العدالة في توزیع ونشر وتسعیر الخدمات
22 أغسطس، 2025
الإسلام وبناء الحضارة
بقلم الدكتور :حاتم عبد المنعم أستاذ علم الاجتماع البيئى بجامعة عين شمس
1. إن تركیز وتعظیم الخدمات في العواصم أو المدن الكبرى لھي صورة من صور الظلم وعدم العدالة البیئیة، كما أنھا في نفس الوقت صورة من صور التخلف، والتي نلاحظھا عادة في البلاد المتخلفة، وتكاد تحتفي من البلدان المتقدمة، لأن الإنصاف
والمساواة یقتضیان نشر وتوزیع جمیع الخدمات الأساسیة والترفیھیة في جمیع أركان الوطن، دون تمیز لوجود حكام أو نخبة أو لأي سبب آخر، فالوطن وحدة واحدة بخیراتھ وموارده، وأیضاً یجب أن یكون وحدة واحدة في توافر الخدمات سواء المتعلقة بالمعیشة والمسكن، أو التعلیم ووجود مختلف أنواع التعلیم ومستویاتھ وبنفس الجودة.والكفاءة في جمیع المدن والمناطق، وأیضاً الخدمات الصحیة والترفیھیة وفرص العمل
وخلافه، فلا یجب تمیز عاصمة أو إقلیم أو محافظة عن غیرھا (2005 ,Pak) لأنه عند تركیز الخدمات في عواصم أو مدن رئیسیة مثلاً، فسوف یؤدي ذلك إلى زیادة الھجرة إلى ھذه المدن فتزداد إزدحاماً وتلوثاً، بفعل الضغط على المرافق وتأثیرات الإزدحام، وما یتبعھ من تداعیات، وخاصة في المناطق الفقیرة في الخدمات، حیث یزداد الوضع البیئي سواء، نتیجة لنقص الخدمات، وتستمر الدائرة المفرغة تلوث وحرمان بیئي وإزدحام في كل أنحاء البلاد، ولكن العدالة في نشر وتوزیع كافة الخدمات وتوفیر فرص العمل سیؤدي لزیادة القیمة المضافة للمناطق البعیدة عن المدن، حیث وجود الخدمات مع قلة السكان وقلة السیارات فتزداد قیمتھا وتصبح بیئة جاذبة ولیست بیئة طاردة.
2. ننتقل الآن لقضیة العدالة في تسعیر الخدمات، وھي تعتمد على القاعدة الأساسیة،.وھي إشباع الحاجات الأساسیة للفقراء، والحد من إسراف الأغنیاء، فھذه القاعدةھي جوھر العدالة البیئیة وذلك یتحقق بصورة واضحة عند تسعیر الخدمات، فمثلاً عند تسعیر خدمة مثل استھلاك المیاه أو الكھرباء ھنا یجب تقسیم المستھلكین إلى عدة شرائح حسب الإستھلاك ولیكن مجرد مثال إلى أربع شرائح كالتالي:
الشریحة الأولى: الاستھلاك المحدود – وھي تشمل أقل الفئات في استھلاك الكھرباء.أو المیاه وھي عادة تمثل الأسر محدودة الدخل.
الشریحة الثانیة: الاستھلاك المتوسط – وھي تشمل عادة الطبقة الوسطى ذات الاستھلاك المتوسط والدخل المتوسط.
الشریحة الثالثة: الاستھلاك الكبیر وھي تشمل عادة الطبقة الغنیة ذات الاستھلاك الكبیر.
الشریحة الرابعة : الاستھلاك الترفي – وھي تشمل عادة الطبقة الواسعة الثراء أصحاب الفیلات والمنتجعات وعادة ما یكون استھلاكھا وفیر جداً.
وعند حساب ھذه الشرائح یكون السعر تصاعدیاً كالتالي:
. الشریحة الأولى: تدفع فقط من 30 : 50% من سعر تكلفة الوحدة.
. الشریحة الثانیة تدفع فقط من 60 : 80% من سعر تكلفة الوحدة.
• الشریحة الثالثة: تدفع من 120 : 140% من سعر تكلفة الوحدة.
• الشریحة الرابعة: تدفع 200% من من سعر تكلفة الوحدة.
وما سبق مجرد أمثلة مرنة قد تكون ثلاث شرائح أو خمسة أو أكثر وأیضاً بالنسبة لسعر الحساب، ولكن المھم أن یتحمل الثري جزء من فاتورة محدودي الدخل، ولا تتحمل الدولة شيء عادة، وھنا تكون العدالة في تسعیر الخدمات فمثل المؤمنین في توادھم وتراحمھم منثل الجسد الواحد إذا اشتكى منھ عضو تداعى لھ سائر الجسد بالسھر والحمى.
ویلاحظ أنه من خلال تسعیر الخدمات تم فعلاً إشباع الحاجات الأساسیة للفقراء، والحد نسبیاً من إسراف الأغنیاء، فلا یصح أن نحاسب صاحب ملاعب الجولف مثلاً على استخدام المیاه بنفس سعر الإنسان الذي یسكن في حجرتین أو حجرة واحدة، وھكذا في كل الخدمات سواء العلاجیة أو غیرھا.
3. العدالة في جودة الخدمات إن العدالة في توفیر كل الخدمات الأساسیة بجودةعالیة ھي ركن أساسي لا تستقیم بغیره العدالة البیئیة، بل أن جون روالز وھو أحد كبار العلماء المعاصرین الذین تحدثوا عن نظریة العدالة الاجتماعیة (1) یرى أن
نشر الخدمات الأساسیة في كل مكان ھي جوھر العدالة الاجتماعیة بمعنى أن یتاح لكل إنسان في ھذا المجتمع فرص التعلیم الجید، والعلاج الجید، وفرص الترفیه وخلافه، من خدمات فمثلاً یجب أن تتاح الفرصة لابن البواب، أو أي إنسان فقیر
في التعلیم والعلاج، مثلھ مثل ابن صاحب العمارة أو صاحب المصنع، بحیث یؤدي ذلك مستقبلاً لإتاحة الفرصة لابن البواب لیكون طبیباً أو مھندسا ، سیترتب علیھ بعد ذلك إتاحة الفرصة لھ للترقیة لأعلى المناصب، مثل الطبیب أو أستاذ الجامعة أو الرئیس، ویمكن ملاحظة أن ذلك تحقق في مصر بعد ثورة 1952 حینما تم توفیر خدمات أساسیة جیدة للجمیع مما
ساعد على ظھور علماء وأساتذة جامعات من الطبقة البسیطة وصلت بعد ذلك لأكبر المراتب والمناصب محلیاً وعالمیاً.