سلسلة : مقالات في الفقه الإسلامي المعاصر بقلم الأستاذ : مهدى صالحى
يهدف البحث في الصلة بين المقاصد والتصوف إلى الإبانة عن حقيقة التديّن الذي رسمه التشريع الإسلامي حتى يعي المكلّف جوهر الممارسة التعبّدية وأثرها في المعاملات اليومية،ولعله في تفعيل أبعاد التصوف يتحقق المقصد من كل فعل يصدر عن المكلف بما أن التصوف هو تجربة روحانية ذات نزعة ذوقية جمالية ترتقي بالنفس الإنسانية من ضيق العالم المادي المحسوس إلى العالم الرباني بلاغلوّ ولاجحود في إطار علاقة تعبّدية بين الإنسان ومعبوده .
وهذه التجربة لها خصوصيتها المتمثلة في المنحى الباطني الكامن في الذات الإنسانية ولاتُعنى بذلك الجانب الظاهري النسبي مصداقا لقوله تعالى:إلاّ من أتى الله بقلب سليم. ومصداقا للحديث الشريف:إن الله لاينظر إلى ّأجسامكم ولاينظر إلى صوركم ولكنه ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.
وكأن التصوف في سياق هذه النصوص هو سلامة القصد من لوثة الشهوات الحسّية والمعنوية المحرّمة والمقصد أوالقصد هو شعور داخلي ينبعث من الضمير ويتوجه نحو الفعل امتثالا للحكمة الإلهية ومقاصده من ذلك الفعل ومن التكليف ؛فقد يتطابق شخصان في طبيعة العبادة أوالعمل لكنّ القصد يختلف والجزاء من جنس العمل ولذلك فإن العبرة في المقاصد والمعاني لاللألفاظ والمباني.
وفي سياق العلاقة التفاعلية بين التجربة الصوفية وفقه المقاصد فإن الحكيم الترمذي قد نحا في تعليله للأحكام التعبّدية منحى صوفيا ذوقيا وهذا المنحى الصوفي المقاصدي يصلح أن يكون مقاربة فقهية حضارية تقطع مع ظواهر التديّن الشكلي المألوف فقد أضحى العقل العامّي أو حتى العقل الفقهي الذي يجهل العلم بمقاصد التشريع يتصور أنّ المظهر الخارجي مقياس قطعي- لايقبل الظن- على التعبّد الخالص وهذه الرؤية المغلوطة جدّ سطحية لأنها تتعارض مع الحديث النبوي الذي رواه البخاري: “إنّ الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة”. فالبعد المقاصدي للمارسة التعبّدية هو تزكية النفس لبلوغ الكمالات وتحقيق الصفاء الروحي من كدر الأهواء والميولات وتلك الشهوات الحسّية والمعنوية على وجه الخصوص “الرياء ،الحسد ،الحقد ،التشفّي، الإعجاب بالذات” حتى ترتقي الشخصية الإسلامية المعاصرة إلى تحويل المنظومة الأخلاقية إلى سلوك عملي يومي وحتى يستوعب العقل الإسلامي اليوم أن الفعل الأخلاقي من مقاصد التجربة الصوفية وأن المقصد العام من التشريع هو تحرير الفرد والمجتمع من الأزمة الأخلاقية السائدة لأن التصوف هو التحلي بكلّ خُلق سـَنيّ والتحرر من كل خُلق فاسد دنيّ.