُهُ : ﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلَاً ﴾ وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى صُوَرٍ مُتَعَدِّدَةٍ .
وَلَيْسَ النَّاسُ مُلْزَمِينَ بِإدْراكِ الصَّوَابِ ، وَلَكِنَّهُمْ مُلْزَمُونَ بِتَحَرِّى الصَّوَابِ ، وَمِنْ هُنَا لَم يَكُن قَوْلُ مُجْتَهِدٍ مَفْرُوضَاً عَلَى مُجْتَهِدٍ آخَرٍ . وَهَذَا هُوَ السِّـرُّ فى أَنَّ شَيئَاً مَنْدُوبَاً فى مَذْهَبٍ ثُمَّ يَكُونُ هُوَ مَكْرُوهَاً فى مَذْهَبٍ آخَرٍ ، وَاخْتِيَارُ وَقْتِ الْوِرْدِ الأسبُوعِىِّ مِنْ هَذَا الْبَابِ . وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلّا صَرْفُ الْعَبْدِ عَنِ اللَّهْوِ مَعَ الرُّكُونِ إِلَى اللهِ فى هَذَا الْوَقْتِ لَكَفَى وَشَفَى .
أَصْلُ السُّبْحَةِ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ :
جَاءَ فى صِحَاحِ الأحاديثِ تِكْرارُ النَّدْبِ وَتِكْرَارُ الحثِّ عَلَى الذِّكْرِ والتَّسبيحِ والتَّحمِيدِ وَغَيْرِهِ ، بِأَعْدَادٍ مَخْصُوصَةٍ ، ثَلاثَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَوْ عَشَرَةٍ ، أَوْ أَحَدَ عَشَـرَ ، أَوْ ثَلاثَةٍ وَثَلاثينَ ، أَوْ سَبْعِينَ أَوْ مَائَةٍ . إلخَ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فى أحاديثَ مُتَعَدِّدَةٍ صَحِيحَةٍ كُلِّهَا ، ومازادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مَأخوذٌ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالسَّلَفِ بِأدِلَّتِهِم الثَّابِتَةِ . وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ قَادِرَاً عَلَى أَنْ يُسَبِّحَ التَّسبِيحَاتِ الْكَثِيرَةِ ، بِالْقَدْرِ الْمَطْلُوبِ هَذَا عَلَى أصابِعِهِ لِاخْتِلافِ الْقُدْرَاتِ ، والاستعدَادَاتِ ، وَبَعْضُ النَّاسِ لَوْ ذَهَبَ يَعُدُّ عَلَى أصابِعِهِ لَصَرَفَهُ ذَلِكَ عَنِ الأصلِ فى الذِّكْرِ وَهُوَ التَّأمُّلُ والاستغرَاقُ ، والتَّحقُّقُ، بِمَا يَقُولُ حَتَّى يَنْدَمِجَ فى أَنْوَارِ الْفَيْضِ وَالْمَدَدِ . فَكَانَ لاَبُدَّ مِنْ وَسِيلَةٍ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْحَصْـرِ وَبَيْنَ التّأمّلِ والتّحَقُّقِ وَالْانْتِفاعِ بِالْعِبَادَةِ .
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِىَّ دَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسائِهِ ، وَبَيْنَ يَدَيْهَا حَصَىً تَعُدُّ بِهِ الذِّكْرَ فَسَأَلَهَا : (هَلْ لازِلْتِ عَلَى الْحالِ التى تَرَكْتُكِ عَلَيهِ ؟!) وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ رَأَّى بَيْنَ يَدَيْهَا الْحَصَى الذى تَعُدُّ بِهِ ، وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ دَارِهِ ثُمَّ رَآهُ وَقَدْ عَادَ إِلَى دَارِهِ مَرَّةً أُخْرَى ، وَلَم يُنْكِرْ عَلَيهَا ذَاكَ . “صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ” .
ثُمَّ عَلَّمَهَا رَسُولُ اللهِ صِيغَةً تَتَعَبَّدُ بِهَا فَيَجْتَمِعُ لَهَا الْخَيرُ الْكَثِيرُ ، وَلَيْسَ فى هَذَا الْحَديثِ سَنَداً أَوْ مَتْنَاً طَعْنٌ لِطَاعِنٍ ، وَجَاءَ نَحْوَهُ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ وألفاظٍ مُخْتَلَفَةٍ . فَكَانَ هَذَا هُوَ أَصْلُ السُّبْحَةِ فى الإسلامِ . وَقَدْ أَخْرَجَ الإمامُ أَحْمَدُ فى ( الزُّهْدِ ) عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحمَنِ قَالَ : كَانَ لِأَبِى الدّرَداءِ نَوَىً مِنْ نَوَى الْعَجْوَةِ فى كِيسٍ ، فَكَانَ إذا صَلَّى الْغَدَاةَ ، أَخْرَجَهُنَّ واحِدَةً واحِدَةً يُسَبِّحُ بِهِنَّ حَتَّى يَنْفَدْنَ .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىِّ أَنَّهُ كَانَ يُسَبِّحُ بِالْحَصَـى ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ فى زَوائِدِ ( الزُّهْدِ ) وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فى الْحِلْيَةِ : أَنَّهُ كَانَ لِأَبِى هُرَيْرَةَ خَيْطٌ عَقَدَ فِيهِ أَلْفَ عُقْدَةٍ فَلَا يَنَامُ حَتَّى يُسَبِّحَ بِهِ . وَفِى مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ عَلِىٍّ مَرْفُوعَاً ” نِعْمَ الْمُذَكِّرُ السُّبْحَةُ ” وللسِّيُوطِىِّ رِسَالَةٌ خَاصَّةٌ فى هَذَا الْبَابِ سَمَّاهَا :[ الْمِنْحَةَ فى اتِّخَاذِ السُّبْحَةِ ].
وَمِنْ هَذِهِ الأحَاديثِ نَسْتَخْلِصُ :
أَوَّلَاً : أَنَّهُ السُّنَّةُ الثّابِتةُ جَاءَتْ بِعِبَادَةٍ مَحْصُورَةٍ فى عَدَدٍ خَاصٍّ يَجِبُ أَنْ تُؤَدَّى كَمَا جَاءَ بِهَا الإذنُ ، لِمَا فى ذَلِكَ مِنْ أَدَبِ الطَّاعَةِ وَسِرِّ الْعَدَدِ .
ثَانِيَاً : لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ قَادِرَا عَلَى الْعَدِّ عَلَى يَدَيْهِ ، مَعَ استجماعِ الْهِمَّةِ والاستحضارِ فَكَانَ مِمَّا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلّا بِهِ اتِّخَاذُ سَبَبٍ وَوَسِيلَةٍ يَتَحَقَّقُ بِهَا الْجمعُ بَيْنَ الْعَدَدِ وَفِقْهِ الْقَلْبِ . فَكَانَتِ السُّبحةُ .
ثَالِثَاً : كَانَ مِمَّنْ اتَّخَذَ هَذِهِ الْوَسِيلَةَ بَعْضُ زَوْجَاتِ النَّبىِّ التى كَانَتْ تَعُدُّ ذِكْرَهَا عَلَى الْحَصَـى . وَقَدْ رَآهَا النَّبىُّ غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَم يَمْنَعْهَا . فَأَصْبَحَ اتِّخَاذُ وَسِيلَةِ الْعَدِّ سُنَّةً إقراريَّةً مُسْتَحْسَنَةَ الْاتِّبَاعِ .
رَابِعَاً : فَهِمَ الصّحابَةُ – وَعَنْهُمْ أَخَذْنَا الدِّينَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ – أَنَّ الْبَابَ وَاسِعٌ فَاتَّخَذَ بَعْضُهُمْ لِلْعَدِّ كِيسَ النَّوَى ، وَاتَّخَذَ الْبَعْضُ الْآخَرُ الْخَيْطَ الْمُعَقَّدَ ، حَتَّى لَا يَنْشَغِلَ بِالْعَدَدِ عَنْ الْمَدَدِ الذى هُوَ هَدَفُ الذِّكْرِ وَالْعِبَادَةِ .
ثُمَّ تَطَوَّرَتِ الْوَسَائِلُ إِلَى السُّبحةِ الْمَعْرُوفَةِ الآنَ ورُبَّمَا اتَّخَذَهَا بَعْضُهُمْ مِنْ خَامَةٍ غالِيَةِ الثَّمَنِ . فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَمْجيدَ الْعِبَادَةِ وَتَذْكيرَ نَفْسِهِ بِهَا ، فَلَا نَعْلَمُ بِذَلِكَ بأسَاً ، والأعمالُ بِالنِّيَّاتِ . وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ بِذَلِكَ شُهْرَةً ورِياءً وَلَفْتَاً لِنَظَرِ النَّاسِ وَعَبَثَاً بِأدَاةِ الْعِبَادَةِ ، فَإِثمُهُ عَلَيهِ ، وَلَكُلِّ امرِئٍ مَا نَوَى .
وَقَدْ كَانَ مِنْ وَصَايَا أشياخِنَا أَن يَجْعَلَ الرَّجُلُ يَدَهُ وَسُبْحَتَهُ فى جَيْبِهِ ، وَيَذْكُرَ بِقَلْبِهِ أَوْ لِسَانِهِ ، وَيَعُدّ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ . وَلَا يُحِسُّ بِهِ حَتَّى مَنْ مَعَهُ ، اللَّهُمَّ إلّا إذا كَانَ فى مَحَارِمِهِ وإخوانِهِ فَلَهُ أَن يُخْرِجَ مِسْبَحَتَهُ لِيُؤَدِّىَ عَلَيهَا رَاتِبَ الْعِبَادَةِ ، مَنُعَاً مِنْ أَن يُحْبِطَ عَمَلَهُ بِالرِّياءِ وَعَبَثِ الشَّيْطَانِ . وَمِنَ الْمُضْحِكِ الْمُبْكِى أَنْ تُنْصَبَ الْآنَ الْمَعَارِكُ الْقَلَمِيَّةُ فى بَعْضِ الصُّحُفِ مِنَ الْفَارِغِينَ وَالْجَامِدِينَ وَالْحَمْقَى ، لِيَشْغَلُوا النَّاسَ بِمَا إذا كَانَ اسْتِخْدامُ السُّبحةِ جَائِزَاً أَوْ غَيْرَ جَائِزٍ . وَحَوْلَهُمْ الدُّنيا تَمُورُ وَتَفُورُ بِمُتَلاحِقِ الْفَوَاجِعِ ، وَالْبَلاءِ المُحِيقِ بِالدِّينِ وَالْوَطَنِ . ثُمَّ لَا تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزَاً .