النَّقدُ الأدبيُّ بينَ نظريَّاتِ النَّقدِ الغربيِّ و المنظورِ الإسلاميِّ

بقلم الأستاذ: وليد عبدالله

المقدِّمة:
يُعَدُّ النَّقدُ الأدبيُّ من أهمِّ الوسائلِ الَّتي تُساهِمُ في رَفعِ الذَّوقِ الفنِّي، وتوجيهِ مسارِ الإبداعِ نحوَ غاياتٍ أسمى. وقد عَرَفه الإنسانُ منذُ القِدَمِ؛ لأنَّهُ استجابةٌ فطريَّةٌ للنُّصوصِ الإبداعيَّةِ الَّتي تُثيرُ العقلَ والوجدانَ معًا.

وإذا كانَ النَّقدُ الغربيُّ قد مرَّ بمَراحلَ متعدِّدةٍ، من الفلسفةِ اليونانيَّةِ إلى البنيويَّةِ وما بعدَها، فإنَّ النَّقدَ الإسلاميَّ قد تأسَّسَ على مرجعيَّةٍ ربانيَّةٍ، انبثقت من القرآنِ الكريمِ والحديثِ النبويِّ، وتبلورت في جهودِ أعلامٍ كبارٍ كعبدِ القاهرِ الجرجانيِّ وابنِ قتيبةَ وحازمٍ القرطاجنيِّ.

ويسعى هذا المقالُ إلى المقارنةِ بينَ المنهجينِ، للكشفِ عن أوجهِ التلاقي والافتراق، وإمكانِ الإفادةِ المتبادلةِ بينهما.

أوَّلًا: النقدُ الأدبيُّ في الفكرِ الغربيِّ:

1 ـ الجذورُ القديمة :
بدأ النَّقدُ الغربيُّ مع أفلاطون (ت 347 ق.م)، الَّذي نظرَ إلى الشِّعرِ على أنَّهُ محاكاةٌ ناقصةٌ للواقعِ، ورأى أنَّ كثيرًا منه يُفسدُ الأخلاقَ.

أمَّا أرسطو (ت 322 ق.م) فقد أنصفَ الشِّعرَ، وجعلَهُ محاكاةً للفعلِ الإنسانيِّ، مُرسِيًا بذلك ما عُرِفَ لاحقًا بـ “نظريةِ المحاكاة” في كتابه فنُّ الشِّعر.

2 ـ النقدُ في العصورِ الكلاسيكيَّةِ والنهضة :
اعتنى النُّقَّادُ بالبلاغةِ والأسلوبِ، وبإحياءِ القيمِ الجماليَّةِ للرُّقيِّ بالآدابِ.

3 ـ النظرياتُ الحديثةُ والمعاصرة :

الشكلانيَّة (Formalism): تركيزٌ على بنيةِ النَّصِّ دونَ الالتفاتِ إلى مؤلِّفه أو سياقه.

البنيويَّة (Structuralism): تحليلُ النُّصوصِ باعتبارها نُظُمًا من العلاماتِ والرموز.

التفكيكيَّة (Deconstruction): محاولةُ كشفِ التناقضاتِ الدَّاخليَّةِ في النُّصوص (جاك دريدا).

النَّقدُ النفسيُّ: تفسيرُ الأدبِ من خلالِ اللاوعي (فرويد) أو النَّموذجِ الجمعيِّ (يونغ).

النَّقدُ الاجتماعيُّ والماركسيُّ: النَّظرُ إلى الأدبِ باعتبارهِ انعكاسًا للبنيةِ الاجتماعيَّةِ (لوكاش، غرامشي).

النَّقدُ الثَّقافيُّ وما بعدَ الكولونياليَّة: توسيعُ دائرةِ النَّقدِ لِتشمَلَ الأبعادَ الحضاريَّةَ والسِّياسيَّةَ.

4 ـ السِّماتُ العامَّة :
التَّركيزُ على العقلِ والتحليلِ العلميِّ.

الفصلُ بين النَّصِّ والمرجعيَّةِ الدِّينيَّة.

الانفتاحُ على العلومِ الإنسانيَّةِ والاجتماعيَّة.

ثانيًا: النقدُ الأدبيُّ في المنظورِ الإسلاميِّ :

1 ـ الأساسُ المرجعيُّ :

القرآنُ الكريمُ: إذْ أعطى قيمةً عظمى لبلاغةِ الكلمةِ، قال تعالى:{وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 192-195].

الحديثُ الشريفُ: كقول النبي ﷺ: «إنَّ من البيانِ لَسحرًا» (رواه البخاري).

2 ـ ملامحُ النَّقدِ عند العربِ الأوائل :

كانَ للشِّعرِ سوقٌ ومجالسُ يُعرضُ فيها، كسوقِ عُكاظ، حيثُ يُقوَّمُ بالذَّوقِ والموازنة.

عبد القاهر الجرجاني: مؤسِّسُ “نظريةِ النَّظم”، الَّتي جعلت إعجازَ القرآنِ قائمًا على التَّركيبِ البديعِ للعناصرِ اللغويَّةِ.

قدامة بن جعفر: أوَّلُ من ألَّف في نقدِ الشِّعر.

ابن قتيبة: أبرزَ قيمةَ التوازنِ بين المعنى واللفظ.

حازم القرطاجني: ربطَ الأدبَ بمقاصدِ التَّربيةِ والتَّهذيبِ.

3 ـ خصائصُ النَّقدِ الإسلاميِّ

الجمعُ بين الشَّكلِ والمضمون.

الانطلاقُ من مرجعيَّةٍ أخلاقيَّةٍ وإيمانيَّةٍ.

اعتبارُ الأدبِ وسيلةً للإصلاحِ الاجتماعيِّ والتَّهذيبِ.

التَّكاملُ بين العقلِ والذَّوقِ والرُّوح.


 ثالثًا: المقارنةُ بين المنهجين :

نقاط الالتقاء

تحليلُ النُّصوصِ والكشفُ عن جمالياتِها.

اعتمادُ أدواتٍ عقليَّةٍ ومنهجيَّةٍ.

نقاط الافتراق

المرجعيَّة: دينيَّةٌ ربَّانيَّةٌ في الإسلام، وفلسفيَّةٌ أو مادِّيَّةٌ في الغرب.

الهدف: التَّهذيبُ والهدايةُ في الإسلام، مقابلَ الجماليَّةِ أو الأيديولوجيا في الغرب.

الرؤيةُ للإنسانِ: توحيديَّةٌ في الإسلام، نسبيَّةٌ في الفكر الغربيِّ.

إمكانُ التَّكامل

الإفادةُ من الأدواتِ الغربيَّةِ كالبنيويَّةِ والسيميائيَّة دونَ التخلِّي عن المرجعيَّةِ الإسلاميَّةِ ومقاصدِها.


 الخاتمة :

إنَّ النَّقدَ الأدبيَّ، سواءٌ في الغربِ أو في الإسلامِ، يظلُّ أداةً مهمَّةً لفهمِ النُّصوصِ وتذوُّقِها. غيرَ أنَّ المنظورَ الإسلاميَّ يتميَّزُ بارتباطِه بالقيمِ الإيمانيَّةِ، وبتوازنه بين الجماليَّةِ والوظيفةِ الأخلاقيَّةِ. ومن ثَمَّ، فإنَّ تطويرَ النَّقدِ الأدبيِّ الإسلاميِّ يقتضي الإفادةَ من المناهجِ الحديثةِ، مع الحفاظِ على المرجعيَّةِ القرآنيَّةِ والحديثيَّةِ.

المراجع :

1. أرسطو: فنُّ الشِّعر.

2. أفلاطون: الجمهوريَّة.

3. عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز، أسرار البلاغة.

4. قدامة بن جعفر: نقد الشعر.

5. ابن قتيبة: الشعر والشعراء.

6. حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء.

7. إحسان عباس: تاريخ النقد الأدبي عند العرب.

8. صلاح فضل: نظرية البنائية في النقد الأدبي.

9. تودوروف: مدخل إلى الأدب.

10. عبد الله الغذامي: الخطيئة والتكفير.